القاهرة والجزائر تكثفان التنسيق «لإعادة الاستقرار إلى ليبيا»

الخارجية المصرية: اتفاق الصخيرات يبقى الحل الوحيد للأزمة

السيسي خلال لقائه مع مساهل في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
السيسي خلال لقائه مع مساهل في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

القاهرة والجزائر تكثفان التنسيق «لإعادة الاستقرار إلى ليبيا»

السيسي خلال لقائه مع مساهل في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
السيسي خلال لقائه مع مساهل في القاهرة أمس (أ.ف.ب)

اتفقت مصر والجزائر أمس على تعزيز التنسيق وتوفير المعلومات بشأن الحوارات التي تعقدها مصر، وتلك التي تعقدها الجزائر من أجل ضمان استقرار ليبيا، وضرورة تعزيز التواصل على مستوى الأجهزة الاستخباراتية، لضمان حماية أمن الشعب المصري والجزائري.
جاء ذلك خلال زيارة عبد القادر مساهل وزير خارجية الجزائر إلى القاهرة أمس، في إطار جولة عربية، أجرى خلالها محادثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسامح شكري وزير الخارجية.
وقال السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، إن السيسي أشار إلى التحديات المشتركة التي تواجهها الدولتان، وعلى رأسها خطر الإرهاب، وأكد أهمية الاستمرار في التنسيق والتشاور المكثف بين دول جوار ليبيا من أجل تعزيز الجهود المبذولة لاستعادة الاستقرار والحفاظ على وحدة وسيادة الدولة الليبية، ومساندة مؤسساتها الوطنية وصون مقدرات شعبها. وفي هذا السياق أكد الجانبان حرصهما على دفع العملية السياسة قدماً، مؤكدين ثقتهما في قدرة الأشقاء الليبيين على التوصل إلى حل سياسي للأزمة السياسية.
وأضاف المُتحدث أن الرئيس السيسي أعرب عن تطلع مصر للعمل على تطوير علاقتها بالجزائر على كافة الأصعدة، وخاصة من خلال عقد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة في الجزائر برئاسة رئيسي وزراء البلدين من أجل تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية.
كما عقد وزير الخارجية الجزائري لقاء مع شكري في قصر التحرير وسط القاهرة، أعقبه مؤتمر صحافي مشترك، وقال شكري إن الجانبين عقدا جلسة مشاورات موسعة تطرقت إلى أوجه العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية، والوضع في ليبيا لتأثيره المباشر على أمن مصر والجزائر، مؤكدا أن هناك تطابقا في وجهات النظر بين القيادتين بشأن هذا الملف، وأكد أن مصر «تعزز استقرار ليبيا ووحدتها، ويعمل كل منا في هذا الإطار بتنسيق كامل».
وشدد الوزير المصري على أن «ليس لمصر أو الجزائر أي أطماع في ليبيا، ولكن الهدف واحد، ألا وهو استقرار ليبيا». وكشف في السياق نفسه عن «اتفاق لتعزيز التنسيق وتوفير المعلومات بشأن الحوارات التي تعقدها مصر، وتلك التي تعقدها الجزائر من أجل ضمان استقرار ليبيا»، لافتا إلى أن المباحثات تناولت أيضا قضية الإرهاب وضرورة تعزيز التواصل على مستوى الأجهزة الاستخباراتية، من أجل ضمان حماية أمن الشعب المصري والجزائري.
من جانبه، قال وزير الشؤون الخارجية الجزائري: «إننا مع الحل السياسي في ليبيا ومع الحل بين الليبيين، وهم الآن بصدد عقد اجتماعات ولقاءات تفتح المجال بشكل أكثر تفاؤلا للحل السياسي»، مشيرا إلى أن مصر والجزائر باعتبارهما من دول جوار ليبيا، تنسقان جهودهما وتعملان نحو هذا الهدف.
وأضاف مساهل موضحا: «تطرقنا أيضا إلى الحاجة لإصلاح المنظومة العربية بالجامعة العربية والأفكار الجزائرية والمصرية بهذا الشأن؛ لأن الجميع يلحظ كيف أن المنطقة العربية تشهد أكبر نزاعات بالعالم، وأكبر وجود للإرهاب بالعالم، وهناك محاولات لحل هذه النزاعات ومكافحة الإرهاب».
من جانبه، أكد شكري أن مصر تكثف وتعزز استضافة كافة الأشقاء الليبيين بهدف بناء الثقة، والتوافق والتفاهم من أجل إقرار المسار نحو مستقبل أفضل على أسس من التوافق السياسي، موضحا أن «فكرة عقد مؤتمر مصالحة تظل دائما مطروحة، عندما نصل إلى نقطة متقدمة، بحيث يأتي المؤتمر ونتائجه بتعزيز للحل السياسي ووحدة الشعب الليبي، واستقرار المؤسسات، وعندما تظهر هذه البوادر، ونحن نعتمد في ذلك على التنسيق بين مصر وتونس والجزائر، ونعمل في إطار ونسق واحد لتحقيق التوافق بين الأطياف السياسية في ليبيا»، كما شدد شكري على أن عقد مؤتمر للمصالحة سيكون مطروحا في الوقت المناسب والظروف المناسبة لتعزيز خريطة المستقبل لليبيا.
وحول دور الجزائر في حلحلة الأزمات في المنطقة، أكد وزير الخارجية المصري أن «الجزائر لها سياستها الثابتة فيما يتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والعمل على حل الأزمات السياسية، وهي سياسة متطابقة مع السياسة المصرية، وهو ما يعزز العلاقات الثنائية والقدرة على العمل المشترك فيما بيننا، للخروج من الأزمات التي يعاني منها الوطن العربي».
من جهته، قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، إن وزيري خارجية مصر والجزائر عرضا نتائج اتصالات بلديهما مع مختلف الأطراف الليبية، والجهود التي قامت بها القاهرة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع بين القيادات الليبية، فضلا عن نتائج اللقاءات مع الرئيس السراج والمشير خليفة حفتر خلال الزيارة الأخيرة لباريس، مؤكدا في هذا الصدد أن الحل السياسي القائم على «اتفاق الصخيرات» يبقى هو الحل الوحيد للأزمة في ليبيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.