قرار سياسي يبطل متابعة وزير سابق مقرب من بوتفليقة

في إجراء مطابق استفاد منه مسؤولون كبار ورئيس الوزراء الحالي

وزير الطاقة السابق استفاد من عفو الرئيس بوتفليقة ({الشرق الأوسط})
وزير الطاقة السابق استفاد من عفو الرئيس بوتفليقة ({الشرق الأوسط})
TT

قرار سياسي يبطل متابعة وزير سابق مقرب من بوتفليقة

وزير الطاقة السابق استفاد من عفو الرئيس بوتفليقة ({الشرق الأوسط})
وزير الطاقة السابق استفاد من عفو الرئيس بوتفليقة ({الشرق الأوسط})

قال مصدر قضائي جزائري إن تهم الفساد، التي كانت تلاحق شكيب خليل وزير الطاقة سابقا، المعروف بقربه من الرئاسة، جرى محوها بفضل قرار سياسي صدر من أعلى سلطات البلاد، ليضاف بذلك إلى عدد من كبار المسؤولين الذين استفادوا أيضا بنفس الطريقة من إلغاء تهم رشى واختلاس أموال عمومية.
وذكر المصدر القضائي، الذي رفض نشر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، أن تشكيلة من قضاة بـ«المحكمة العليا» (أعلى هيئة في القضاء المدني)، تلقت تعليمات من وزير العدل الطيب لوح بالاجتماع لإمضاء قرار معد سلفا، يتمثل في منح «انتفاء وجه الدعوى العمومية» للوزير السابق خليل، وهو ما يعني إسقاط تهمة الفساد عنه، وبالتالي إبطال المتابعة القضائية بحقه، التي أخذت أبعادا دولية.
وأوضح نفس المصدر أن لوح نفذ أوامر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، حيث جرى اجتماع القضاة منذ أسبوع في سرية تامة، والنتيجة التي أفضى إليها تعد سليمة من وجهة نظر قانونية.
وكان رئيس الوزراء الحالي عبد المجيد تبون قد استفاد من نفس الإجراء عام 2004. وحينها كان قد غادر حديثا منصبه كوزير للسكن والعمران، وتم اتهامه عام 2000 بتلقي رشوة مقابل وضع أموال «دواوين الترقية العقارية» التي تتبع لوزارته في «بنك الخليفة». وقد تبخرت هذه الودائع بعد أن هرب مالك البنك عبد المؤمن رفيق خليفة إلى أوروبا، وتم تصفية إمبراطوريته المالية. كما تورط وزير الصناعة والاستثمار عبد السلام بوشوارب في نفس القضية، حيث أخذ قرضا كبيرا من نفس البنك ولم يسدده. ويعرف عن تبون وبوشوارب ولاؤهما الشديد لبوتفليقة ولشقيقه ومستشاره الخاص السعيد، علما بأن خليفة في السجن بعدما تمت إدانته بـ20 عاما حبسا نافذا.
وغادر خليل الجزائر بعد تنحيته من الحكومة مطلع 2013. وفي صيف نفس العام أعلنت النيابة عن وجود أمر دولي باعتقاله لاتهامه بتلقي رشى وعمولات في صفقات، تمت بين شركة المحروقات المملوكة للدولة «سوناطراك»، ومؤسسة «صايبام»، فرع عملاق المحروقات الإيطالي «إيني».
وعاد خليل إلى الجزائر في مارس (آذار) 2016. وكان في استقباله بمطار وهران (غرب البلاد) والي وهران (ممثل الحكومة على المستوى المحلي)، وقد أصيب قطاع واسع من الجزائريين بالذهول لأنهم كانوا يتوقعون القبض عليه ومحاكمته. يشار إلى أن تهم الفساد في هذه القضية طالت أيضا زوجة خليل ونجله وشخصا يدعى فريد بجاوي، ابن شقيق وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، الذي توسط في دفع الرشى والعمولات التي تبلغ قيمتها نحو 200 مليون دولار، بحسب النائب العام الجزائري سابقا بلقاسم زغماتي. وحدثت الوقائع ما بين 2010 و2012 بحسب القضاء الإيطالي، الذي وجه نفس التهمة لمسؤولين بالشركة الإيطالية التي رست عليها صفقات «سوناطراك» بإيعاز من خليل. وقد وصلت قيمة هذه الصفقات إلى 8 مليارات يورو.
وغضب الرئيس بوتفليقة غضبا شديدا، لما بلغه وهو في رحلة علاج بباريس (ربيع 2013)، بأن تحقيقا في قضايا فساد بـ«سوناطراك» أجرته مصلحة الشرطة القضائية التابعة للمخابرات العسكرية، أفضى إلى اتهام خليل. فوزير الطاقة السابق صديق طفولة بوتفليقة، وولدا في مكان واحد هو مدينة وجدة المغربية. وقد كان بوتفليقة هو من أصر على إحضار خليل من البنك العالمي، حيث كان يشتغل عام 1999 لما تسلم الحكم في نفس العام، وكان أول قرار اتخذه الرئيس لما عاد من سفرية العلاج هو حل الشرطة القضائية للمخابرات وتنحية وزير العدل. وفي 13 سبتمبر (أيلول) 2015 عزل مدير المخابرات بعدما جرده من أهم الصلاحيات خلال العامين الماضيين، وكان ذلك عقابا له لأنه كان وراء توجيه تهمة الفساد لخليل.
ويرى متتبعون أن قواسم مشتركة كثيرة تجمع بين بوتفليقة وخليل، قد تجعل من الوزير السابق يحظى بموافقة الرئيس الحالي أن يكون خليفة له في انتخابات 2019 المقبلة. فهما مولودان في مدينة وجدة المغربية الحدودية مع الجزائر، ويتحدران من تلمسان بغرب البلاد. ولمعطيات «الانتماء إلى الجهة الواحدة» تأثير بالغ في تولي المسؤولية في البلاد، منذ الاستقلال. فلما كان الرئيسان الراحلان هواري بومدين (1965 - 1979) والشاذلي بن جديد (1980 – 1992) يتحدران من شرق الجزائر، كان أبرز المسؤولين في الحكومة وأجهزة الدولة من ولايات الشرق. وغالبية المسؤولين في البلاد خلال عهد بوتفليقة ولدوا بغرب البلاد مثله. ويطلق على هذه الظاهرة في الجزائر بـ«الجهوية».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.