علم نفس الإرهاب

في إصداره الجديد، يركز كتاب «المسبار» الشهري على موضوع «علم نفس الإرهاب: الأفراد والجماعات الإرهابية»، وهو بحث جديد في حقل الدراسات الإنسانية عربيا، ويحاول فهم الدوافع الذاتية التي تجعل الأصوليين يقومون بعمليات «إرهابية» ضد الآخرين.
«عقل الإرهابي: مراجعة المناهج السيكولوجية ونقدها»، هو مدار بحث دراسة جف فكتوروف (Jeff Victoroff) - أستاذ في قسم طب الأعصاب والطب النفسي بكلية الطب في جامعة سذرن كاليفورنيا - الذي يراجع أحدث النظريات والبيانات المتاحة ذات الصلة بسيكولوجيا الإرهاب. وقد جُمعت البيانات والمواد النظرية من الأدبيات العالمية غير السرية. ونُشر الكثير من النظريات وبعض البيانات الديموغرافية، لكن لم يُجرَ إلا قلة قليلة من الدراسات التجريبية المضبوطة لفحص الأسس النفسية البيولوجية للإرهاب. ويتميز هذا المجال - إلى حد كبير - بالتأمل النظري القائم على التفسير الذاتي للملاحظات السردية.
كما أن معظم الدراسات والنظريات لا تأخذ في الحسبان التباين الكبير للإرهابيين. وقد بطّأ الكثير من العقبات العملية، والمفهومية، والنفسانية التقدم في هذا المجال المهم. ومع ذلك، فإن التقارير الأولية، حتى في هذه المرحلة المبكرة من دراسات الإرهاب، توحي بأن العوامل الاجتماعية والسيكولوجية القابلة للتعديل تسهم في نشوء العقلية الإرهابية.
لا شك في أن الإرهاب كان موجوداً قبل فجر التاريخ المكتوب. ولم يطرأ على الطبيعة الإنسانية أي تغيير. لكن ثمة ثلاثة اتجاهات متشابكة أدخلت تغييراً كبيراً على طبيعة التهديد ودرجته: عولمة التجارة، والسفر، ونقل المعلومات، التي تبرز التفاوتات الاقتصادية والمنافسة الآيديولوجية بوضوح شديد، وتسهل العدوان التعاوني للمتآمرين المتباعدين من ذوي العقلية المتماثلة؛ وصعود الأصولية الدينية باعتبارها منافساً متضرراً من اقتصاد السوق، والاتجاهات الديمقراطية والعلمانية للحداثة؛ وخصخصة أسلحة الدمار الشامل؛ مما وضع إمكانات الأعمال الإرهابية الكبرى في متناول مجموعات صغيرة أو حتى الأفراد.
وفي هذا الكتاب أيضا، يقدم الأكاديمي اللبناني عفيف عثمان، قراءة وتعقيبا لما حملته دراسة ماريو نصر «الإدارة النفسية لمحاربة الإرهاب: كيف يمكن لدولة القانون أن تدير على نحو فاعل معركتها في محاربة الإرهاب». فيرى أنه من الناحية المنهجية، لا تحل الاستراتيجية المكملة، كما يشير اسمها، مكان الاستراتيجيات المستعملة راهناً، لكنها تتممها، ولا سيما من ناحية المقاربة أي «الناحية العلائقية» (Relationnel) وتالياً «التبادل في السلوك» (أو التبادل- التفاعل الاجتماعي) (Transactionnel)، للفاعلين المعينين. ففي كل علاقة، ثمة «تبادلية» (تفاعل) تحصل بين الأشخاص، وبين مجموعات الأشخاص المُنظمين عادة، أي المنظمات.
وفي الكتاب أيضا، تناولت الباحثة اللبنانية في علم الاجتماع ريتا فرج، التي تعمل أيضا عضو هيئة التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث - ما طرحه أستاذ التحليل النفسي والفلسفات النفسية علي زيعور ودعوته إلى تأسيس «علم نفس القتل» باعتبارها خطوة نوعية في تطوير المدرسة العربية في التحليل النفسي، وهي تندرج في مضمار حقول نفسية معرفية عدة، عمل عليها خلال مسيرته الأكاديمية والعلمية. وترى أنه رغم الصعوبات التي قد يواجهها هذا الطرح الجديد في العالم العربي، نظراً لحساسيته في السياسة والاجتماع والدين - ولا سيما الحديث عن القتل العقائدي (الديني والمذهبي) الذي حلله زيعور، وتحديداً إذا أدرجناه في سياق دراسة وتحليل فتاوى القتل والتكفير التي يطلقها بعض رجال الدين– يبقى من بين ميادين علم النفس المستقبلية التي يحتاج إليها العرب، لتفسير ظواهر القتل الفردي أو الجماعي الشائعة عندنا، خصوصاً ظاهرة القتل المرتبطة بالاضطرابات السياسية والحروب المدمرة في السنوات الأخيرة.
يطرح القول بالتأسيس لــ«علم نفس القتل» الذي دعا إليه علي زيعور السؤال حول التقاطعات المحتملة بين هذا الفرع النفسي الجنيني وعلم نفس الإرهاب وكذلك الشخصية الإجرامية (Personnalité Criminelle). فهل يمكن الافتراض بوجود تماثل على صعيد المناهج والميادين؟ إن ما يؤسسه زيعور في ورقته، يختلف في أفكاره ونتائجه الأولية عن حقل علم نفس الإرهاب. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن الدراسة النفسية للإرهاب لا تزال في مهدها. ويفيد ركس هدسون (Rex Hudson) بهذا الخصوص (مقارنا المقاربة النفسية في دراسة الإرهاب بمقاربة علم السياسة، وعلم الاجتماع): «إن علماء السياسة وعلماء الاجتماع يُعنون بدراسة السياقات السياسية والاجتماعية المحيطة بالجماعات الإرهابية، أما علماء النفس (القليلون نسبياً) الذين يدرسون الإرهاب، فيتناولون الفرد الإرهابي أو الجماعة الإرهابية على المستوى الجزئي من الدراسة؛ ذلك لأن المقاربة النفسية تركز على دراسة الإرهابيين بحد ذاتهم؛ كيف يتم تجنيدهم، وكيف يتم دمجهم في الجماعات الإرهابية، إضافة إلى أنه يبحث في نوعية شخصياتهم، واعتقاداتهم، واتجاهاتهم، ودوافعهم، ومهنتهم كإرهابيين».