أنقرة مستاءة من تصريحات لماكغورك ربطتها بتنظيمات إرهابية

توغل تركي «خاطف» في عين العرب... وتوقيف جنود عذبوا سوريين

TT

أنقرة مستاءة من تصريحات لماكغورك ربطتها بتنظيمات إرهابية

عبرت تركيا عن استيائها من تصريحات للمبعوث الأميركي للتحالف الدولي للحرب على «داعش» بريت ماكغورك ربط فيها بين أنقرة وتنظيمات إرهابية في سوريا، واعتبرتها تصريحات «استفزازية».
وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو على تصريحات لماكغورك، ربط فيها تركيا بتنظيمات إرهابية في محافظة إدلب السورية، قائلاً إنه «يمكن اعتبارها تصريحات استفزازية».
وأشار مفتي أوغلو في بيان إلى أن أنقرة قدمت احتجاجاً على تصريحات ماكغورك، مؤكداً أنه لا يمكن القضاء على الأسباب الرئيسية وراء اتخاذ التنظيمات الإرهاب ملاذاً لها في العراق وسوريا، إلا من خلال عدم وجود أي تضارب بين أقوال وأفعال الأطراف الفاعلة المعنية.
وقال إنه «تم التذكير بتطلعاتنا المتعلقة بعدم تقديم الدعم من جانب واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردية، أياً كانت الأهداف».
في السياق ذاته، واصلت واشنطن تقديم المساعدات العسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية في إطار العملية الحالية لتحرير الرقة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، حيث أرسلت الليلة قبل الماضية 100 شاحنة جديدة إلى شمال الرقة في المناطق الواقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب.
وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية أمس (الاثنين)، إن الشاحنات عبرت من الأراضي العراقية مساء أمس (أول من أمس) إلى مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي في الحسكة.
وأضافت أن شاحنات تحمل عربات مصفحة، وعربات جيب، بالإضافة إلى رافعات وغيرها من المعدات وصلت إلى شمال الرقة.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية، أرسلت في الفترة بين 5 يونيو (حزيران) وحتى 27 يوليو (تموز) الماضيين نحو 809 شاحنات محملة بمساعدات عسكرية لمناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا.
في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام كردية، كما أكد المتحدث باسم تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مصطفى بالي، أمس، أن قوات من الجيش التركي فتحت أجزاء من الجدار العازل الذي تم إنشاؤه على الحدود التركية - السورية أخيراً، قبالة قريتين بمنطقة عين العرب (كوباني) بحلب، شمال سوريا، وعززت النقاط العسكرية المنتشرة هناك.
وبحسب ما نقلت وسائل الإعلام التركية عن هذه التقارير، أمس، فإن آليات تابعة للجيش التركي رفعت أجزاء من الكتل الإسمنتية بالجدار ودخلت مجموعة من الجنود إلى قريتي سفتك وبوبان غرب مدينة عين العرب (132 كم شمال شرقي مدينة حلب)، ثم انسحب الجنود بعد ساعات. وبحسب التقارير، تمركزت عناصر من «قسد» في الجهة المقابلة لنقطة دخول الجيش التركي، وقال بالي إن هذا التحرك من جانب الجيش التركي، «يعد جزءاً من عملية درع الفرات ويهدف لعرقلة معركة السيطرة على مدينة الرقة».
وذكرت التقارير أن مدفعية الجيش التركي المتمركزة في قرية كلجبرين (38 كم شمال مدينة حلب) قصفت بقذائف المدفعية والهاون، بلدة منغ وقرى العلقمية وعين دقنة وشيخ عيسى وسموقة وتل مضيق ومرعناز بريف حلب الشمالي، دون وقوع إصابات.
وفي أواخر يونيو الماضي، دفع الجيش التركي بمزيد من التعزيزات إلى ريف حلب الشمالي وتمركزت بعض قواته في محيط مدينة مارع، وسط توقعات بانطلاق عملية جديدة باسم «سيف الفرات» تستهدف تطويق عفرين والميليشيات الكردية جنوب أعزاز، بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر على غرار عملية درع الفرات.
إلى ذلك، أوقف الجيش التركي جنوداً أساءوا معاملة 4 أشخاص ضبطوا خلال محاولتهم التسلل من سوريا إلى تركيا.
وذكر بيان لرئاسة الهيئة العامة لأركان الجيش التركي صدر الليلة قبل الماضية، على خلفية انتشار مقطع فيديو يظهر قيام جنود أتراك بتعذيب 4 سوريين قبض عليهم على الحدود مع سوريا، أنه «جرى توقيف العناصر (الجنود) الذين قاموا بتصرفات لا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال بحق أشخاص قبض عليهم أثناء محاولتهم الدخول من سوريا إلى تركيا بطرق غير شرعية... وأن الإجراءات الإدارية والقانونية بدأت بحق الموقوفين».
وأضاف البيان أن «الأشخاص الأربعة الذين حاولوا اجتياز الحدود بطرق غير شرعية، جرى ترحيلهم إلى خارج الحدود، في إطار القوانين النافذة، عقب إجراء الفحص الطبي لهم والتأكد من أنهم في وضع صحي جيد».
وقالت لجنة تحقيق خاصة تم تشكيلها بعد انتشار مقطع الفيديو للجنود الأتراك، إن الفيديو نشر بشكل متعمد من خارج تركيا (تحديداً من ألمانيا)، بهدف إحراج تركيا والنيل من هيبتها وقواتها المسلحة.
وأكدت اللجنة أن إساءة معاملة الأشخاص الأربعة وقعت في إحدى وحدات حرس الحدود يوم 28 يوليو الماضي، نحو الساعة 11 صباحاً، وأن الجنود ضبطوا 4 سوريين في موقع «سفرلي - سيوري» بولاية هطاي (جنوب) خلال محاولتهم التسلل إلى تركيا، ونقلوهم إلى موقع حراستهم، وبينما كان الجنود يضربون الأشخاص، كان أحدهم ويحمل رتبة عريف، يصور ما يحصل عبر هاتفه الجوال، وقام بإرساله عبر تطبيق «واتساب» إلى سيدة تدعى «فريدة. أ» في ألمانيا، لافتة إلى أن نشر الفيديو من خارج تركيا، أمر له دلالات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟