مصر... وجدل المواقع المحجوبة

خسرت زوارها على الإنترنت... وبعضها يواجه تهماً بالإرهاب

نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
TT

مصر... وجدل المواقع المحجوبة

نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)
نقابة الصحافيين المصرية تحقق في شكاوى حجب مواقع على الإنترنت (رويترز)

تعرّض أكثر من مائة موقع إخباري في مصر للحجب، خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. ولم يعد في مقدور متصفّحي الإنترنت الوصول إليها، بعدما حققت شهرة ونسبة زوّار وإعلانات من غوغل لا يستهان بها. وبينما تقدم عدد من أصحاب هذه المواقع بشكاوى إلى نقابة الصحافيين، فإن التحقيق في الأمر قد يستغرق أسابيع عدة، وفقا لما قاله لـ«الشرق الأوسط» مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام. وللعلم، منذ أحداث 2011 التي ضربت المنطقة العربية، شهدت التداعيات اللاحقة استخداماً واسعاً للإنترنت في نشر أخبار وقصص مثيرة، لها علاقة بالسياسة والحكم والفوضى. وقال اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: إن «كل دول العالم القوية ذات السيادة، تتخذ إجراءاتها التي تتماشى مع مصالح أمنها القومي»، مشددا على ضرورة التفريق بين الإعلام ونشر الشائعات «الذي تقف وراءه أجهزة مخابرات تحاول إفشال الدولة المصرية».
وتواجه بعض المواقع المحجوبة تهماً بالترويج للإرهاب، وغموضا في تمويلها المالي، ومن بينها عشرات من المواقع المصرية، وعدد آخر من المواقع العربية. ودافع عدد من أصحاب هذه المواقع عن أنفسهم، وقالوا إن حجب مواقعهم كبّدهم خسائر مالية ضخمة، ونفوا صلتهم بالإرهاب. وقال خالد البلشي، رئيس تحرير موقع «البداية» الإخباري (تم حجبه في مصر)، وهو ذو توجه يساري، لـ«الشرق الأوسط»: أعتقد أن الأمر يتعلق برفض الرأي الآخر.
ووفقا لمسؤول أمني مصري، بدأ الحجب بالفعل على عدد محدود من المواقع، بداية من شهر مايو (أيار) الماضي، لكن العدد ارتفع بعد قرار مصر مقاطعة قطر، مشيراً إلى أن الحجب شمل مواقع ممولة من الدوحة، وأخرى تقف وراءها تنظيمات مشبوهة، و«تمويل مالي غير شفاف».
ومن بين نحو مائة موقع مصري محجوب، لم يتقرر النظر إلا في شكاوى تخص سبعة فقط، من بينها موقع «المصريون» الذي يصدر نسخة ورقية أيضاً. وقال جمال سلطان، رئيس تحرير «المصريون» لـ«الشرق الأوسط» موضحاً «أي تحقيق نزيه سيكشف أن موقعي بريء من أي تهمة». ومن جانبه، أكد عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس النقابة ناقش المشكلة، وسيتعامل معها بكل شفافية وحياد.
وليس من السهل على الحكومات حجب مواقع على الإنترنت، حسب خالد عبد الراضي، المتخصص في الشبكات الإنترنتية بالقاهرة، الذي أفاد «الشرق الأوسط» بأن الأمر مكلف ويحتاج إلى أموال وتقنيات... «مثل هذه الإمكانية لم تكن متوافرة في مصر، لكن يبدو أنها أصبحت متاحة في الفترة الأخيرة».
انقرْ على زر الإدخال. لن يظهر الموقع الإخباري الذي تريده. جرِّب موقعاً آخر.. لا يعملُ. ثالث... المشكلة نفسها. ليست مواقع سياسية فقط، هناك مواقع تخص أشياء أخرى مثل لعبة كرة القدم.
ما السبب يا ترى؟ أجاب مكرم محمد أحمد، قائلا: «كثرة من مثل هذه المواقع تابعة لجماعة الإخوان، والكثير منها صدرت عليها قرارات حراسة».
ومنذ ضربت موجة الإرهاب الكثير من دول العالم، اتخذت السلطات في بلدان مختلفة إجراءات لحماية أمنها القومي، كان آخرها روسيا، قبل ثلاثة أيام، سبقها في هذا مجموعة الدول العربية الأربع؛ مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة والبحرين. لقد اتهمت هذه الدول قطر بتمويل ودعم منظمات وجماعات إرهابية، عبر منطقة الشرق الأوسط، على رأسها جماعة الإخوان. وطالت العقوبات حجب مواقع محسوبة على قطر.
فكرة الحجب الإنترنتي اجتاحت أوروبا أيضا، بعد هجمات نفذها متطرّفون، وبخاصة تنظيم داعش في الأعوام الأخيرة. وقامت بها كذلك دول عربية في إجراء مبكر للجم انتشار دعاوى نشر الفوضى والقتل والتفجير. وعقب ترؤس عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين، اجتماعاً في مبنى نقابة الصحافيين المصريين، الكائن في شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة، قال سلامة: «نحن في مصر في مشكلة، ويوجد إرهاب».
كان اجتماع مجلس النقابة مخصّصاً لبحث قضايا عدة، من بينها شكاوى من أصحاب مواقع إنترنت مصرية، محجوبة في البلاد، لمناقشة المشكلة. حدث هذا قبل يومين. ولقد تعرّضت مواقع عدة لخسائر مالية، بعد حجبها منذ أسابيع، في حين يقول بعض أصحابها إنه لا علاقة لهم بالإرهاب ولا بالتمويل المشبوه. كذلك اضطرت مواقع من هذا النوع إلى تسريح عاملين لديها، كما يقول جمال سلطان.
ويبدو أن مصر اتخذت إجراءات مشددة ضد مزيد من المواقع التي يعتقد أنها تحض على الكراهية، خلال الفترة الأخيرة. ولكن من بين نحو مائة صاحب موقع مصري محجوب، لم يتم التعامل إلا مع سبع شكاوى فقط، حتى الآن. وعن سبب حجب موقعه، قال خالد البلشي إن الموقع «ليس عليه قضايا، أو مشاكل قانونية، أو غيرها. أنا أبث من داخل مصر.. وفجأة جرى حجب موقعنا، ولم تخطرنا أي جهة بأي شيء. تقدمنا بشكوى لنقابة الصحافيين، لكن يبدو أنه لم يتم النظر فيها بعد».

القانون الجديد

ووضعت مصر قانوناً جديداً، في الفترة الأخيرة، لتنظيم عمل المواقع الإخبارية على الإنترنت، بعدما انفتحت سوق النشر في الفضاء الإلكتروني على مصراعيها في أعقاب ما يعرف بثورات «الربيع العربي». وقال البلشي «كنا نستعد لتوفيق أوضاعنا مع قانون الصحافة والإعلام الجديد... في كل الأحوال لم يكن هناك قانون يحكم المواقع الإلكترونية. كانت تنشأ هكذا، وفي الفترة الأخيرة بدأت تقوم بتأسيس كيانات قانونية لها، حتى تدخل ضمن الحالة الجديدة للقانون المستحدث».
وعن الخسائر التي تعرّض لها موقع «البداية» بسبب الحجب، أوضح البلشي «أولها أن موقعي لم يعد يقرأ في مصر... هذه خسارة معنوية بأنك لم تعد تقدم رسالة. وبطبيعة الحال تراجع القراءات يعني تراجع الإعلانات، ويعني تراجع الدخل المالي»، مشيرا إلى أن عدد الصحافيين في الموقع «ليس كبيراً؛ إذ إن عدد المنتظمين في العمل لا يزيد على عشرة، لكن كان لدى الموقع متعاونون من الخارج، ومتطوّعون يرسلون مواضيع مكتوبة، وكُتاب، وغيرهم... نحن كنا نعمل بأقل إمكانات».
جمال سلطان وآخرون من أصحاب المواقع الإخبارية، تقدموا بتظلم من الحجب على الإنترنت لكل من نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام. لكنه مثل كثيرين آخرين، لا يعوِّل على وجود حل في الأفق المنظور. إذ يقول: «كان عدد المواقع المحجوبة 22 فقط، لكن العدد زاد الآن وأصبح هناك 128 موقعاً مصرياً محجوباً، منها نحو 10 أو 12 موقعاً أجنبياً، مثل موقع (الجزيرة) ومواقع تابعة لـ(الإخوان) تبث من الخارج، منها موقع (مكملين)».
المواقع التي تقدَّم أصحابها بمذكرات لرفع الحجب عنها، لنقابة الصحافيين، ويطلبون التحقيق في مدى التزامهم بالقانون المصري، هي - بالإضافة إلى «المصريون» - موقع «مصر العربية»، و«مدى مصر»، و«البورصة» و«ديلي نيوز مصرية (باللغة الإنجليزية)»، و«محيط»، و«كورابيا»، وهذا الأخير معني بشؤون الكرة، ولقد ذكرت مصادر أمنية أن حجبه له علاقة بمشكلة شغب الملاعب.
من جهته، يقول البلشي إنه لا يعرف سبب عدم إحالة شكواه للتحقيق مع باقي المذكرات المقدمة من أصحاب المواقع المتضررة. وحول ما إذا كان لموقعه، وكثير المواقع المحجوبة الأخرى، أي علاقة بالإرهاب أو بالخروج على القانون، وبخاصة في «شفافية التمويل» قال: «هذا مبرر غير دقيق، لأن موقعا مثل (مدى مصر) تعرض للحجب وهو ليس موقعا له صلة بالإرهاب... كما إن موقع يناير (كانون الثاني) تعرّض للحجب، وهو ليس إرهابيا أيضا. أما في موضوع التمويل، فلم تُخضع السلطات المختصة أي أحد للحساب، ولم تحقق في هذا الأمر... أغلقت المواقع وخلاص». وتابع: «أعتقد أن ما حدث هو كراهية للرأي الآخر. موقعي معروف أنه ضد الإرهاب وضد داعمي الإرهاب».

النقابة تبحث الشكاوى

وفي النقابة، أكد سلامة، الذي يشغل أيضا موقع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أنه مستمر، بصفته نقيبا للصحافيين، في بحث الشكاوى التي تقدم بها أصحاب تلك المواقع السبعة، مع رئيس المجلس الأعلى للإعلام. وأضاف: «نعمل على حل المشكلة، ونأمل خيرا، إن شاء الله». وعما إذا كان هناك تواصل مع أصحاب المواقع المحجوبة، المشار إليها، قال سلامة «بالطبع، يوجد... استمع إلى مشاكلهم لحلها، بقدر المستطاع».
وحول ما إذا كان حجب أي من هذه الموقع يعود لأسباب مهنية أو سياسية، أو غيرها، قال سلامة «نحن في ظل أزمة تعاني منها البلاد... نحن في مشكلة، ويوجد إرهاب، وهناك أحداث عنف». وأردف بشأن الطلبات القليلة المقدمة لرفع الحجب «كل مشكلة هذه المواقع، على ما أعتقد، تتلخص في شكوك حول مصادر التمويل». وتابع نقيب الصحافيين «نحن نحاول أن نوضح الموقف بالنسبة لأصحاب القرار، ونوضح رؤية (أصحاب) هذه المواقع لهم، ونوضح الأسباب التي يمكن أن تكون مدعاة للحجب، ونحن في حوار مستمر بهذا الخصوص، ونأمل أن ينتهي على خير».
لكن سلطان يبدو محبطا من طول فترة الحجب المستمرة منذ نحو سبعين يوماً؛ إذ قال معلقاً «لا أعرف من هي الجهة التي أصدرت قرار الحجب حتى الآن حتى يمكن أن أقاضيها، أو أن أتعامل معها وفقا لمرجعية قانونية». واستطرد «هناك غرائب وعجائب في هذا الحجب. هناك موقع للكرة... لماذا يحجب؟ لا أحد يجيب. الأمور أصبح فيها غموض، وشبهات من أن البعض يمكن أن يتخذ أي ستار، لأي شيء، حتى لو كان بعيدا عن السياسة، من أجل مصالح شخصية».
وطبعاً، يؤدي الحجب في داخل الدولة إلى خفض عدد زوار الإنترنت للموقع، وبالتالي، تراجع حصيلة الإعلانات المُدرجة فيه تلقائيا من موقع (غوغل)، والتي يقدرها مالياً بحسب نسبة الزيارات. وشدّد جمال سلطان على أن موقع «المصريون» لا علاقة له بجماعة الإخوان «كما حاول البعض أن يصوره»، مضيفا: «بالعكس... نحن لدينا مشاكل طويلة مع الإخوان، وما زالت». وتابع موضحا فيما يتعلق بالخسائر التي تكبدها موقعه «لقد تضرّرنا بطبيعة الحال من الناحية المادية. لأن الذي قام بالحجب يعرف أين يقوم بالضرب؛ فالدخل الوحيد هو من الإعلانات التي يبثها (غوغل) على موقعنا».
في هذه الأثناء، يرى مسؤول في أمن الإنترنت بالقاهرة، أن مشكلة استخدام المتطرفين لمنصات الفضاء الإلكتروني ارتفع بشكل غير مسبوق، خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الكثير من دول العالم، وليست مصر أو الدول العربية فقط، بدأت في اتخاذ إجراءات تتبع ومراقبة وحجب. ثم ذكر أن بعض مواقع الكرة على الإنترنت ساهمت في إثارة الفوضى في مدرجات الملاعب، وهذا يندرج ضمن المنصات الخطرة على سلامة المجتمع؛ ولهذا تعرّضت للحجب.
وأشار المسؤول نفسه - الذي رفض الكشف عن اسمه - لأنه غير مخوّل له التحدث للإعلام - إلى أن المواقع الجادة... «أي التي ليس لها علاقة بالفكر المتشدّد، ولا تخفي مصادر تمويلها، يمكن أن تتقدم للسلطات لمراجعة موقفها، وتقنين عملها». وكشف عن أن بعض التطبيقات الإخبارية على الهواتف المحمولة، والتي تعرّضت للحجب بمصر في الأسابيع الماضية «عدّلت من وضعها، وتخلّصت من بث الأخبار من مواقع مشبوهة، وعليه أزيل الحجب عنها».
مع هذا، فإن معظم أصحاب المواقع المحجوبة لا يتوقعون البت في أمرهم في وقت قريب، مثل البلشي الذي تعرض موقعه للحجب داخل مصر منذ نحو ستين يوما. وحول هذا الجانب قال سلطان «لقد وعدونا مرات ومرات، لكن لا نتيجة حتى الآن... لدينا 80 صحافياً أعضاء في نقابة الصحافيين. لقد أدى الحجب إلى انخفاض العائد من الإعلانات. واضطررنا لهذا السبب إلى تسريح عدد من الصحافيين، والاعتذار لعدد من المتدرّبين. بدأنا في تقليص أمورنا من أجل الاستمرار».
إلا أن اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، يرى أنه لا بد من أن «نفرّق بين الإعلام، ونشر الشائعات المضللة والأخبار الكاذبة». وأوضح، أن مثل هذه المواقع المحجوبة «دأبت على نشر شائعات وأخبار كاذبة، وهذا أمر يمثل خطورة بالغة على الأمن القومي المصري، ولا يُعد إعلاما، بل هناك أجهزة دولية تستخدمه كأداة للهجوم والتهديد للأمن القومي المصري بشكل عام».
ثم أضاف: إن «دور الإعلام أن ينشر الحقائق، وأن يتواصل مع المواطنين، وأن ينشر بشفافية كاملة، والتأكد من الأخبار قبل نشرها، من خلال مصادرها... لكن للأسف الشديد، هذه المواقع لا نطلق عليها أساسا مسمى الإعلام، بل تقف وراءها أجهزة مخابرات دولية تعمل ضد مصر، ولا بد أن نكون حذرين منها جداً، وبخاصة خلال هذه المرحلة التي تشهد محاولات لإفشال الدولة المصرية منذ 30 يونيو (حزيران) 2013 (إطاحة المصريين بحكم الإخوان)، وبالتالي، لا بد أن يكون هناك موقف واضح حيال المواقع التي ليس لها علاقة بالإعلام».
كذلك، أشار عبد اللطيف إلى أن «المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط، تشهد تحديات ضخمة خلال هذه المرحلة، ولا بد أن نكون حذرين تماما من تسلل مثل هذه الأجهزة المخابراتية التي تهدد الأمن القومي». ووفقا لمسؤولين أمنيين، فإن الأمر لا يقتصر على مصر، لكن كثيرا من دول العالم بدأت تتخذ إجراءات ضد فوضى الإنترنت، بعد أن أصبحت تنظيما إرهابية، وأخرى مشبوهة، تبث شائعات من شأنها أن تثير الفوضى في بلدانها. وفي آخر إجراء قامت به روسيا على سبيل المثال، قبل أيام، كان يتعلق بالتصدي لتحايل البعض للوصول لمواقع حجبتها السلطات.
وفي تعليق له، قال الخبير خالد عبد الراضي «نعم... البعض يتحايل ويصل إلى مواقع محجوبة على الإنترنت». وأضاف أنه «يمكن الدخول للمواقع المحجوبة بإخفاء هوية المتصل ومكانه، وتغييره»، لافتا إلى أن عملية حجب المواقع تتم «عن طريق خوادم شركات الإنترنت»، وأن «الشركة الكبيرة التي تمتلك خطوط الإنترنت أغلب أسهمها حكومية... الحجب تكاليفه عالية فنيا؛ يحتاج لتقنيات معينة لم تكن متوفرة بمصر، وتم توفيرها أخيرا على ما يبدو».
من جانبه، شدّد مكرم محمد أحمد - الذي هو من الصحافيين المخضرمين في مصر، لدى التطرق إلى المواقع التي تعرضت للحجب، وعلى أن معظم هذه المواقع تابعة جماعة الإخوان المسلمين بطريقة أو بأخرى، والكثير منها صدرت عليه قرارات حراسة لأسباب مختلفة. أما فيما يتعلق بالمواقع التي تقدمت بشكاوى، لرفع الحجب عنها، فـ «نحن تلقينا أربع شكاوى وجدنا فيها درجة من المعقولية، ثم ثلاث شكاوى أخرى (عن طريق النقابة)، ونحقق في هذه الشكاوى، على أعلى درجة من الحيادية، ونتقصى من أصحابها، ومَن هُم، ومِن أين لهم هذه الأموال. وإذا تمكنا من أن نعيد الحق لبعض هذه المواقع، أو لجميعها، فنحن سنكون أسعد الناس. هذا على الأقل يستغرق أسابيع».



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.