مبادرة دولية لمواجهة التشدد على الإنترنت

العالم يتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

مبادرة دولية لمواجهة التشدد على الإنترنت
TT

مبادرة دولية لمواجهة التشدد على الإنترنت

مبادرة دولية لمواجهة التشدد على الإنترنت

يبدو وكأن مواجهة الإرهاب والأصولية مسألة سوف تمتد إلى آماد، ما يجعل التفكير في آليات جديدة للمواجهة والمجابهة فرضاً وليس نافلة، لا سيما أن مشهد الإرهاب العالمي في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بات مختلفاً كل الاختلاف عن نظيره في أوائل القرن نفسه، والدليل على ذلك هو أن ما جرى في سبتمبر (أيلول) 2001 في كل من واشنطن ونيويورك إنما كان نتاجاً لتنظيم عنقودي تراتبي له قيادة وقمة تعطي التعليقات لمن هم في درجات التنظيم الأسفل ليقوموا بالمهام المشؤومة الموكلة إليهم.
غير أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي جرت في أوروبا تحديداً، إنما كانت نتاجاً وإفرازاً لتواصل شبكات الإرهابيين بعضهم ببعض دون لقاءات شخصية، أو سابق معرفة بينهم، ما دعا البعض للإشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وفي مقدمتها الإنترنت، بوصفها «لعنة» حلَّت بالجنس البشري المعاصر بعد أن سهَّلَت لهم الاعتداء على الأرواح والممتلكات الشخصية، ومن هنا بدأ التفكير في تدبير خطط عالمية لمواجهة ما بات يُعرف بالإرهاب السيبراني والأصولية السيبرائية، كوسيلة للتصدي والتحدي للكوارث الإلكترونية وفي مقدمتها الإرهاب الأعمى... ماذا عن تلك الخطط والآليات؟

الإرهابيون والتواصل السري
لعله يتوجب علينا وقبل الإشارة إلى تلك الخطط والمنتديات العالمية لمكافحة الإرهاب عبر شبكة الإنترنت التذكير ببعض من تلك العمليات السرية التي استخدمت فيها الجماعات الإرهابية الشبكة العنكبوتية لتنفيذ مخططاتها السوداء. وكشفت التحقيقات التي جرت في فرنسا بعد حادثة مسرح «الباتاكلان» الشهيرة، والتي راح ضحيتها العشرات من الفرنسيين أن المخططين قد استخدموا في التواصل بينهم بعض الألعاب المتاحة على شبكة الإنترنت، وقد نجحوا في خداع أجهزة الأمن الفرنسية، وذلك عبر تجنبهم استخدام طرق التواصل أو الاتصال المعروفة، بدءاً من اللقاءات الشخصية، مروراً بالبريد الإلكتروني أو رسائل الهواتف الجوالة.
وكانت الفكرة غير مسبوقة، ولذلك تمت العملية بنجاح من وجهة نظر الذين أعدوا وخططوا لها عبر الدروب الإنترنتية الخلفية، ودون أدنى متابعة من شبكات محاربة الإرهاب الفرنسية الداخلية أو الخارجية، الأمر الذي مثل لطمة كبرى هناك للقائمين على شؤون مكافحة الإرهاب.
لم يتوقف الأمر عند حدود فرنسا، بل تخطاه إلى روسيا؛ ففي أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي أعلنت هيئة الأمن الفيدرالي الروسي أن الإرهابيين باتوا يستخدمون تطبيق «تلغرام»، وأن انتحاري مترو سان بطرسبورغ ومشرفة الخارجي، قد استخدما «ميسنجر تلغرام» في الترتيب للعمل الإرهابي، عبر كل مراحله من إعداد وتنفيذ، وصولاً إلى لحظة التفجير داخل عربة القطار، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى.
وفي بيان لها، تذهب هيئة الأمن الفيدرالي الروسي إلى أن معظم عناصر المنظمات الإرهابية الدولية يستخدمون برامج «ميسنجر»، التي تتيح لهم إقامة محادثات سرية على مستوى من تشفير البيانات المنقولة.
اليقظة الروسية لما جرى هناك دعت السلطات الروسية لمطالبة «بافل دوروف» مؤسس «تلغرام» بتقديم بيانات لا بد منها ليتوافق «ميسنجر» مع المعايير والشروط التي تنص عليها التشريعات الروسية، بما في ذلك تسليم شفرات الدخول إلى فضائه، وتتبع تحركات المشبوهين ولاتصالاتهم عبره، تحت طائلة حجبه في الفضاء المعلوماتي الروسي. وعلى الرغم من أن دوروف قد رفض هذا الطلب معتبراً أنه يتعارض مع الحريات الدستورية، إضافة إلى أنه يظهر قلة الفهم فيما يتعلق بكيفية تشفير الاتصالات في 2017 على حد تعبيره، فإنه ولا شك كان قد أيقظ عند كثيرين مشاعر وأفكاراً تقود إلى مكافحة الإرهاب السيبراني عبر أفكار مبتكرة وغير تقليدية.

منتدى عالمي لمكافحة الإرهاب
لم يكن للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أن يبقى بعيداً عن أحدث معارك مواجهة الإرهاب، ذلك أنه وعبر عقد من الزمان، قد وقر لدى الأميركيين أن المحاولات الممكنة للقيام بعمليات إرهابية على الأراضي الأميركية لن تتم إلا من خلال اختراق الشبكات الإلكترونية للبلاد، سواء من الإرهابيين التقليدين أصحاب الأصوليات ذات المسحة الدينية، أو من خلال الدول المعادية وفي المقدمة منها الصين وروسيا.
في هذا الإطار جاء الإعلان في الأسابيع القليلة الماضية عن تأسيس «منتدى إنترنت» حول العالم، مثل شركة «فيسبوك» و«مايكروسوفت» و«تويتر» و«يوتيوب»، وذلك في مبادرة تقدمت بها هذه الشركات العملاقة التي تواجه ضغوطا متزايدة من حكومات العالم لمنع نشر الدعاية الإرهابية. وهنا يعنّ لنا أن نطرح علامة استفهام... هل ستتخلى تلك الشركات عن التنافس التجاري والاقتصادي القائم بينها من أجل هدف أكبر يهددها جميعاً، وهو الإرهاب المدمر؟
يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، فقد قالت الشركات السابقة في بيان لها إن المنتدى «يضفي الطابع الرسمي ويرسي هيكلية المحاور التعاون القائمة أو المقبلة بين مؤسساتنا».
والشاهد أن فلسفة هذا المنتدى تقوم على العمل المشترك بين أعضائه، وتقاسمهم لأفضل الأدوات التكنولوجية والتنظيمية التي تطورها كل شركة من شركات المنتدى، ما يمكن أن يؤثر بشكل أفضل على التهديد الناجم عن المحتوى الإرهابي على الإنترنت.
وهذه الخطوة في واقع الأمر كانت قد سبقتها خطوة أخرى أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فقد تم تأسيس شراكة عالمية بين الشركات الأربع لمكافحة المحتويات ذات الطابع الإرهابي. البيان الأخير لعمالقة الإنترنت حول العالم يوضح كيف أن عمل المنتدى سيركز على الحلول التكنولوجية لرصد المحتويات الإرهابية والقيام بأبحاث لتحسين وسائل إزالة المحتويات الجدلية وتطوير خطابات مضادة للدعاية الإرهابية، وتقاسم المعلومات بين الشركات والهيئات المشتركة في هذه المبادرة.
هل توافرت معلومات جديدة لأجهزة الاستخبارات الغربية، وفي مقدمتها مجمع الاستخبارات الأميركية الذي يضم نحو ست عشرة وكالة استخباراتية عتيدة عجلت بهذا النوع من أنواع الحرب على الإرهاب عبر الإنترنت؟
وفي أواخر مايو (أيار) الماضي، وتحديداً في 27 منه، أرسل الـ«إنتربول»، إلى جميع قيادات الشرطة الأوروبية قائمة بأسماء 173 عضواً من أعضاء تنظيم داعش، تحصلت عليها أجهزة الأمن الأميركية، وقد أماطت صحيفة «الغارديان» البريطانية اللثام عن القصة برمتها، وعندما أن الأميركيين وعبر مصادرهم وفي المقدمة منها الاختراقات الإلكترونية لشبكات الإنترنت قد تعرفوا إلى هويات متطرفين قدموا من أوروبا، وتدربوا لدى «داعش» لتنظيم عمليات انتحارية في بلادهم، وأن الدواعش أنشأوا تلك الخلايا بعقلية انتقامية تحسباً للهزائم اللاحقة في الشرق الأوسط.

تمويل الإرهابيين
على أن الحديث عن العلاقة الوثيقة واللصيقة بين الجماعات الإرهابية والشبكة العنكبوتية اليوم، قد تجاوز مسألة التربية للعمليات الإرهابية والتواصل مع الأطراف الفاعلة والمكلفة بالقيام باللمسات الأخيرة، إذ وصل اليوم إلى حدود دائرة جديدة شريرة مبتكرة هي دائرة التمويل... لماذا التمويل تحديداً؟ الثابت أن «داعش» وطوال العامين الماضيين، وأزيد قليلاً كان يعتمد اعتماداً كليّاً على مصدرين رئيسيين لتمويلها الأول هو بيع النفط المهرب والمسروق من الحقول العراقية والسورية، والثاني هو مردودات بيع الآثار المنهوبة من متاحف الدولتين المتقدمتين. غير أنه وبعد الانتكاسات السريعة والعريضة التي حصلت بـ«داعش» هناك، بدا وكأنه لا بد من طرق جديدة للحصول على تمويل لاستمرار تلك العمليات، وهنا ظهر الإنترنت ومن جديد كمصدر عبر طرق مستحدثة لم تكن تخطر على تفكير أحد من قبل.
في منتصف مايو الماضي أيضاً استيقظ العالم على إحدى أكبر الهجمات الإلكترونية في التاريخ الحديث، وقد كان المتسبب الرئيسي فيها هو أحد برامج أو فيروسات الفدية Ransomware المعروف باسم Wanna Cry ويعمل هذا البرنامج عن طريق تشفير نظام الحاسوب والمطالبة بفدية لتحريره، ويمكن دفع هذا المقابل المالي من خلال العملة الرقمية «بيتكون» إلى مصدر مجهول، يمكنه - من الناحية النظرية على الأقل - توفير مفتاح الشفرة لتحرير النظام والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية سألت: هل يمكن أن يضحى هذا الفعل نسقاً للإرهابيين يمكنهم من خلاله الحصول على ملايين الدولارات كتمويل لعملياتهم الإرهابية حول العالم؟
دون أدنى شك يمكن أن برنامج الفدية طريقها خطيرا لتمويل المجتمعات الإرهابية على اختلاف منابعها ومشاربها، وهذا ما أشار إليه أخيراً ريان كالمبر أحد أهم خبراء الأمن الإلكتروني الاستراتيجي في شركة «بروف بوينت» لشبكة CBS الأميركية حين قال: «لقد شاهدنا الجماعات الإرهابية تمول منظماتها من خلال استخدام بعض العمليات مثل الجرائم الإلكترونية وبرامج الفدية»... هل واشنطن مسؤولة بدرجة أو بأخرى عن هذا النوع الجديد من أنواع التهديد السيبراني حول العالم. يمكن القول إن واشنطن تتقاسم بعض اللوم في انتشار هذا الهجوم، فمن المعتقد أن نقطة الضعف التي استغلها برامج الفدية جرى اكتشافها أولاً من قبل وكالة الأمن القومي NSA، وقد أصدرت «مايكروسوفت» تصحيحاً لنقطة الضعف بعد تسريبها هذا العام، ولكن ربما لم يحدِّثْ الكثير من المستخدمين أنظمتهم، الأمر الذي مكَّن أعضاء التنظيمات الإرهابية، وبينهم بالفعل خبراء ومؤهلون علميّاً للتعامل مع شبكات الإنترنت، من اختراق الكثير من أجهزة الشركات الكبرى، والأفراد، بل الحكومات، من أجل الحصول على ملايين الدولارات لتمويل عملياتهم. والمقطوع به أن الإشكالية التي نحن بصددها قد أكدت على جزئية كارثية تواجه العالم برمته اليوم ويبرع الإرهابيون في التعاطي معها، ذلك أن وجود «أبواب خلفية» لدى وكالات إنفاذ القانون للدخول إلى برامج وأنظمة الحاسوب، حتى ولو كان لأسباب تتعلق بالأمن القومي، يزيد من مخاطر وصول المجموعات الإجرامية أو بعض العناصر الفاسدة الأخرى إلى نقط الضعف تلك، الأمر الذي دعا بريان فتج المراسل التكنولوجي لـ«واشنطن بوست» للقول: «إن الأمر أشبه بترك المفاتيح أسفل السجادة التي توضع أمام باب الدخول إلى المنزل، والتي يمكن أن يستخدمها أشخاص أخيار، ولكن يمكن للأشرار أيضاً استخدامها».

إرهاب الإنترنت واليمين المتطرف
والشاهد أن الحرب السيبرانية وأفكار المنتديات العالمية لمواجهة صناع الشر وزراعته حول العالم لا تنسحب فقط على العالم العربي أو الإسلامي، لا سيما بعد أن أصبح الحديث عن الإرهاب والأصولية ضوان للعالم الإسلامي وللإسلام في مغالطة واضحة وفاضحة، وأنها تشمل كذلك جميع التيارات الشعبوية واليمينية حول العالم.
ففي أوروبا أضحت هناك مخاوف حقيقية من عودة الأصوليات اليمينية القديمة بأفكارها المتطرفة، وهو ما رأيناه ونراه في جماعات مثل «النازيين الجدد» أو حركة «بيغيدا» في ألمانيا، أو حركة النجوم الخمس في إيطاليا، وغيرها في الدول الإسكندنافية هذه وغيرها في واقع الحال ترتب أوراقها واتصالاتها بشكل جيد للتواصل والقفز على ما هو طبيعي ومعروف من أدوات إنسانية في بناء المجتمعات البشرية، للتصور إلى حدود العمل في الخفاء عبر الأبواب الخلفية للإنترنت وإخوتها ونشر روح الكراهية وتدبير أعمال العنف. والثابت أن المشهد ذاته ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية وعلى القارة اللاتينية بالقدر ذاته. وعرفت واشنطن العاصمة وضواحيها في العقدين الأخيرين تصاعداً مطرداً في نمو الجماعات اليمينية ذات التوجهات الراديكالية، وعند كثير من المحلين السياسيين المتتبعين للشأن الأميركي أن فرقاً أهلية أميركية كثيرة تتجهز للصراع مع الحكومة الاتحادية، وليس سرّاً كذلك أن بعضها يطالب بالانفصال، وأخرى تهدد بعمليات إرهابية في قلب البلاد.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».