تجدد في الآونة الأخيرة الخلاف الحدودي بين الهند وباكستان؛ القوتين الآسيويتين، بسبب مشروع صيني لإقامة طريق داخل منطقة متنازع عليها تدعى بهوتان، مما دفع بالسكان المحليين إلى التقدم بطلب إلى الهند للوقوف إلى صفهم. واحتشدت قوات من الجانبين في المواجهة منذ 40 يوماً ووقعت بينهما بعض المناوشات. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ إن مواجهة جديدة بين الجانبين باتت تتشكل في الأفق مع ازدياد قلق نيودلهي إزاء الوجود الصيني البحري في فنائها الخلفي؛ المحيط الهندي.
وكانت بكين قد حركت سفناً بحرية في الفترة الأخيرة في منطقة زانجيانغ بهدف إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي، البلد ذي الموقع الاستراتيجي في القرن الأفريقي. ورغم إعلان بكين أن القاعدة ستساعد في مهام حفظ السلام، فإن الهند ترى أن تلك التبريرات ليست سوى محاولة للتمويه على الهدف الحقيقي.
وكان الجيش الصيني قد أجرى تدريبات في إقليم التيبت تحاكي سيناريو اندلاع حرب فعلية مع الهند. واللافت أن التشاحن المحدود بين البلدين الذي أبقى على العلاقات الصينية - الهندية في حالة غليان هادئ ومستمر منذ الحرب الحدودية التي اندلعت بينهما عام 1962، تفاقم خلال السنوات الأخيرة. وجاء ذلك نتاجاً لعوامل عدة؛ منها استمرار التوترات بسبب الدعم الصيني لباكستان، واستضافة الهند للدلاي لاما؛ الزعيم الروحي للتيبتيين، إلى جانب الخلاف الحدودي بين البلدين. إلا أن التنامي الشديد في الوجود والنفوذ الصيني داخل شبه القارة الهندية والمحيط الهندي على مدار العقد الماضي أضاف عنصراً جديداً أكثر اشتعالاً إلى حالة السلام الفاتر التي حكمت العلاقات الثنائية بين الجانبين.
يذكر أن عمليات التنقيب البحري المشتركة التي جرت مؤخراً بين الولايات المتحدة والهند واليابان، جرى تفسيرها على نطاق واسع بوصفها استجابة منسقة لتوسع صيني ملحوظ في المحيط الهندي. وعموماً، تراهن نيودلهي على علاقاتها مع الولايات المتحدة واليابان للحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
ويعتقد محللون أن من شأن التوجه الصيني لإقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي أن يدفع بمزيد من التوتر بين البلدين. ولطالما نظرت الهند إلى المحيط الهندي بوصفه «البحيرة الخاصة بها» داخل منطقة نفوذها في جنوب آسيا. وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 80 في المائة من إجمالي شحنات النفط العالمية تمر عبر المحيط الهندي، وكذلك 70 في المائة من حركة الشاحنات من وإلى الدول الصناعية الآسيوية وباقي دول العالم. ووفقا لما ذكره الخبير الاستراتيجي براهما تشيلاني، فإن «من الممكن استخدام قاعدة جيبوتي في تعزيز النفوذ الصيني بالمحيط الهندي عبر ما تعرف باسم (سلسلة اللآلئ)، ونقطة تهديد محتمل لقطع التجارة البحرية عن الهند».
يذكر أن «سلسلة اللآلئ» اسم أطلق على استراتيجية تنتهجها بكين لبناء تحالفات عسكرية مع دول مثل باكستان وسريلانكا وبنغلاديش لتطويق الهند. وقد باعت الصين بالفعل غواصات إلى هذه الدول. وعليه، هناك قلق بالغ يساور نيودلهي إزاء محاولات الصين لتعزيز نفوذها في المنطقة، خصوصا مع ملاحظة مسؤولين أمنيين نشاطات لغواصات صينية بالقرب من جزيرتي أندامان ونيكوبار الهنديتين.
وكان الأسطول الهندي قد رصد وجود غواصات وأكثر من 10 سفن حربية صينية، خلال الشهرين الماضيين، مما أجبره على تشديد إجراءات الاستطلاع والمراقبة داخل المياه الاستراتيجية.
وتلتزم مؤسسة الدفاع الهندية أقصى درجات الحيطة والحذر إزاء إمكانية نجاح «سلسلة اللآلئ» في تطويق الهند. ولطالما جرى النظر إلى سياسة «النظر شرقاً» الهندية بوصفها الرد على «سلسلة اللآلئ» الصينية. وقال كانوال سيبال، وزير الخارجية الهندي السابق، إن «تحدياتنا الأمنية في المحيط الهندي في طريقها نحو التفاقم خلال السنوات المقبلة»، مضيفاً أن «الأطماع البحرية الصينية تمثل المصدر الأكبر وراء ذلك. وإذا ما تمكنا من إحباط الأطماع الصينية في المناطق الآسيوية المطلة على المحيط الهندي، فإن هذا سيحبط توسعها البحري السريع في المحيط الهندي. وعليه، فإن ثمة مصلحة مشتركة بين الهند والولايات المتحدة واليابان، إلى جانب أستراليا، للإبقاء على توازن استراتيجي في منطقتي المحيط الهادئ والمحيط الهندي، وضمان السلام والاستقرار فيهما».
كذلك، أشار محللون دفاعيون إلى أن محاولات الصين إقامة قواعد عسكرية لها في مناطق بعيدة يمكن النظر إليها أيضاً بوصفها رداً على التدريبات البحرية السنوية ثلاثية الأطراف بين الولايات المتحدة واليابان والهند، التي تجرى داخل المحيط الهندي وبالقرب من بحر الصين الجنوبي، الذي تدعي بكين أحقيتها في الهيمنة عليه. وقال المحلل الهندي بريغادير آرون باجباي: «مع وجود مخططات لدى الصين لممارسة الهيمنة على أعالي البحار في المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي وعمل الحكومة الصينية بالتنسيق مع باكستان، فإن ذلك يشكل دافعاً للأطراف المعنية لضمان حرية الملاحة والتجارة وكي توحد صفوفها وتكون جبهة موحدة».
ويرى محللون أن الهند تواجه أيضاً تحدياً جيوسياسيا من جانب ما يطلق عليه مشروع «حزام واحد طريق واحد» الصيني الشهير، الذي يحتل مكانة متقدمة بين أولويات الرئيس الصيني شي جينبينغ. واللافت أن الهند جرى إبقاؤها بعيداً عن ذلك المشروع، الذي يشكل «الممر الاقتصادي» بين الصين وباكستان المحور الرئيسي له، وهو يمر عبر الأراضي الخاضعة للسيطرة الباكستانية في إقليم كشمير. واشتكت نيودلهي من أن هذا المشروع يعد تحديا لسيادتها لإضفائه شرعية على الوجود الباكستاني في ذلك الجزء من كشمير.
علاوة على ذلك، تضطلع الهند بتنفيذ مشروع لتنمية غوادار داخل إقليم بلوشستان الواقع جنوب غربي باكستان. وفي عام 2015، وافقت إسلام آباد على تأجير منشآت أحد أهم الموانئ لديها حتى عام 2059 لشركة «أوفرسيز بورت هولدينغ» الصينية. ويطل الميناء على بحر العرب وعلى خطوط نقل تنقل النفط من الخليج العربي إلى الصين. ويعد هذا الأمر العنصر الأكثر وضوحاً في إطار مشروع أضخم يحمل اسم «الممر الاقتصادي» الذي تتولى الصين تمويله بتكلفة 54 مليار دولار، ويرمي لبناء بنية تحتية في مجال النقل في باكستان، خصوصا في بلوشستان. ورغم إعلان إسلام آباد وبكين أنه ليس هناك وجود عسكري صيني في غوادار، فإن الاستثمارات الصينية في موانئ في سريلانكا واليونان وجيبوتي، تبعتها زيارات منتظمة من قبل سفن تتبع الجيش الصيني.
وتشكل قارة أفريقيا نقطة تنافس أخرى؛ إذ تشير الأرقام إلى أن الصين تستقبل 27 في المائة من إجمالي صادرات أفريقيا العالمية، وتستثمر 38.4 مليار دولار داخل القارة السمراء. ومقارنة بذلك، توفر الهند اعتمادات لـ44 دولة بالقارة بقيمة إجمالية تبلغ 8 مليارات دولار. وبجانب توفيره مساعدة ضخمة بقيمة 600 مليون دولار لدول أفريقية، عرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تنفيذ مشاريع تنموية بقيمة 10 مليارات دولار داخل القارة على امتداد السنوات الخمس المقبلة، وتعهد بتقديم 29 مليون دولار لـ«الصندوق الأفريقي للتنمية». وبالمثل، تعهد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بتقديم تمويلات للقطاعين العام والخاص في أفريقيا على امتداد السنوات الثلاث المقبلة بقيمة 30 مليار دولار لتعزيز جهود بناء البنية التحتية.
الهند والصين... مناوشات حدودية تعكس تنافساً أوسع في آسيا وأفريقيا
نيودلهي تراهن على علاقاتها مع أميركا واليابان للحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة
الهند والصين... مناوشات حدودية تعكس تنافساً أوسع في آسيا وأفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة