تأتي مجموعة «قيامة الياسمين» وهي الثانية للشاعر مروان خورشيد عبد القادر، التي صدرت عن دار الأدهم في القاهرة، كإحدى المجموعات الشعرية القليلة التي تعكس ما تتعرض له سوريا، منذ سنوات، حيث اشتعل أوار الثورة السورية، من مهادها الرمزي الأول «درعا»، أو من خلال عناوينها الواقعية، في عدد من المدن السورية، إلى أن أصبحت سوريا - برمتها - فضاء لها، منذ انطلاقتها السلمية - التي كانت استجابة لنداء الضمير الشعبي - ومروراً بعدد من المحطات الإجبارية إلى أن آلت إلى، ما هي عليه، الآن، في إطار استلابها وتزويرها.
تضم المجموعة أكثر من خمسين عنواناً، تستطيل، غالباً، بمفردتين، أو ثلاث مفردات، أو أكثر، وهي هنا عتبات مهمة، شارحة، للوحة المكان المتناول، ضمن خطين متوازيين، حيث الجغرافيا، ببعديها: المكاني، والفني، وإن كان سيستغرق، خلال تفاعله، في أولهما، على نحو ملحوظ، لنكون في حضرة خريطة شاسعة، تنوس بين عامودا، ودرعا، من دون أن تنسى مسقط رأسه «جويق»، وعفرين، وسري كانييه، ودير الزور، وحلب، وحمص، وحماة، ودمشق، الغوطتان، بما فيها من رموز، ليكون مشعل التمو، وغياث مطر، وحمزة الخطيب -زردشت - زينب - هاجر - الخطيب...إخ.
وإذا كانت عتبة المجموعة، تتواشج مع المكان، من خلال مفردة الياسمين - كإحدى متلازمات دمشق - فإن المفردة الأولى فيها، ضمن إهداء الشاعر هي «جويق» التي تكتمل ملامحها من خلال عصافيرها، المزقزقة، وزيتونها، بيد أن المكان - هنا - في توأمة مع أهله:
نشبه الكانون والرجال
أسماؤنا قبرات تدل على أحزان موتانا
ندخل حطب الشتاءات
ونخرج أشلاء مكتظة بحرارة النابالم
جبالنا
وصايا تذكرنا بانتصارات قتلانا
حين نعدهم على كف القصائد..مذبحة
تزداد المقاربة بين الرمز والمرموز، بين الدلالة والمدلول، بين الكلمة والفعل، فالأمكنة تتأنسن، كلها تتحسس آلام بعضها بعضاً، ما دامت الإصبع التي تضغط على زر طائرات القصف واحدة، ببصمات متشابهة، وما دامت المدن كلها، على اختلاف أمدائها، ورائحتها، وألوان أسمائها، ولغات أهلها، باتت تدفع ضريبتها، كل منها حسب ما يرسمهم له الجلاد من أدوار:
اليوم أصبحنا نعرف أين تقع الحولة من بانياس
وأين تقع الجيزة من طيبة الإمام
وأين تقع الخالد من بابا عمرو وباب السباع
وأصبحنا نميز بين قرية البياسي البيضة
من حي البياضة الحمصي
وأصبحنا ندرك كم المسافة قريبة
بين عامودا الكردية وسهل حوران
مجموعة «قيامة الياسمين»، التي تأتي بعد ست سنوات على الإصدار الأول لصاحبها، تتمثل لحظة القيامة في النص، حيث لا وقت للانصراف إلى تزويق الصورة، وزخرفتها، ونمنمتها، ما دام أنه واثق من أن ما يتناوله من حوله لا يحتاج إلى أي دعامات، تتوسلها، بل هي تحمل عوامل دهشتها، واستفزازيتها، ناهيك عن شعرنة الألم، في أقصى حدوده، الوحشية، وهي ثيمة لا بد أن تتصادى، وتتناسخ، في نصوص كل من يقارب الجرح الفاغر فاه، على نحو يجعله يكاد يتفرد بعلاماته الفارقة، ما يدفع بالنص ليكون الشاهد على ما يجري، ديوان إدانة، بل ديوان إبانة، وهو ما يفرد للناص مكانته، بين من دونوا كل ما التقطوه، من وقائع، في مشهديات المكان، كي تكون للقصيدة - فضاء المواجهة - إلى جانب سواها، وهي عودة بالشعر إلى وظيفته التي طالما ارتبطت به.
لا وقت لزخرفة القصيدة
السوري مروان عبد القادر في «قيامة الياسمين»
لا وقت لزخرفة القصيدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة