في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1863 التقى ممثلون عن 11 مدرسة وناديا لكرة القدم داخل فندق «فريماسون تافيرن» بالقرب من «كوفنت غاردين» في لندن، وأسسوا اتحاد كرة القدم، سعياً لبناء مجموعة موحدة من القوانين، بحيث يتمكن من ارتادوا مدارس عامة مختلفة اللعب في مواجهة بعضهم البعض عندما يلتقون في الجامعة. ومنذ ذلك الحين، بدأت على ما يبدو فكرة الرياضة كغاية في حد ذاتها - وكأمر مفيد ينبغي الاستمتاع به وحمايته - في الانحسار، لتحل محلها مجموعة من القواعد قصيرة الأجل التي تركز جل اهتمامها على المصالح الخاصة.
من جانبه، قرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم مؤخرا أن تجري البطولة داخل القارة وأن تقتصر المشاركة على فرق أفريقية فقط، في رفض لمقترحات من لجنة التسويق التابعة للاتحاد بدراسة إمكانية دعوة ثلاث أو أربع دول من مناطق خارج القارة للمشاركة بالبطولة، وإقامتها خارج أفريقيا. وتبعاً للتغييرات التي أقرها الاتحاد، فإنه بحلول عام 2019 ستعقد البطولة في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، بدلاً عن يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) وستضم 24 دولة، بدلاً عن 16.
ولا يسعنا هنا سوى الشعور بالحسرة مع وقوفنا أمام بطولة عظيمة أخرى تسير على ذات النهج الذي سبقتها إليه بطولتي كأس العالم وأمم أوروبا. أيضاً، ينطوي تغيير موعد إقامة البطولة على مشكلة واضحة (أبسطها تعارض البطولة في نسخة عام 2021 مع بطولة كأس القارات)، وإن كانت تبقى ثمة حجج قوية داعمة لهذا التغيير. وبناءً على التغييرات الجديدة، فإن اللاعبين الأفارقة المشاركين في صفوف أندية أوروبية لن يجدوا أنفسهم محصورين بين مسؤوليات متضاربة كل موسم، الأمر الذي من المنتظر أن يعود بالنفع على اللاعبين والأندية والمنتخبات الوطنية، وسيؤدي إلى تراجع المشاحنات مثل تلك التي وقعت هذا العام بين ليفربول والكاميرون حول المدافع جويل ماتيب.
ومع ذلك، فإن ثمة سببا منطقيا كان وراء إقامة بطولة كأس الأمم الأفريقية في يناير وفبراير، ألا وهو الطقس. جدير بالذكر في هذا الصدد أنه من المقرر عقد البطولة القادمة بالكاميرون في شهر يونيو، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة يومياً في ياوندي 27 درجة، مع متوسط شهري من الأمطار يبلغ 170 ميليمتر و85 في المائة مستوى رطوبة. بالتأكيد، لا تبدو تلك ظروف مثالية لممارسة كرة القدم. وتبدو ثمة شكوك حول ما إذا كان الأمر يستحق حقاً تقديم مثل هذا التنازل لإرضاء الأندية الأوروبية، لكن المؤكد أن هذا لم يكن ليحدث لو كان عيسى حياتو رئيساً للاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
على الجانب الآخر، فإن مسألة زيادة عدد الفرق المشاركة إلى 24 فريقا لا توجد حتى حجج داعمة لها، في الواقع، إنها فكرة مروعة، ذلك أن من شأنها تقليص مستوى جودة البطولة وتحول دور المجموعات إلى مجموعة من المباريات التي لا تمت لكرة القدم الحقيقية. بالطبع، هناك فريق يرى أن توسيع قاعدة المشاركة في البطولة يمنح الدول الأصغر فرصة المشاركة، ويشيرون إلى تجارب كل من ويلز وآيسلندا وآيرلندا الشمالية ببطولة أمم أوروبا لعام 2016 متجاهلين بذلك حقيقة أن الدول الثلاث كانت ستتأهل في إطار تشكيل البطولة السابق المؤلف من 16 دولة. جدير بالذكر أنه في فرنسا، الصيف الماضي، تطلب الأمر عقد 36 مباراة لتقليص الفرق الـ24 إلى 16. وبناءً على سجل التأهل، فإن هذا يعني فعلياً تغيير جمهورية آيرلندا والمجر بالنمسا وجمهورية التشيك. واللافت أن أياً من الدولتين لم يصل إلى دور الثمانية، مع العلم أن هذه البطولة من المفترض أنها مخصصة لمنتخبات الصفوة، وليس للمبتدئين! وحتى ذلك كان يمكن التسامح إزاءه لو أن ثمة مؤشرا ظهر يوحي بأن المشاركة في بطولة كأس الأمم يدعم تنمية كرة القدم على الصعيد الوطني. والتساؤل هنا: هل أظهرت بتسوانا أو النيجر تحسناً في مستوى أدائهما منذ تأهلهما لبطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2012؟ هل استفادت مالاوي من المشاركة في البطولة عام 2010. أو ناميبيا عام 2008؟ أو هل شكل العقد الذي مر منذ تأهل توغو وأنغولا لبطولة كأس العالم عقداً ذهبياً لكرة القدم داخل أي من البلدين؟
علاوة على ذلك، فإن عدد الـ24 سيئ للغاية بالنسبة لأي بطولة تسعى لتصفية فرقها إلى 16، لأنها لن تضم أفضل الحاصدين للمركز الثالث. في الواقع، دائماً ما تبدو المقارنة بين المجموعات سطحية ومن الممكن أن تؤدي إلى وقوع أخطاء ظالمة، لا يمكن إيعازها إلى خطأ أي شخص، وإنما السبب وراءها هيكل البطولة ذاته.
على سبيل المثال، خلال بطولة أمم أوروبا لأقل من 21 عاماً هذا الصيف، تميزت الفرق في المجموعة «ج» بميزة واضحة تمثلت في أن مبارياتها كانت الأخيرة، وبالتالي كانت على علم بما هو ضروري منها تحقيقه. وفي هذه الحالة، نجد أن ألمانيا، التي احتلت المركز الثاني، بعد إيطاليا، لم يكن أمامها حافز للضغط لتحقيق التعادل لعلمها أن الهزيمة بنتيجة 1 - 0 يوفر لها فرصة خوض مباراة قبل النهائي أمام إنجلترا، بينما التعرض لهزيمة أثقل من شأنه فقدان مكانها لصالح سلوفاكيا، التي احتلت المركز الثاني في المجموعة «أ».
في تلك الأثناء، نجد أنه في إطار بطولة «الكأس الذهبية»، تأهلت هندوراس في مركز متقدم عن جزيرة مارتينيك كأفضل ثالث فريق لفوزها بنتيجة 3 - 0 أمام غويانا الفرنسية، رغم أن النتيجة الأصلية للمباراة كانت التعادل السلبي، لكن مارتينيك تعرضت للعقاب الفعلي دون ذنب بسبب تعمد غويانا الفرنسية إشراك فلورا مالودا رغم علمها أنه غير مؤهل للمشاركة.
وهناك كذلك مشكلة الاستضافة، ذلك أن بطولة تضم 16 فريقاً تستلزم أربعة استادات، وحتى في تلك الظروف لا يكون الوضع سهلاً دائماً. مثلاً، عام 2015 جرى تغيير مكان إقامة مباراتين بدور دور الثمانية في اللحظة الأخيرة من ملعب إيبيبين إلى ملعب مونغومو بسبب عدم ملائمة البنية التحتية. ومع أن هذا ربما يشكل استثناءً بالنظر إلى أن غينيا الاستوائية حلت محل المغرب باعتبارها الدولة المضيفة للبطولة قبل شهر واحد فقط من بدء البطولة بسبب استبعاد المغرب، لكن هذا لا ينفي أن البطولات التي أقيمت السنوات الأخيرة اعتمدت على الكثير من الاستادات التي بنيت حديثاً التي لن تستخدم ثانية أبدا (وربما هنا تحديداً يكمن المنطق وراء مقترح نقل البطولة إلى قارة مختلفة: فبدلاً عن اضطلاع الصينيين باستمرار بتمويل وبناء استادات داخل أفريقيا، ربما تأتي لحظة يكون من الأسهل فيها نقل البطولة إلى استادات صينية قائمة بالفعل). وتعني إقامة بطولة تضم 24 فريقاً ضرورة توافر 6 استادات على الأقل، الأمر الذي لا يحد فقط من عدد المستضيفين المحتملين، وإنما يعني أيضاً زيادة الاستثمارات الموجهة لمشروعات لا طائل من ورائها.
الملاحظ أن الكاميرون متأخرة بالفعل عن الجدول الزمني المحدد فيما يخص استعداداتها لبطولة عام 2019 في الوقت الذي تناضل لاحتواء التوترات المتصاعدة بين الأجزاء الناطقة بالإنجليزية والأخرى الناطقة بالفرنسية داخل البلاد. ومن شأن التغييرات الجديدة التي أقرها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم منحها خمسة شهور إضافية على الأقل للاستعداد، لكن في الوقت ذاته أصبح لزاماً عليها الآن بناء ملعبين إضافيين. أما المغرب، التي انسحبت من واجبات الضيافة جراء المخاوف من وباء «إيبولا» عام 2015، فتقف على أهبة الاستعداد، (متوسط درجات الحرارة في مراكش خلال يونيو 32 درجة).
بيد أن التغييرات الجديدة تتجاوز 2019 وإنما تتعلق بأفريقيا ككل،ـ تحديداً مسألة أن السلطات المعنية بالرياضة لا تتصرف على النحو الذي يخدم الرياضة، وإنما ينصب تركيزها على جني مكاسب مالية على المدى القصير. والسؤال هنا: هل ستسهم هذه التغييرات في جعل كرة القدم أفضل؟ هل ستساعد المنتخبات الأفريقية على الاستعداد لخوض بطولة كأس العالم على نحو أفضل؟ هل تحمل بأي صورة عامة ميزة إيجابية لكرة القدم الأفريقية؟ بالطبع لا، لكن يبدو أنه ليس هناك من يعبأ بذلك.
التغييرات في كأس الأمم الأفريقية... أضرار تفوق المنافع
قرارات «السلطات المعنية» لا تخدم الرياضة وتركيزها ينصب على جني مكاسب مالية على المدى القصير
التغييرات في كأس الأمم الأفريقية... أضرار تفوق المنافع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة