دينا الضيف جمعت عادات أقدم مطابخ العالم في كتاب

يكشف أسرار المذاق المصري للأكلات المنزلية

دينا الضيف جمعت عادات أقدم مطابخ العالم في كتاب
TT

دينا الضيف جمعت عادات أقدم مطابخ العالم في كتاب

دينا الضيف جمعت عادات أقدم مطابخ العالم في كتاب

لم تكن المصرية الأسترالية دينا الضيف تعلم أن المأكولات المصرية المنزلية التي تزودها بها والدتها في السكن الجامعي في ملبورن، سوف تدفعها لتأليف كتاب ناجح عن المطبخ المصري وفنونه. وقد أصدرت دينا الضيف كتابها «The Taste of Egypt: Home Cooking from the Middle East» نهاية عام 2016، عن دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة، وحاز على جائزة «Gourmand World Cookbook Awards» العالمية، كأفضل كتاب للطهي في البحر المتوسط، وأفضل كتاب طهي عربي، وذلك في حفل توزيع جوائز كتاب الطبخ العالمي. وأشاد رئيس لجنة تحكيم الجوائز، إدوارد كوانترو، بالكتاب، ووصفه «بالمقدمة المثالية للثقافة الغنية للطعام المصري».
«التنوع في المطبخ المصري هو تنوع واسع، ربما كاتساع نهر النيل العظيم، وهدفي من هذا الكتاب أن أقدم لمحات تعكس شغفي وحبي للأكل المصري، ولجذوري وعائلتي المصرية»، هكذا تقول الضيف في كتابها الذي يقع في 183 صفحة من القطع الكبير، ويضم نحو 120 صورة ملونة. ويقدم الكتاب مدخلاً عصرياً لواحد من أقدم المطابخ في العالم، حيث يضم وصفات عمرها آلاف السنين.
تأخذنا دينا الضيف من الصفحات الأولى للكتاب إلى رحلة للتعرف على تقاليد وعادات وطقوس مصرية خاصة بأسرتها، تضفرها في حكايات ممتعة بحس فكاهي مع أساسيات الطهي المصري، وأهم المكونات الرئيسية التي تدخل في غالبية الأكلات، وتقدم دليلاً لبعض البدائل لمن يعيشون خارج مصر لشراء البدائل والمكونات من متاجر بها بضائع من منطقة البحر المتوسط.
فتبدأ بتقديم وصفات لطريقة عمل الزبادي والسمنة، والمخللات والزيتون، في المنزل، والأرز بالشعرية، والأرز وحساء الدجاج واللحم، والعيش المشمس (بيتا شيبس)، ثم تنتقل بنا للمقبلات وفواتح الشهية، ومنها الفول السوداني المحمص منزلياً، ولب البطيخ ولب القرع العسلي، والترمس، والطحينة، وسلطة الزبادي، والباباغنوج، والرمان، والتين الشوكي، وتنصح: «عند شراء حبات التين الشوكي، يجب انتقاء ذات اللون الداكن، سواء أحمر أو أصفر».
وتنتمي الضيف لأسرة ذات جذور صعيدية من محافظة المنيا، هاجرت إلى أستراليا عام 1969، والدها من المنيا ووالدتها من القاهرة. وأثناء نشأتها في أستراليا، وجدت أصدقاءها وجيرانها منبهرين بطهي والدتها، وبالمأكولات المصرية والحلويات، وتروي الضيف: «حينما بدأت أدرس بجامعة موناش في ملبورن، عام 1994، كانت والدتي تعد الأكلات المصرية، وتقوم بتجميدها، وتحضرها لي في كل عطلة أسبوعية، وكنت أشارك صديقاتي وزميلاتي بالجامعة هذه الوجبات، وهي أيضاً كانت طريقي لقلب زوجي المستقبلي، حيث ظل يأتي لمائدة العشاء مرات ومرات. ومن ثم، تزوجنا عقب انتهاء دراستنا الجامعية».
يتميز الكتاب بإخراج فني ممتع، ومطعم بصور المأكولات والفواكه والخضراوات التي تفتح شهية القارئ على الطعام، والتخلي عن مقعده الوثير، وإعداد أدوات الطهي وتجربة الوصفات اللذيذة التي تضمها دفتا الكتاب. أسلوب المؤلفة الممتع يجعلك وكأنك تشم وتتذوق الوصفات الشهية، ويبدو ما بذلته من مجهود جبار في جميع المقادير الدقيقة للوصفات التي عادة ما تتوارثها البيوت المصرية دون مقادير: «كانت والدتي تطهو دون الاستعانة بوصفات أو مقادير مكتوبة، فهي تعرفها جيداً، وقد كنت أحرص على أن أشارك تلك الوصفات مع الأصدقاء، لذا أيقنت أنني يجب أن أدون تلك الوصفات، وكانت تلك البذرة الأولى لهذا الكتاب».
وأضافت دينا الضيف عليها لمستها الخاصة في الطهي، التي تمكنت منها عبر سنين من إعداد الأطباق، وخلقت لها «نفساً» خاصاً بها في إعداد الأكلات المصرية المنزلية، وهو أمر يلمسه القارئ أيضاً: «لم أغفل أن بعض الأطباق الرئيسية لها أسماء متعددة في مصر، وتختلف من مدينة لمدينة في بعض الأحيان».
بدأت الضيف في مشاركة وصفات والدتها، ووصفاتها أيضاً، عبر مدونة إنجليزية خاصة بالأكل المصري، ثم بدأت في إعطاء دورات لتعليم الطهي المصري بأستراليا، وبث مقاطع فيديو عبر «يوتيوب» لمتابعيها وعشاق المذاق المصري.
دينا الضيف، الأم لثلاثة أبناء، تقول: «بعد ولادة طفلي الثالث، تلقيت دعوة من إحدى الشركات الإعلامية للمشاركة في برنامج (ذا تيست)، الذي كان من المفترض أن يتم تصويره بلبنان، لكنه تم بالقاهرة، وكانت فرصة لزيارة مصر منذ سنوات، والتواصل مع أقاربي من طرفي العائلة. والتفاعل مع لجنة التحكيم والمتسابقين أضاف لي خبرة رائعة، ودفعني لجمع الوصفات المصرية الشهية لتخرج في هذا الكتاب».
ويقدم الكتاب جزءاً خاصاً للأكلات المصرية التي تصلح كغذاء صحي للأطفال؛ ومنها الملوخية، و«معكرونة الفرن» مع الكوسة والباذنجان أو «المسقعة بالبشاميل»، والقلقاس مع السلق، والكفتة بالدمعة أو بصلصة الطماطم، ومحشي ورق العنب، وهو رائع كـ«Finger food». ولم تنسَ الضيف تقديم وصفة «الأومليت المصري»، المعروف بـ«العجة» التي يعشقها الأطفال مقطعة إلى قطع مستطيلة أو شرائح سهلة التناول، إلى جانب «الفلافل» التي يعشقها الأطفال قبل الكبار.
وتشير إلى أن المطبخ المصري غني بالأطباق المفيدة جداً للأطفال؛ فتقول: «هناك أطباق مغذية ومحببة، مثل: الملوخية التي تقدم مع الأرز أو مع الخبز، وهي من الأطباق التي يفضل تقديمها للأطفال الرضع، حيث يكون من السهل عليهم أكلها وهضمها. وقد كانت أمي تزرعها في منزلنا بأستراليا، ويعشقها والدي».
وصفات رائعة يضمها الكتاب لأكلات تتميز بها مصر، مثل الكشري والفول المدمس والفلافل والعجة والفتة والحواوشي وطواجن العكاوي واللحوم والمحاشي والمسقعة والبطاطس المحشوة أو البطاطس بالفرن. وفي قسم الحلويات، ستكون قراءتك ممتعة، حيث تتعرف على عادات وطقوس المصريين في الأعياد والمناسبات الإسلامية والمسيحية، بداية من المربى مروراً بالكعك والكيك والبسبوسة بأنواع مختلفة، والبقلاوة والكنافة والمهلبية والأرز باللبن والكاسترد، والخشاف والجلاش، وغيرها من الأكلات الشهية اللذيذة.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.