واشنطن ترد على باليستي كوريا الشمالية بقاذفتي «بي - 1بي»

طائرة تابعة للقوات الجوية الأميركية من طراز B-1B تحلق مع مقاتلات من طراز F-15K من كوريا الجنوبية فوق قاعدة أوسان الجوية في بيونغتايك (أ.ف.ب)
طائرة تابعة للقوات الجوية الأميركية من طراز B-1B تحلق مع مقاتلات من طراز F-15K من كوريا الجنوبية فوق قاعدة أوسان الجوية في بيونغتايك (أ.ف.ب)
TT

واشنطن ترد على باليستي كوريا الشمالية بقاذفتي «بي - 1بي»

طائرة تابعة للقوات الجوية الأميركية من طراز B-1B تحلق مع مقاتلات من طراز F-15K من كوريا الجنوبية فوق قاعدة أوسان الجوية في بيونغتايك (أ.ف.ب)
طائرة تابعة للقوات الجوية الأميركية من طراز B-1B تحلق مع مقاتلات من طراز F-15K من كوريا الجنوبية فوق قاعدة أوسان الجوية في بيونغتايك (أ.ف.ب)

قال سلاح الجو الأميركي في بيان، اليوم (الأحد)، إن قاذفتين أميركيتين من طراز «بي - 1 بي» حلقتا فوق شبه الجزيرة الكورية ردّاً على التجارب الصاروخية الأخيرة لكوريا الشمالية.
وقالت كوريا الشمالية إنها أجرت تجربة ناجحة أخرى لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات أثبت قدرته على ضرب كل البر الرئيسي الأميركي مما أثار تحذيراً شديداً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقال بيان سلاح الجو الأميركي إن طلعة القاذفتين التي جرت أمس (السبت) كانت رداً مباشراً على التجربة الصاروخية الأخيرة والتجربة التي سبقتها في الثالث من يوليو (تموز).
وأضاف البيان أن القاذفتين أقلعتا من قاعدة جوية أميركية في جوام، وانضمت لهما مقاتلات من اليابان وكوريا الجنوبية أثناء التدريب.
وقال قائد سلاح الجو الأميركي في المحيط الهادي الجنرال تيرنس جي أوشنسي في البيان: «لا تزال كوريا الشمالية تشكل التهديد الأكثر إلحاحاً لاستقرار المنطقة».
وأضاف: «إذا استدعينا فإننا على استعداد للرد بسرعة وقوة شديدة في الوقت والمكان اللذين نحددهما».
ونفذت الولايات المتحدة في السابق طلعات لقاذفات «بي - 1 بي» الأسرع من الصوت لاستعراض القوة ردّاً على التجارب الصاروخية أو النووية التي تجريها كوريا الشمالية.
وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون أشرف بنفسه على إطلاق الصاروخ أثناء ليل الجمعة، وقال إنه «تحذير شديد» للولايات المتحدة، وإنها لن تكون بمأمن من الدمار إذا حاولت شن هجوم.
وبث التلفزيون الكوري الشمالي الرسمي صوراً لعملية إطلاق الصاروخ مخلفاً كتلة من اللهب في الظلام، وكيم وهو يهلل مع مساعديه العسكريين.
وقالت الصين، الحليفة الرئيسية لكوريا الشمالية، إنها تعارض «أنشطة الإطلاق (التي تقوم بها بيونغ يانغ) والتي تتنافى مع قرارات مجلس الأمن الدولي والرغبات المشتركة للمجتمع الدولي».
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان: «في الوقت ذاته تأمل الصين أن تتصرف الأطراف كافة بحذر لمنع استمرار تصاعد التوترات وحماية السلام والاستقرار في المنطقة بشكل مشترك».
لكن ترمب كتب تغريدتين على «تويتر» يوم السبت قائلاً إنه يشعر بـ«خيبة أمل شديدة» في الصين، لأنها لم تفعل شيئاً للولايات المتحدة فيما يتعلق بكوريا الشمالية.
وفي التغريدة الأولى قال ترمب: «أشعر بخيبة أمل شديدة في الصين. سمح قادتنا الحمقى السابقون لهم بجني مئات مليارات الدولارات سنويّاً في التجارة ولكن...». وأضاف في التغريدة الثانية: «... لم يفعلوا شيئاً لنا مع كوريا الشمالية، مجرد حديث. لن نسمح مجدداً باستمرار ذلك. فبوسع الصين حل هذه المشكلة بسهولة».
وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية إن الصاروخ «هواسونج - 14» الذي أطلق يوم الجمعة وصل إلى ارتفاع بلغ 3724.9 كيلومتر، وقطع مسافة 998 كيلومتراً، وحَلَّق لمدة 47 دقيقة و12 ثانية، قبل أن يسقط في المياه الواقعة قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الكورية.
وقال خبراء غربيون إن عملية الإطلاق حققت تحسناً بالمقارنة مع أول اختبار لصاروخ كوري شمالي باليستي عابر للقارات.
وقال «اتحاد العلماء المعنيين» ومقره الولايات المتحدة إن حساباته أظهرت أن بإمكان الصاروخ الوصول إلى مدى بعيد داخل الولايات المتحدة يصل إلى دنفر وشيكاغو.
وقال عضو الاتحاد ديفيد رايت في تدوينة إن الصاروخ إذا انطلق في مسار تقليدي فإن مداه سيبلغ 10400 كيلومتر.
وتشير كوريا الشمالية إلى الولايات المتحدة باعتبارها عدوها اللدود في دعايتها وتفعل ذلك منذ الحرب الكورية 1950 - 1953 التي قاتل فيها الشمال، المدعوم من الاتحاد السوفياتي والصين، الجنوب المدعوم من الولايات المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟