أزمة السيولة تقود الليبيين نحو الدفع الإلكتروني رغم المحاذير

شاب ليبي يستخدم تطبيق الهاتف الجوال للدفع في متجر يقبل أنظمة الدفع الإلكترونية في بنغازي (أ.ف.ب)
شاب ليبي يستخدم تطبيق الهاتف الجوال للدفع في متجر يقبل أنظمة الدفع الإلكترونية في بنغازي (أ.ف.ب)
TT

أزمة السيولة تقود الليبيين نحو الدفع الإلكتروني رغم المحاذير

شاب ليبي يستخدم تطبيق الهاتف الجوال للدفع في متجر يقبل أنظمة الدفع الإلكترونية في بنغازي (أ.ف.ب)
شاب ليبي يستخدم تطبيق الهاتف الجوال للدفع في متجر يقبل أنظمة الدفع الإلكترونية في بنغازي (أ.ف.ب)

حينما اضطر كثير من الأشخاص إلى الاصطفاف لأيام أمام المصارف لسحب أموالهم خلال أزمة السيولة التي ضربت ليبيا، لم تنجح أنظمة الدفع الآلي في كسب ثقة الليبيين، جراء اتهامات من قبلهم بوجود حالات استغلال.
وفي متجر كبير في بنغازي، ثاني كبرى مدن ليبيا، يستخدم سعيد فايز فضل الله (35 عاما) تطبيقا في هاتفه الجوال ليدفع ثمن عربة مليئة بالأغراض.
يقول سعيد: «لقد حلوا لنا مشكلة فعلية، لم أعد أهتم بالوقوف لساعات أو أيام بانتظار سحب جزء بسيط من راتبي».
تسببت سنوات من العنف والفوضى السياسية التي اجتاحت البلاد منذ أطاحت انتفاضة مدعومة من حلف شمال الأطلسي بالرئيس الليبي معمر القذافي، بأزمة في مؤسسات الدولة الليبية، بما فيها البنك المركزي.
انقسم المصرف المركزي إلى نصفين عام 2014، وتشرف حكومتان متنافستان على فرعيه في الغرب والشرق. وأفضت أزمة السيولة الناتجة عن ذلك، والتي فاقمها تنامي التضخم، إلى تشكل طوابير ضخمة من المتعاملين في المصارف حيث لم يعد كثيرون قادرين على قبض رواتبهم. ودفع ذلك البنوك إلى اعتماد أنظمة للدفع الإلكتروني.
وفي بنغازي، يتيح مصرف التجارة والتنمية عبر خدمة «ادفع لي»، ومصرف الوحدة عبر خدمة «موبي كاش»، للمتعاملين دفع ثمن المشتريات وفواتير المطاعم والصيدليات والمستشفيات دون الحاجة إلى السيولة.
ولكن لا يبدو أن الكل راض عن هذه الخدمات الإلكترونية. فأمام المتجر ذاته في بنغازي، يشكك أيمن العبيدي (46 عاما) والذي خرج ويداه محملتان بالأغراض، بمدى فعالية أنظمة الدفع الجديدة.
ويوضح: «لم تعد هذه الطريقة مجدية، قالوا لنا منذ انطلاق هذه الخدمة إن الأسعار ستظل كما هي، لكنها أزيد بنحو 40 في المائة في حال رغبت الشراء عبر «ادفع لي»، كما أن كثيرا من السلع ذات الجودة العالية اختفت من الأسواق التي تتعامل بالخدمة، وتم استبدالها ببضائع سيئة المنشأ والجودة، ونحن مضطرون لشرائها».
ومنذ عام 2014، لم يتمكن كثير من الليبيين من استخدام حساباتهم المصرفية. وواجهوا برد الشتاء وحر الصيف وهم يسمعون الإشاعات التي تفيد بعودة السيولة، حيث اصطفوا لساعات دون أي ضمانات بأنهم سيتمكنون من سحب أموالهم. وبذلك، دمرت الأزمة ثقة الناس بالقطاع المالي.
وأكد موظف في أحد المصارف، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الناس لم يعودوا يثقون بالبنوك».
وأضاف: «يريدون التأكد من أن بإمكانهم سحب الأموال النقدية الكافية، في حال حدث أمر ما أو أغلقت المصارف أبوابها، أو في حال عدم تمكنهم من مغادرة منازلهم».
ولا تزال رواتب موظفي القطاع الحكومي الواسع في ليبيا تصب مباشرة في حساباتهم البنكية، وهو ما اضطر كثير منهم لاستخدام أنظمة الدفع الإلكترونية لاستخدام أموالهم.
ويسمح هذا النوع من الخدمات للمشترين بتحويل الأموال إلى حساب البائع. ومن ثم يحصلون على رسالة نصية عبر الهاتف تبلغهم أن العملية الشرائية قد تمت.
وفي هذا السياق، يؤكد الناطق الرسمي باسم «مصرف الوحدة»، المعتصم الفيتوري، أن المعاملات عبر «موبي كاش»، «آمنة». ويضيف: «لا تحتاج بالضرورة لاستخدام هاتف نقال ذكي عند عملية الدفع، كما لا تحتاج من التاجر امتلاك جهاز نقطة بيع (بي أو إس) تقليدي». إلا أن البنوك تدرك أن هذه الخدمات قد تتعرض للاستغلال.
وعلى موقعه عبر الإنترنت، يدعو «مصرف التجارة والتنمية» المتعاملين إلى الإبلاغ عن أي زيادات في الأسعار عند الدفع عبر «ادفع لي».
وتخلى كثير من المتاجر التي كانت في البداية متحمسة لخدمات الدفع الإلكتروني عن قبول التعامل عبر هذه التطبيقات.
ويشير صلاح العقوري، وهو صاحب أحد المحال التجارية، حيث يدفع زبائنه له عبر «ادفع لي»، إلى أن «المصرف لم يف بالتزاماته معنا». ويضيف: «لقد قال إنه بإمكاننا سحب 25 في المائة نقديا متى نشاء من قيمة المبيعات بهذه الخدمة، لكنه عجز عن الإيفاء بذلك، وهو ما جعل الكثير يوقف التعامل بها أو يرفع أسعار مبيعاته، وهذا يعمق الأزمة ويسبب ارتفاع الأسعار أمام الجميع».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.