قوات النظام تتوغل في البادية للوصول إلى دير الزور

الطائرات الروسية تقصف السخنة

TT

قوات النظام تتوغل في البادية للوصول إلى دير الزور

قلصت قوات النظام السوري المسافة التي تفصلها عن مدينة السخنة، أبرز معاقل تنظيم داعش في ريف حمص الشرقي المحاذي للحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، عبر التوغل في عمق البادية الشرقية، في مسعى منها للسيطرة على أول خطوط دفاع «داعش» عن نفوذه في مدينة دير الزور، في حين حققت «قوات سوريا الديمقراطية» تقدماً إضافياً في مدينة الرقة.
وأحرزت قوات النظام تقدماً في عمق البادية السورية، وسيطرت على «نقاط حاكمة» حول مدينة السخنة، في محاولة لمحاصرة عناصر تنظيم داعش فيها، وسط معلومات عن أن العشرات من عناصر التنظيم يرفضون الخروج منها. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن العشرات من عناصر تنظيم داعش المتبقين في المدينة، يرفضون إلى الآن الانسحاب من المدينة، التي تتعرض منذ إسقاطها من قبل قوات النظام بالنيران، لقصف جوي مكثف من قبل الطائرات الروسية والتابعة للنظام، والتي تستهدف أطراف المدينة. ونقل عن مصادر موثوقة قولها إن العناصر المتبقية غالبيتهم من أبناء مدينة السخنة، واختاروا القتال إلى النهاية، رافضين الانسحاب من مدينتهم التي سيطروا عليها في منتصف مايو (أيار) 2015.
لكن الظروف في المدينة، قد تبدل بالوقائع، بحسب ما قالت مصادر سورية معارضة في دير الزور لـ«الشرق الأوسط»، موضحة أن النظام «يعتمد أسلوب التوسع حول السخنة، والالتفاف عليها، بغرض محاصرة عناصر التنظيم فيها»، مشيرة إلى أن قوات النظام «تتبع الاستراتيجية نفسها التي اتبعتها في مدينة معدان، حيث تتجنب حرب المدن، وتنفذ سياسة الحصار وتستكمل التوغل في البادية»، كما «تتيح للتنظيم الانسحاب منعاً للوقوع في الحصار».
وقالت المصادر إن السخنة تعد «أول خطوط دفاع التنظيم عن نفوذه في مدينة دير الزور ومحيطها»، لافتة إلى أن توغل النظام في المنطقة «سيفقد عناصر التنظيم فرصة الإمداد والتواصل مع محيطهم». وقالت إن معظم عناصر التنظيم الأجانب «خرجوا من السخنة مع اشتداد القصف واقتراب النظام منها».
وأفاد «المرصد السوري» بأن الطائرات الروسية قصفت «بشكل هستيري» ما تبقى من ريف الرقة لتمهد الطريق أمام قوات النظام للتقدم من محور جديد إلى داخل دير الزور، بينما تمكنت قوات النظام من تحقيق تقدم في الأجزاء المتبقية من ريف الرقة الشرقي، عند الضفاف الجنوبية لنهر الفرات، حيث دخلت قوات النظام لأول مرة إلى محافظة دير الزور بعد اجتياز الحدود الإدارية للرقة مع الريف الغربي لدير الزور، كما تمكنت من تحقيق مزيد من التوغل داخل الريف الغربي لدير الزور، مقلصة بذلك المسافة إلى المدينة، إلى نحو 50 كلم.
وأفيد أمس عن تقدم النظام في بادية دير الزور الغربية، المحاذية للريف الجنوبي الشرقي لمدينة معدان، ومحاولة قوات النظام الالتفاف على جبل البشري الاستراتيجي، الذي سيتيح لها في حال السيطرة عليه والتمركز فوقه، السيطرة والرصد الناري لكثير من القرى ومساحات واسعة من ريف دير الزور الغربي والخط الممتد منها إلى منطقة السخنة وبادية حمص الشرقية. وترافق هذا التقدم مع قصف مكثف ومستمر لقوات النظام على مدينة معدان والقرى المتبقية تحت سيطرة التنظيم، بالتزامن مع غارات مكثفة من الطائرات الحربية الروسية والتابعة للنظام.
ويعد جبل البشري الاستراتيجي من أهم معاقل تنظيم داعش في سوريا، كما شهد هذا الجبل زيارة أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، للالتقاء بقيادات عسكرية وأمنية بالتنظيم في أوقات سابقة، فيما يمتد الجبل داخل الحدود الإدارية لثلاث محافظات، ويعد من المراكز المهمة التي اعتمد التنظيم عليها في عمليات الإمداد وتأمين قياديين.
وفي دير الزور أيضا، تواصلت عمليات البحث عن ناجين تحت أنقاض الدمار الذي خلفه القصف الجوي على مدينة البوكمال، الحدودية مع العراق، والواقعة في الريف الشرقي لمدينة دير الزور، حيث ارتفع إلى 6 على الأقل عدد القتلى جراء قصف جوي استهدف منطقة الجمعيات في المدينة، ليل السبت.
في غضون ذلك، تركزت الاشتباكات في مدينة الرقة بين «قوات سوريا الديمقراطية» وعناصر تنظيم داعش في حي نزلة شحادة الواقع في القسم الجنوبي لمدينة الرقة، عند الضفاف الشمالية لنهر الفرات، وأكدت مصادر موثوقة لـ«المرصد السوري» أن «سوريا الديمقراطية» تمكنت من تحقيق تقدم جديد في الحي، بحيث باتت هذه القوات تسيطر على معظم الحي، مقتربة بذلك من مقاتليها الموجودين في حي هشام بن عبد الملك. وفي حال تمكنت المجموعتان القادمتان من حيي نزلة شحادة وهشام بن عبد الملك من الالتقاء، فإنه ستتم بذلك السيطرة على كل القسم الجنوبي من مدينة الرقة، الأمر الذي سيضيق الخناق على التنظيم داخل مدينة الرقة، بعد أن خسر أكثر من نصف المدينة بفعل القتال.
وترافقت الاشتباكات مع قصف لطائرات التحالف الدولي ولقوات عملية «غضب الفرات» على مواقع التنظيم وتمركزاته ومناطق سيطرته في محاور القتال ومحيطها، ما تسبب في وقوع مزيد من الخسائر البشرية في صفوف طرفي القتال.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم