ستيفان رولان... دون كيخوته الموضة ينتصر لنفسه

احتفل بـ10 أعوام على تأسيس داره بصوت أوبرالي قوي وتصاميم معمارية شاعرية

ستيفان رولان... دون كيخوته الموضة ينتصر لنفسه
TT

ستيفان رولان... دون كيخوته الموضة ينتصر لنفسه

ستيفان رولان... دون كيخوته الموضة ينتصر لنفسه

قال البعض إنه لم يواكب ثقافة الموضة، وهم على حق. فالمصمم ستيفان رولان لم يتبن موجة «الإنستغرام» ولا جرى وراء الدعاية المجانية بأي شكل. هذا لا يعني أنه يرفض ظهور نجمات بتصاميمه، بل فقط لا يستجدي ودهن على حساب قناعاته. يمكن تشبيهه بدون غيشوت الذي يتوق إلى عالم مثالي غير قارئ، أو رافض في اللاشعور، إلى واقع متغير هو الذي تتلمذ على يد كريستوبال بالنسياجا وعمل مع «بالمان» في بداياته.
أما الحقيقة التي لا يُنكرها أحد أنه مهما تمسك بمثالياته ورفض التنازل عنها لإرضاء السوق، تبقت لدينا نقطة ضعف تجاهه. والمقصود بنون الجمع هنا الزبونات العربيات. فكما لم يخف هو يوما عشقه لثقافة المنطقة وشغفه بصحاريها ورمالها وذوق زبونتها، بادلته هذه الأخيرة المودة نفسها إن لم نقل الحب لأسلوبه. فهي اليوم من بين أهم من يُنعشن داره بإقبالهن على تصاميمه التي تحاكي البنايات المعمارية في دراميتها. صحيح أن البعض ينتقد هذه التصاميم على أنها مسرحية بخطوط مُبالغ فيها، إلا أنها تؤدي وظيفتها في التميز والتفرد بالنسبة لشريحة معينة من النساء. ليس أدل على هذا من الفستان الذي ظهرت به المغنية سيلين ديون في حفل توزيع جوائز «البيلبورد» الموسيقية في شهر مايو (أيار) الماضي. فقد فتح حوارا فنيا مثيرا لا تزال أصداؤه تتردد لحد الآن في أوساط الموضة. لحسن الحظ، إن هذه الدرامية قابلة للترويض. فبحكم أنها من خط «الهوت كوتير» فهي قابلة للتفصيل على المقاس، مع إمكانية إجراء تغييرات طفيفة عليها لكي تناسب الواقع.
بيد أن ما قدمه في بداية شهر يوليو (تموز) الماضي خلال أسبوع باريس، لم يكن يحتاج إلى أي تغييرات. نعم ربما كان معماريا في بعض الأجزاء مثل الأكمام التي تستحضر تصاميم الراحلة زها حديد وغيرها من كبار المُهندسين، إلا أنه كان أيضا فنيا بواقعية غير معهودة، وكأن عشر سنوات روضت جنوح المصمم للسريالي بعض الشيء.
لم تكن المناسبة مجرد عرض. كانت احتفالا بمرور عشر سنوات على إطلاقه دار «ستيفان رولان» في رقم 10 من شارع جورج الخامس بباريس. العنوان نفسه الذي دخله أول مرة بعد تخرجه مباشرة، وكان معمل ومشغل المصمم كريستوبال بالنسياجا. وربما هذا ما يفسر تلك القواسم المشتركة بينهما. على الأقل من ناحية تصميم كل واحد منهما الفساتين، وكأنها بناية معمارية مطعمة بفنية وحس شاعري.
عشر سنوات لم تكن مفروشة بالورود بالنسبة لستيفان رولان. فقد مر بعدة تجارب مُحبطة ومطبات مالية. لحسن حظ عالم الموضة أنه تجاوزها، إذ لم يعد هذا العالم يتحمل خسارة مصمم آخر مسكون بالفن مثلما حصل مع كريستيان لاكروا، الذي أغلق داره في عام 2009 متأثرا بالأزمة الاقتصادية العالمية. ستيفان رولان في المقابل، أثبت أنه أكثر صلابة، ويبدو من عرضه الأخير أن الموجة العاتية قد مرت بسلام. لكن الاتهام بعدم مسايرته ثقافة «الإنستغرام» أو ركوبه الموجة الشبابية لا يزال قائما، وكأن بداخله قوة تتحدى واقعا مختلفا عن ذلك الذي عرفه وهو شاب في مقتبل العمر وحديث التخرج. هذا التحدي يظهر حتى في طريقة تنظيمه عروضه واختياره لأماكنها.
كان واضحا في السنوات الماضية أن العروض التقليدية على خشبة مسرح تتهادى فيها العارضات، لا تستهويه كثيرا. فهو يفضل أن يقدم عرضا أقرب إلى فُرجة تفتح حوارا فكريا وفنيا على حد سواء، ولم يختلف الأمر هذه المرة. أقيم العرض في مسرح «أوبرا باستيل»، ولأن الدعوة كانت بمناسبة مرور عشر سنوات، توقع البعض أن يقدم موسيقى شبابية راقصة، لكنه خيب ظنهم واستعان بعازفة البيانو المعروفة كلير ماري لوغاي، ومغنية الأوبرا الشهيرة بياتريس أوريا مونزون. وكانت النتيجة إحساسا قويا بعظمة الحدث، تعكس شخصية المصمم وقناعته بما يقدمه. يُحسب له أنه لم يُغير جلده، بل اختار أن يبقى مخلصا لنفسه ومتصالحا معها. فهو مطبوع بالكلاسيكية والرومانسية في الوقت ذاته، وهو ما فاح في الأجواء. فرغم تأثره بالفن ورغم توجهه بتصاميمه لامرأة قوية وواثقة، فإن شغفه بالزمن الجميل، وسينما الأبيض والأسود، لم تخف على أحد.
وفي هذا الصدد لا بأس من التنويه بأن أهمية العرض لا تكمن في أنه احتفالية بمرور عشر سنوات على تأسيس الدار فحسب، بل أيضا عودتها معافاة بعد فترة نقاهة. فلا يخفى على أحد أن المصمم عانى في السنتين الأخيرتين من ظروف مالية صعبة، برهن لنا بعدها أنه مثل طائر الفينيق قادر على النهوض مرة أخرى. فما قد يكون أزمة بالنسبة لغيره كان بالنسبة له مجرد نكسة مؤقتة.
أما من ناحية التصاميم التي قدمها، فلم يعد فيها إلى أرشيفه ليعيد صياغة أهم ما قدمه خلال السنوات العشر «فهذا لم يخطر على بالي» حسب تصريحه. وتابع: «لو فعلت هذا لكنت سأعطي الانطباع بأني أكتب نهاية مسيرتي أو أني أودع... بينما المناسبة لا تتعدى عقدا من الزمن... أي ما هي سوى فتح صفحة أخرى أكتب فيه فصلا جديدا».
الملاحظ في أغلب أعماله يركز على الأسود والأبيض وأحيانا الأحمر مع رشات من الذهب، مستعملا مواد غريبة في عالم الأزياء. لكنه مثل رسام ماهر يطوعها ويجعلها جزءا من القطعة سواء كانت معدنا أو زجاجا أو «سيلكون». يعيد ميله للأبيض والأسود إلى طفولته. عندما كان يرافق والدته التي كانت تعمل في وكالة تصوير فوتوغرافي، وكان أكثر ما يشده في المكان رومانسية صور الأبيض والأسود المعلقة على جدرانه. تشكيلته الأخيرة كانت تلخيصا لهذه الرومانسية بلعبها على هذين اللونين مع لمسات من الذهب والقليل من الأحمر. من ناحية التصاميم فقد غلبت على بعضها الهندسية فيما حاكى بعضها الآخر المنحوتات.
هندسيتها لم تُفقدها أنوثتها. كل ما في الأمر أنها أضفت عليها قوة تبدو فيها الأكمام المنفوشة أحيانا وكأنها أجنحة طائرات مستعدة للإقلاع أو دروعا. كانت هناك أيضا «كابات» طويلة مشبوكة عند الأكتاف بفستان طويل محدد على الجسم يخلق نوعا من الدراما الشاعرية. أجملها كان «كابا» بالأسود رسم عليه المصمم أغصانا من الذهب قال إنه استوحاه من أعمال الفنانين الأميركيين، كيرت فريلر وجيري فيلز. كان هناك أيضا فستان مستقيم طرزه بالسيلكون المُؤكسد تحية للنحات النمساوي فرنز هاغنور.
يعتبر رولان من القلائل الذين لا يزالون يملكون بيوتهم الخاصة. يرفض أن يتخلى عن حريته وتسليم مقاليد الدار، أو بعض من أسهمها، لغيره. فقد خاض التجربة سابقا ولعشر سنوات مديرا فنيا في دار «جون لويس شيريه» ولم يكن سعيدا. كان الفنان بداخله يتوق للإبداع من دون قيود أو إملاءات الغير. وهذا ما تحقق له في عام 2007 قبل اندلاع الأزمة العالمية بعام واحد. لم تؤثر عليه في البداية، بل العكس تماما حقق نجاحا باهرا. فقد أقبلت عليه علية القوم، خصوصا من البلدان العربية مثل الملكة رانيا، فضلا عن نساء ناجحات وقويات مثل الراحلة زها حديد. كن دروعه الواقية من الأزمة، وبالتالي لم تلمسه نيرانها إلا منذ عامين تقريبا بسبب توسعه في مجالات أخرى. ثم لا ننسى أن العالم شهد في هذه الفترة عدة تغيرات سياسية وثقافية واقتصادية، لم تكن المنطقة العربية بمنآى عنها، بل كانت جزءا لا يتجزأ منها. لهذا لم يكن أمامه إلا أن يستلقط فيها أنفاسه إلى حين تمر بسلام. بفضل ولاء زبوناته وولائه لأسلوب عشقنه نجح في تجاوزها.
ماذا بعد؟ وكيف يرى نفسه بعد عشر سنوات أخرى؟ يرد بأن كل ما يفكر فيه حاليا أقرب إلى المثالية والأحلام منه إلى الواقع، لكنه متفائل. فكما تحققت أمنيته بتأسيس داره الخاصة قبل عشر سنوات يمكن أن تتحقق أحلامه الأخرى.



4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
TT

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)

عشر سنوات فقط مرت على إطلاق علامة «بيوريفيكايشن غارسيا» حقيبتها الأيقونية «أوريغامي». بتصميمها الهندسي وشكلها ثلاثي الأبعاد لفتت الأنظار منذ أول ظهور لها. واحتفالاً بمكانتها وسنواتها العشر، تعاونت العلامة الإسبانية مؤخرا، مع أربع مُبدعات في الفنون البلاستيكية لترجمتها حسب رؤيتهن الفنية وأسلوبهن، لكن بلغة تعكس قِيم الدار الجوهرية. هذه القيم تتلخص في الألوان اللافتة والخطوط البسيطة التي لا تفتقر إلى الابتكار، أو تبتعد عن فن قديم لا يزال يُلهم المصممين في شتى المجالات، قائم على طيّ الورق من دون استخدام المقص أو الغراء، ألا وهو «الأوريغامي». فن ياباني تكون فيه البداية دائماً قاعدة مربّعة أو مكعّبة.

المكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميم الحقيبة إلى جانب جلد النابا الناعم والمرن (بيوريفكايشن غارسيا)

ولأن يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، صادف اليوم العالمي لفن «الأوريغامي»، فإنه كان فرصة ذهبية لتسليط الضوء على حقيبة وُلدت من رحم هذا الفن ولا تزال تتنفس منه تفاصيلها.

فالمكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميمها؛ إذ تبدأ العملية باختيار جلد النابا تحديداً لنعومته، وبالتالي سهولة طيّه ومرونته في الحفاظ على شكله. بعد تمديد الجلد، يتم تحديد النمط وإضافة دعامات مثلثة للحفاظ على هيكله، لتُضاف بعد ذلك المُسنّنات يدوياً لخلق حركة انسيابية على الجلد.

للاحتفال بميلاد الحقيبة العاشر وفن «الأوريغامي» في الوقت ذاته، منحت «Purificacion Garcia» أربع مُبدعات، وهن: ألبا غالوتشا وكلارا سيبريان وصوفي أغويو وسارة أوريارتي، حرية ترجمتها حسب رؤية كل واحدة منهن، مع الحفاظ على أساسياتها.

ألبا غالوتشا، وهي ممثلة وعارضة أزياء وفنانة، تعتمد على الأنسجة والخزف كوسيلة للتعبير عن نفسها، وتستقي إلهامها من الحياة اليومية، والاحتفال بتضاريس الجسد. استوحَت الحقيبة التي ابتكرتها من عشقها للأنماط والهياكل والبناء. تقول: «حرصت على الجمع بين ما يُعجبني في شكل هذه الحقيبة وما يستهويني في جسم الإنسان، لأبتكر تصميماً فريداً يعكس هذَين المفهومَين بشكلٍ أنا راضية عنه تماماً».

حرصت ألبا على الجمع بين تضاريس الجسد وأنماط وهياكل البناء (بيوريفكايشن غارسيا)

أما كلارا سيبريان، فرسّامة تحبّ العمل على مواضيع مستوحاة من جوانب الحياة اليومية ويمكن للجميع فهمها والتماسها. تقول عن تجربتها: «أنا وفيّة لأكسسواراتي، فأنا أحمل الحقيبة نفسها منذ 5 سنوات. وعندما طُلب مني ابتكار نسختي الخاصة من هذه الحقيبة، تبادرت فكرة إلى ذهني على الفور، وهي إضفاء لمستي الشخصية على حقيبة (Origami) لتحاكي الحقيبة التي أحملها عادةً بتصميمٍ بسيطٍ تتخلّله نقشة مزيّنة بمربّعات».

من جهتها، تستمد سارة أوريارتي، وهي فنانة متخصصة في تنسيق الأزهار والمديرة الإبداعية في «Cordero Atelier»، إلهامها من الطبيعة، ولهذا كان من الطبيعي أن تُجسّد في نسختها من حقيبة «أوريغامي»، السلام والهدوء والجمال. تشرح: «لقد ركّزت على تقنية (الأوريغامي) التي أقدّرها وأحترمها. فكل طيّة لها هدف ودور، وهو ما يعكس أسلوبي في العمل؛ إذ كل خطوة لها أهميتها لتحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، يُعتبر الانضباط والصبر ركيزتَين أساسيتَين في هذَين العملَين. وأنا أسعى إلى إيجاد التوازن المثالي بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، وهذا ما يلهمني لمواصلة استكشاف الجمال الكامن في البساطة».

كلارا رسّامة... لهذا عبّرت نسختها عن رؤيتها الفنية البسيطة التي أضافت إليها نقشة مزيّنة بمربّعات (بيوريفكايشن غارسيا)

وأخيراً وليس آخراً، كانت نسخة صوفي أغويو، وهي مستكشفة أشكال ومؤسِّسة «Clandestine Ceramique»، التي تشيد فيها كما تقول بـ«تصميم يتداخل فيه العملي بجمال الطبيعة، وبالتالي حرصت على أن تعكس التناغم بين جوهر دار (بيوريفكايشن غارسيا) القائمة على الأشكال الهندسية وأسلوبي الخاص الذي أعتمد فيه على المكوّنات العضوية. بالنتيجة، جاءت الحقيبة بحلّة جديدة وكأنّها تمثال منحوت بأعلى درجات الدقة والعناية».