صندوق مكافحة الإدمان في مصر: المتعاطون 10 % والترامادول الأكثر انتشاراً

تقوم السيدة لمياء الجبالي، بجولات يومية على مدارس محافظة القاهرة الثانوية، في محاولة لانتقاء الأفضل منها لتلحق بها ابنها المراهق، وتجمع المعلومات بشكل مكثف من المعارف وتفتش عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن المدرسة التي تأمن فيها على ابنها من مخاطر الإدمان الذي تزداد معدلاته يوميا بين الشباب المصري، خصوصا أن محافظة القاهرة الأعلى في نسبة تعاطي المخدرات؛ تليها سوهاج وأسوان ومطروح والمنيا.
في الوقت نفسه، يقوم صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بحملات يومية على جميع المدارس في جميع المراحل التعليمية والمحافظات المصرية للكشف عن تعاطي المخدرات ونسبته، سواء بين الطلاب أو المعلمين، أو حتى السائقين المسؤولين عن أرواح الطلاب.
يقول عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، لـ«الشرق الأوسط»: «بلغت نسبة تعاطي المخدرات بين المصريين أكثر من 10 في المائة، وهي نسبة تمثل ضعف المعدلات العالمية». ويتحدث عن حجم مشكلة تعاطي المخدرات بمصر، قائلا: «من واقع بيانات المسح القومي الشامل لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وجدنا أن نسبة التعاطي بين الذكور 72 في المائة، بينما بين الإناث بلغت 27 في المائة، واتضح أن أكثر أنواع المخدرات انتشارا بين المدمنين هي أقراص الترامادول بنسبة (51.8 في المائة)، ويأتي في المرتبة الثانية الهيروين بأكثر من 25 في المائة، ويليه الحشيش بنسبة نحو 23 في المائة».
وتزداد نسب الإدمان بين الشباب المصري رغم الحملات المكثفة منذ عقود بسبب عدد من المفاهيم الخاطئة التي يتم الترويج لها بين الشباب والفتيات، خصوصا عدد من النساء العاملات في البيوت بحجة أن هذه الأقراص «تساعد على العمل لفترة طويلة، أو أنها تساعد على التخلص من الهموم والمشكلات، أو أنها ستجعلها أكثر جرأة أو أكثر قدرة على الإبداع»، ويوضح عثمان أن أخطر الأسباب التي يقع ضحيتها آلاف من الشباب هو أن «التجربة لن تسبب الضرر».
ويلفت إلى خطورة ارتفاع معدلات المدخنين بين طلاب المرحلة الثانوية، قائلا: «مع الأسف وجدنا أن هناك 12.8 في المائة من طلاب المدارس الثانوية مدخنون، وأن أعلى نسب التدخين كانت في محافظتي الجيزة والمنيا، وأن 50 في المائة يدخنون شيشة وسجائر معا، و21.3 في المائة شيشة، و28.5 في المائة السجائر، وذلك من خلال المسح القومي للتدخين لطلاب المدارس الثانوية الذي أجراه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان»، مضيفا: «هناك نسبة 58 في المائة يدخنون داخل المدرسة، و48 في المائة يتضررون من التدخين».
ويسلط عثمان الضوء على مشكلة ارتفاع نسبة مدمني الكحول بين أبناء محافظات البحر الأحمر والقاهرة بـ9 في المائة، لافتا إلى أن 72 في المائة منهم تأثروا بالأعمال الدرامية التي شاهدوها عبر التلفزيون».
في صعيد مصر، تبدو المشكلة أيضا في حالة تفاقم كبير، حيث حلت محافظة سوهاج ثانية بعد القاهرة في ازدياد عدد المدمنين؛ لذا يتم حاليا إنشاء أول مستشفى لعلاج المدمنين في صعيد مصر بمحافظة سوهاج، التي من المتوقع افتتاحها في 2018، وسيعمل بها 22 طبيبا وعدد من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في محاولة لتقليل عدد المدمنين.
أما على الصعيد العالمي، وبعد مرور 20 عاما على أول إصدار له، فقد كشف «التقرير العالمي للمخدرات 2017» الصادر مؤخرا عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن أكثر من 29.5 مليون شخص يعانون من اضطرابات التعاطي؛ أي نحو 0.6 في المائة من السكان البالغين في العالم، ومنخرطون في تعاطي المخدرات الإشكالي، وعانوا من اضطرابات تعاطي المخدرات، بما في ذلك الارتهان بالمخدرات.
يقدم «تقرير المخدرات العالمي لعام 2017»، الواقع في أكثر من 130 صفحة، لمحة عامة عن العرض والطلب على المواد الأفيونية والكوكايين والقنب والمنشطات الأمفيتامينية والمؤثرات النفسانية الجديدة، فضلا عن تأثيرها على الصحة، مسلطا الضوء على الأدلّة العلمية المتعلقة بالتهاب الكبد الوبائي (C) المسبب لأكبر قدر من الضرر بين متعاطي المخدرات؛ وينظر في زيادة تنويع سوق المخدرات المزدهرة، فضلا عن النماذج التجارية المتغيرة للاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.
وأولى التقرير في توصياته اهتماما بالمنظور الجنساني وأهميته في وضع السياسات العامة والبرامج ذات الصلة بالمخدرات، حيث كشف التقرير أن النساء والفتيات يمثلن ثلث المتعاطين على الصعيد العالمي، لكنهن يمثلن خُمس عدد الخاضعين للعلاج، وأن غالبية المتعاطيات لا يحظين بالعلاج المناسب خشية من الوصمة الاجتماعية ويعانين في صمت. ولفت التقرير إلى أن النساء يبدأن التعاطي في سن أكبر من الرجال، لسبب رئيسي؛ ألا وهو تعاطي شريك الحياة للمخدرات، أو للتغلب على صعوبات الحياة وضغوطها.
ويسلط التقرير الضوء على أن المواد الأفيونية أكثر أنواع المخدرات ضررا؛ إذ يُعزى إليها 70 في المائة من الآثار الصحية السلبية المرتبطة باضطرابات تعاطي المخدرات في جميع أنحاء العالم. ويخلُص التقرير إلى أنّ التهاب الكبد (سي) يسبب أكبر ضرر في صفوف متعاطي المخدرات بالحقن في جميع أنحاء العالم والمقدّر عددهم بنحو 12 مليون شخص. ومن بين هذا العدد، يتعايش واحد من كلّ ثمانية (1.6 مليون) مع فيروس نقص المناعة البشرية، ويعاني أكثر من نصفهم (6.1 مليون) من التهاب الكبد الوبائي (سي)، بينما يعاني نحو 1.3 مليون شخص من التهاب الكبد الوبائي (سي) وفيروس نقص المناعة البشرية. وفي العموم، يفوق عدد الوفيات الذي يعزى إلى التهاب الكبد (سي)، (222.000)، بثلاثة أضعاف مثيله الذي يعزى إلى فيروس نقص المناعة البشرية (60.000) بين متعاطي المخدرات. بَيد أن التقرير يؤكد أنه على الرغم من التقدم المحرز مؤخرا في علاج التهاب الكبد الوبائي (سي)، فإنه لا تزال سبل الوصول إليه ضئيلة، نظرا لأن العلاج لا يزال باهظ التكلفة في معظم البلدان.
وقال يوري فيدوتوف، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في بيان صحافي صدر مع التقرير: «هذا العام نحتفل بمرور 20 عاما على إصدار تقرير المخدرات العالمي، الذي يأتي في وقت قرر فيه المجتمع الدولي المضي قُدُما من أجل العمل المشترك. هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به لمواجهة الأضرار الكثيرة التي تسببها المخدرات على الصحة والتنمية والسلام والأمن في جميع مناطق العالم»، مضيفا: «تتضمن الوثيقة الختامية للدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2016 بشأن مشكلة المخدرات العالمية، أكثر من مائة توصية ملموسة للحدّ من الطلب والعرض».
ويسلط التقرير الضوء على ارتباط المخدرات بالإرهاب والجماعات الإرهابية، كاشفا أنه «في عام 2014 قُدِّر بأن جماعات الجريمة المنظمة في جميع أنحاء العالم تحصِّل ما بين خمس وثلث إيراداتها من بيع المخدِّرات»، موضحا أن «بعض الجماعات الإرهابية، وليس كلها، تعتمد على أرباح المخدِّرات. فمن دون العائدات المتأتية من إنتاج المخدِّرات والاتِّجار بها، التي تشكل نحو نصف الدخل السنوي لحركة طالبان، ربما لم يكن نطاق الحركة وأثرها كما هما عليه اليوم. وتقع ما نسبته 85 في المائة من زراعة نبات الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون في أفغانستان، في الإقليم الواقع ضمن نفوذ حركة طالبان».