تنظيم لا ينمو إلا في «البيئات المتوحشة»

فواز جرجس في كتابه «داعش إلى أين؟»

تنظيم لا ينمو إلا في «البيئات المتوحشة»
TT

تنظيم لا ينمو إلا في «البيئات المتوحشة»

تنظيم لا ينمو إلا في «البيئات المتوحشة»

يواكب الأستاذ في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية فواز جرجس في كتابه الأخير «داعش إلى أين؟» انحسار تنظيم داعش وبوادر أفول «دولته» في ظل الانكسارات المتتالية التي بدأ يعاني منها منذ 2016. حيث يحاول التنبؤ بمستقبل التنظيم بناء على ماضيه ووضعه الراهن، مركزاً على السياق الاجتماعي والسياسي لولادة التنظيم لفهم طبيعته وتفسير هذا الظهور المحير والمفاجئ له في 2013 و2014 على نحو لم يتوقعه أحد، ويحاول بالعودة إلى السياقين الاجتماعي والسياسي إنشاء فهم عقلاني وواقعي لتنظيم ينتشر فهمه على نحو سطحي وأسطوري ودعائي. حيث يرى جرجس أن الجوهري في التنظيم أنه مثل على نحو ما رداً عنيفاً موازياً للهيمنة الشيعية في العراق والعلوية في سوريا وتهميش العرب السنة وهو ما يمثل السياق الاجتماعي السياسي الأول لتكوينه، في حين أن السياق السياسي الذي مثل بيئة مواتية لصعوده هو الاضطراب السياسي الذي ساد الشرق الأوسط بعد إحباط ثورات الربيع العربي، إذ بدا كما لو أنه بديل للشباب المحبطين والناقمين من فشل التغيير السياسي السلمي وانسداد أفقه.
ورغم أن «داعش» يتحدر من الآيديولوجيا القاعدية المتطرفة فإنه ليس مجرد امتداد لها، فهو دمج بين البعد العالمي والبعد المحلي، وهو أمر يستند إلى إعادة تعريف العدو، هل هو العدو البعيد؟ أم هو العدو القريب؟ أم هو كلاهما معا؟ ومن الواضح أن هذا الدمج بين العدو البعيد والعدو القريب إنما تشكل في ظل الحرب الأهلية في العراق، أي بعد 2013. والسياسات الطائفية التي لا تطاق والتي انتهجتها حكومة المالكي ضد العرب السنة بعد ذلك. وانطلاقاً من ذلك يركز جرجس على ما يسميها المفاتيح الأربعة لفهم ظهور «داعش»، الأول هو الغزو الأميركي للعراق، والثاني هو تشظي المؤسسة السياسية العراقية، والثالث هو تحطم مؤسسات الدولة في سوريا، والرابع هو الربيع العربي.
يلاحظ المؤلف أن الموجة الحالية من السلفيين الجهاديين وبشكل خاص في تنظيم داعش يغلب عليها – وليس كلها - الأصول الريفية والعشائرية ومن طبقة الفقراء والحرفيين العاملين بالمهن اليدوية، وهي شرائح اجتماعية ناقمة على السلطات المركزية عموماً، وهؤلاء انضموا لـ«داعش» بالأساس ليس بدوافع آيديولوجية بقدر ما رأوا في التنظيم أداة مقاومة ضد السلطة المركزية الطائفية، خصوصاً مع تصوير «داعش» نفسه المدافع الوحيد عن السنة المظلومين والمضطهدين، وهو أمر يغذيه، ويبحث المؤلف في حالة الانقسام الاجتماعي السني الشيعي والتدخل الإيراني المتزايد في المنطقة، وخصوصاً بعد اندلاع الثورة في سوريا والعراق دفعت بقوات عسكرية من المرتزقة ومولتها لإنقاذ حليفيها بشار الأسد ونوري المالكي وهو أمر زاد من زخم المظلومية السنية ومنح قوة وتأكيداً لآيديولوجيا «داعش». لكن جرجس لا يقدم تفسيراً لجاذبية التنظيم للمقاتلين الأجانب، وخصوصاً الغربيين.
يدين صعود التنظيم وعودته مرة أخرى في العراق للقوة التي اكتسبها في سوريا، فنجاحه في احتلال المدن والسيطرة على الموارد النفطية والخزائن المالية سمح له بتدمير الحدود بين البلدين والمضي قدماً نحو الموصل وهزيمة الجيش العراقي الذي كان قد أصبح مجرد ميليشيا طائفية كبيرة في عهد المالكي.
وبقدر ما يبدو تنظيم الدولة مديناً للآيديولوجيا القاعدية، فإنه بصعوده الجديد مدين بشكل رئيسي للصراعات الجيو - سياسية والجيو - طائفية في المنطقة، وهو أمر منح «داعش» الفرصة لتطوير الآيديولوجيا القاعدية والافتراق عنها بنفس الوقت، وأفضى ذلك إلى تصارع على النفوذ وحرب داخلية بين الجهاديين الداعشيين والقاعديين بدءاً من عام 2013.
يؤكد جرجس ما يلاحظه الكثير من الباحثين أيضاً بأن البيئة التي ينمو فيها هذا التنظيم هي «البيئة المتوحشة» التي تعاني من الاضطراب والعنف، ففي صلب عقيدته السياسية أن التغيير لا يمكن أن يكون إلا بالعنف والقوة، وعلى هذا الأساس تشكلت عداوة ملحوظة مع تيارات الإسلام السياسي التقليدية التي تقبل بقواعد العمل السلمي وشروط اللعبة الديمقراطية، ويتكرر بشكل دائم نقد لهذه التيارات والتشهير بفشل مشاركتهم بالعملية الديمقراطية مقابل «نجاح» نهجهم العسكري وفرض وقائع على الأرض.
وإذ تكوَّن التنظيم في ظل انهيار مؤسسات الدولة وتراجع الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط فقد نجحت الأنظمة الحليفة للنظام السوري والعراقي في تسويق فكرة أن الربيع العربي يعادل وجود «داعش» وإطلاق حروب طائفية تتهدد الإقليم وما بعده، وواقع الحال أن – حسب جرجس - إجهاض الربيع العربي، وليس فشله كان هدية بالنسبة للسلفية الجهادية لم تحلم بها أو تتوقعها.
يخلص المؤلف بعد ثمانية فصول غنية تدرس التنظيم وتاريخه إلى البحث في نقاط قوة التنظيم ونقاط ضعفه، ويمكن للقارئ أن يكتشف بسهولة أن نقاط قوة التنظيم الأساسية هي عناصر خارجية ليست متأتية من بنية التنظيم نفسه، في حين أن معظم عوامل ضعف التنظيم هي عوامل ذاتية. فقوة التنظيم تتأتى سرديته والمستندة إلى تهميش العرب السنة مع أنهم المكون الأساسي للمنطقة، بنشوء حكم طائفي متطرف وقمعي في العراق بعد الاحتلال الأميركي وسيطرة الأقلية العلوية على الأكثرية بقوة الحديد والنار في سوريا، بمعنى آخر وجود وقائع دامغة حول المظلومية السنية، التي كانت كل الظروف تسوق سرديتها وتدفع للقناعة بها.
من نقاط قوة التنظيم تقديم بديل عن النظام العالمي الجائر والدولة الوطنية متمثلا بـ«الخلافة العادلة» وهو مفهوم مكتنز بالرمزية التاريخية والدينية في آن، كما أن التنظيم سعى للسيطرة على موارد اقتصادية (النفط ومؤسسات الطاقة والمؤسسات الحيوية) وفرض نظاما ضريبياً شكل له ذلك بمجموعه تمويلا ذاتياً كبيراً وفائضاً مالياً جعله صار أغنى تنظيم جهادي في العالم.
وفضلاً عن ذلك تسمح المفاهيم الدينية التي استخدمت كمكمل للآيديولوجيا الجهادية بأقصى درجات التضحية والمفاصلة الجذرية والولاء للتنظيم. لكن نقاط القوة هذه تقابلها نقاط ضعف قاتلة، فمن جهة يفتقد التنظيم برنامجا إيجابيا في الحكم، وخبرات معدومة في إدارة الحكم، وهو مبني على نمط ديكتاتوري قمعي وتنعدم فيه الحريات، وهو نمط كان الحافز أساساً للربيع العربي. ويلاحظ جرجس أن عنصر ضعفه الرئيسي يكمن في قاعدته الاجتماعية الهشة، ففي العراق بسبب تقبله كعدو للشيعة وليس كبديل للحكم، وفي سوريا بسبب واقع الحال وقدرته على مواجهة القوة والوحشية الهائلة التي أظهرها نظام الأسد في قمع معارضيه. يضاف إلى نقاط الضعف هذه أن التنظيم «متقن لصنع الأعداء» سواء من خلال لعبة التخويف بالعمليات الإرهابية، أو من انعدام قدرته على ممارسة المرونة السياسية عندما تقتضيها مصالحه.
يخلص المؤلف إلى أن القضاء على التنظيم يتطلب أولاً وقبل أي شيء نزع الشرعية عن سردية التنظيم القائمة على المظلومية السنية من جهة، وانعدام العدالة من جهة ثانية، وهو أمر يعني أن كف يد إيران عن التلاعب بالمنطقة وتعزيز الانقسام الشيعي السني، وتوفير حل سلمي للنزاعات الأهلية وتحقيق الحد الأدنى من طموحات شعوب المنطقة الأساسية في نشوء أنظمة ديمقراطية تعبر عنها ولا تهمشها. ويتطلب ثانياً حرمان التنظيم من تكوين مصادر تمويل ذاتية والسيطرة على موارد اقتصادية يمكن أن توفر له متطلبات التسليح والتجنيد والفعالية.
ما المآل الذي سينتهي إليه التنظيم إذا ما تم انتزاع مناطق السيطرة من يده؟ يجيب جرجس أن من دون إحداث تغيير سياسي يمنح شعوب المنطقة التي ينتشر فيها على الأقل أملاً بحياة أفضل، ويجبر الانقسام الاجتماعي السني الشيعي فإن فرصة بقاء هذا التنظيم ستكون كبيرة، وانحساره عن المشهد لن يعني أنه قد لا يعود بصورة جديدة وبنسخة أكثر وحشية وعنفاً مما ظهر حتى الآن.
* كاتب سوري



قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.