الرئيس الأميركي يدعم قيوداً مشددة على نظام الهجرة الشرعية

طالب نظيره المكسيكي بالامتناع عن التصريح برفضه تمويل الجدار

TT

الرئيس الأميركي يدعم قيوداً مشددة على نظام الهجرة الشرعية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، دعمه لإعطاء الأولوية في منح وثائق الإقامة الدائمة للأشخاص الذين يتكلمون اللغة الإنجليزية، وخفض عدد المهاجرين الشرعيين الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة إلى النصف.
وأيد ترمب إصلاحا لعملية الحصول على وثيقة الإقامة الدائمة، المعروفة بـ«غرين كارد»، من خلال نظام يعطي الأولوية للعمال من أصحاب الكفاءات وممن يتكلمون الإنجليزية. ويمنح نحو مليون مهاجر وثيقة إقامة دائمة سنويا، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، لكن مشروع القانون الذي قدمه في البيت الأبيض ترمب وسيناتوران جمهوريان أعداه، يهدف إلى خفض هذا العدد إلى نحو النصف. ويضع مشروع القانون هذا سقفا لعدد اللاجئين الذين يسمح لهم سنويا بالإقامة في الولايات المتحدة، وهو 50 ألفا. وأثنى ترمب على ما وصفه بـ«أهم إصلاح لنظامنا للهجرة منذ نصف قرن». وللتشريع فرصة ضئيلة لإقراره في الكونغرس.
وسارع السيناتور النافذ من كارولاينا الجنوبية، ليندسي غراهام، إلى الاعتراض على المشروع قائلا، إنه في الوقت الذي يؤيد نظاما قائما على الكفاءة، إلا أن هذا المقترح سيكون له تأثير «مدمّر» على الاقتصاد في ولايته.
وفي إعلانه عن مشروع القرار، قال ترمب واقفا في قاعة روزفلت في البيت الأبيض متوسطا السيناتور توم كوتون والسيناتور ديفيد بردو، إن الولايات المتحدة سمحت بدخول كثير من العمال غير الأكفاء، الذين قال إنهم يأخذون الوظائف من الأميركيين. وتابع بأن «هذه السياسة شكّلت ضغطا على العمال الأميركيين ودافعي الضرائب وموارد المجتمع»، مضيفا: «لم تكن منصفة لشعبنا، ولمواطنينا، أو لعمالنا». واستطرد ترمب: «إن العملية التنافسية هذه ستعطي الأولوية لمقدمي الطلبات الذين يتكلمون الإنجليزية، ويمكنهم إعالة أنفسهم وعائلاتهم، ويملكون كفاءات تساهم في تنشيط اقتصادنا».
وأضاف أن النظام الجديد، في حال الموافقة عليه، من شأنه أن «يساعد على ضمان أن القادمين الجدد إلى بلادنا الرائعة سيتم استيعابهم، سينجحون ويحققون الحلم الأميركي».
ويرى معارضو المقترح أنه سيتسبب في خفض الأجور من خلال تراجع عدد المهاجرين الذين يخلقون وظائف جديدة. وأجرت الأكاديمية الوطنية للعلوم دراسة على بيانات تم جمعها خلال عقدين، وتوصلت إلى أن تأثير الهجرة على أجور العمال المولودين في أميركا «صغير جدا».
وتوصّلت الأكاديمية أيضا إلى أن «للهجرة تأثيرا إيجابيا عموما على النمو الاقتصادي، على المدى البعيد في الولايات المتحدة»، رغم أن مهاجري الجيل الأول يمثلون أعباء إضافية على موارد الدولة. غير أن رسالة ترمب سيكون لها على الأرجح صدى قوي لدى العمال ممن لا يملكون الكفاءة ولا تتحسن أجورهم، ويعتقدون أن الأولوية التي يتمتعون بها تقليديا تتلاشى.
وجعل ترمب قضية وقف الهجرة غير الشرعية من أميركا اللاتينية قضية أساسية في سياسته. ووعد ببناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، ووضع حد للعصابات من أصول إسبانية على الأراضي الأميركية.
غير أن جهود وقف الهجرة غير الشرعية لن تحظى على الأرجح بالترحيب من قبل أرباب الأعمال أو داخل الحزب الجمهوري. وكان السيناتور كوتون قد عرض المقترحات أولا في شهر فبراير (شباط) أمام مجلس الشيوخ، حيث لا تزال تتعرض للمماطلة. وقال «مركز قانون الفقر الجنوبي» وهو مجموعة تكافح التمييز، إن الخطة «تعكس بدرجة كبيرة جدول أعمال قوميا أبيض». وقالت المجموعة في بيان، إن «بنودها (الخطة) تعكس جدول أعمال مخزيا لمعادين للمهاجرين وقوميين بيض يخشون التنوع المتزايد لبلدنا»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
في سياق آخر، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» نص محادثة الرئيس الأميركي ونظيره المكسيكي، يكشف عن أن ترمب طلب من إنريكي بينا نييتو التوقف عن التصريح بأن بلاده لن تمول بناء الجدار الحدودي بين البلدين. وقال ترمب: «لا يمكنك قول ذلك للصحافة»، في مكالمة هاتفية تعود إلى 27 يناير (كانون الثاني)، بعد أيام قليلة من تنصيبه رسميا رئيسا للولايات المتحدة.
وأضاف: «عليّ أن أجعل المكسيك تمول بناء الجدار، عليّ فعل ذلك... أنا أتحدث عن الأمر منذ سنتين». ويدرك الرئيس الأميركي الصعوبات السياسية المحلية بالنسبة لبينا نييتو، لذا أخبره بأنه يمكن الوصول إلى «صيغة» ما لتمويل بناء الجدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. وقال ترمب: «ينبغي أن يقول كل منا: (سنعمل على إنجاز ذلك) كونه سيساعد في الصيغة إلى حد ما». وأوضح ترمب أن اقتراحه أفضل من «أن تقول أنت إنك لن تدفع، ونقول نحن إننا لن ندفع».
من جانبه، قال بينا نييتو، إن الأمر مرتبط «بكرامة المكسيك ويؤثر على كرامة بلادي». وتابع: «موقفي حازم وسيستمر كذلك، وهو القول بأن المكسيك لن تمول الجدار». لكن بينا نييتو وافق على «التوقف عن الحديث عن الجدار» و«البحث عن وسائل مبتكرة لمعالجة الأزمة».
وأعلن الرئيس الأميركي مرارا أنه سيسعى إلى تشييد جدار على طول 3142 كيلومترا من الحدود التي تفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك. إلا أن الكونغرس الأميركي رفض حتى الآن تمويل بناء هذا الجدار الباهظ الكلفة، مكتفيا بتخصيص مبالغ لتعزيز المراقبة الإلكترونية.
إلى ذلك، نشرت الصحيفة نصا كاملا لمحادثة هاتفية في اليوم التالي بين ترمب ورئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول. وفي هذه المحادثة، أعرب ترمب، الذي اتخذ مواقف معادية ضد الهجرة خلال حملته الانتخابية، عن عدم رضاه عن اتفاق وقعته الإدارة السابقة يقضي بقبول لاجئين محتجزين في مراكز احتجاز أسترالية. وقال ترمب: «هذا سيقتلني... أنا أكثر رجال العالم الذين لا يودون دخول الناس بلادي، والآن أوافق على قبول 2000 شخص».
وضغط تورنبول مرارا لدعم الاتفاق، منوها بأنهم لاجئون اقتصاديون سيتم قبولهم فقط بعد تدقيق صارم من الولايات المتحدة. لكن تورنبول رد بقوة: «ليس هناك أهم في الأعمال أو السياسة من ضرورة الالتزام بالاتفاق». وتابع: «يمكن بالتأكيد القول إنه ليس اتفاقا وقعته، لكن ستلتزم به». الأمر الذي رضخ له ترمب في النهاية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟