الموصل تحاول استعادة هويتها بترميم آثارها التاريخية

TT

الموصل تحاول استعادة هويتها بترميم آثارها التاريخية

لقد خلف تنظيم "داعش" الارهابي تركة ثقيلة في الموصل من القتل والتشريد والتهديم والتخريب طالت الحجر والمدر والآثار التاريخية التي عمرها آلاف السنين والبنى التحتية. وربما اعادة بناء كل هذا يعتبر تحديا حقيقيا يواجهه الموصليون بالاضافة الى الآثار النفسية التي خلفتها فيهم.
وكنموذج للمحاولات التي يمكن ان يحتذى بها للنهوض بواقع جزء من المدينة، أخذ فيصل جبر الذي يتولى القبض على من تحوم الشبهات حول انتمائهم لتنظيم داعش واستجوابهم خلال معركة الموصل، على عاتقه مهمة جديدة ربما لا تقل عن ذلك أهمية لمستقبل المدينة، إذ يحاول الجيولوجي البالغ من العمر 47 عاما ترميم المواقع الأثرية مما لحق بها من دمار خلال فترة سيطرة «داعش» التي استمرت ثلاثة أعوام في المدينة الواقعة شمال العراق.
يأمل جبر في تصريحات صحافية أن يسهم في إعادة بناء النسيج الاجتماعي من خلال ترميم المباني التي يقول إنها منحت الموصل روحها وهويتها قبل الحرب، خصوصاً أن استعادة الموصل لهويتها سيساعد في تحديد ما إذا كان قادة العراق سيتمكنون من نشر السلام في ربوع بلد يتخبط في صراعات دموية منذ العام 2003.
يقول جبر إن «التنظيم سعى إلى تدمير هوية الموصل بهدم كل شيء وجعلها أحادية اللون، وأنا أستغل ذلك لتوحيد مدينتي وربما البلد كله»، خصوصاً أنه منذ سيطر تنظيم داعش على الموصل في العام 2014 أمام انهيار الجيش العراقي نسف عناصره آثارا وخربوا عشرات من المساجد والكنائس التاريخية التي شكلت هوية المدينة.
وعقب هزيمة التنظيم في الموصل هذا الشهر في هجوم دعمته الولايات المتحدة ارتفعت اللوحات الإعلانية الضخمة على طريق رئيسي تشيد بالمدينة باعتبارها مهد الحضارة وتبرز معالم يرجع تاريخها إلى عهد حضارة ما بين النهرين.
ويقول جبر إن الوقت الحالي يمثل لحظة فريدة لإعادة بناء هوية الموصل متعددة الثقافات. ويضيف «هذه فرصة والوقت مناسب لذلك لأنك لو كنت تحدثت مع أي موصلي عن ذلك من قبل لما قبل أحد بذلك. أما الآن فقد خرج الناس من تجربة إسلامية متطرفة وهم في حالة صدمة، فإما أن ننجز ذلك هذه السنة ونستغل هذه الفرصة أو نفقدها إلى الأبد. الفرصة أمامنا محدودة جدا».
اعتقل تنظيم داعش جبر في العام 2014 للاشتباه في قيامه بالتجسس وهدد بإعدامه لكنه هرب واستغل معرفته بالموصل في مساعدة القوات العراقية في استهداف عناصر التنظيم. وفي العام الماضي شكل فصيلا مسلحا بدعم من الحكومة للقبض على من يشتبه في انتمائهم للتنظيم في المناطق التي استردتها القوات العراقية واستجوابهم غير أنه ينوي الآن استغلال هذا الفصيل في تأمين المواقع الأثرية. كما أنه يدير جمعية أهلية تتولى ترميم الآثار. ويريد بدء أعمال إعادة البناء في موقع مسجد النبي يونس الذي أقيم فوق دير مسيحي. ويمثل الموقع مدفن النبي كما يحتوي على أطلال معبد زرادشتي وقصر آشوري.
ومع ذلك فلا توجد ضمانات أن الموصل ستعود إلى سابق عهدها مثلما كانت قبل وصول «داعش». وسيعتمد إحياء التقاليد التاريخية للموصل في جانب منه على ما إذا كانت الحكومة العراقية ستتمكن من كسب ثقة السكان، خصوصاً في ظل الخلافات بين المكونات الدينية والعرقية في العراق.
أبرز المعالم المدمرة

وفي جولة على بعض المعالم التي دمرها التنظيم، يتصدر الجامع النوري ومنارته الحدباء القائمة، خصوصاً أنه أقدم في 21 يونيو (حزيران) الماضي على تدميره، قبيل انسحابه، ويعتبر المسجد ومنارته من أهم معالم المدينة التاريخية.
وإلى جانب مسجد النوري، عاث التنظيم تخريباً بمدينة نينوى الأثرية الواقعة في وسط مدينة الموصل، إذ دمر بوابتا «أدد» و«المشكى» بالإضافة إلى أجزاء من الأسوار التاريخيّة القديمة، إضافة إلى الثور المجنح عند بوابة نركال، وهي إحدى البوابات الكثيرة على أسوار مدينة نينوى الأثرية.
ولم يترك التنظيم أي معلم في مدينة من دون أن يستهدفه، وخصوصاً متحف الموصل، الذي يعتبر ثاني أهم المتاحف في العراق بعد المتحف الوطني في بغداد، وقلعة باشطابيا، في وسط المدينة، ومرقد النبي يونس، في الوسط أيضاً، إضافة إلى مكتبة الموصل، التي تضم الآلاف من الكتب والمخطوطات النادرة.
أما في محيط المدينة فقد دمر التنظيم عدة مدن تاريخية، أبرزها مدينة نمرود الأثرية الآشورية التي تقع جنوب شرقي الموصل، وكانت مرشحة للإدراج على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» للتراث العالمي.
وجنوباً، وعلى بعد نحو 80 كم جنوب غربي الموصل، دمر التنظيم في بداية مارس (آذار) من العام 2015 مدينة الحضر التاريخية، وآثارها، التي تمزج بين الهندسة الإغريقية والرومانية والزخرفة الشرقية، كما دمر قلعة تلعفرن التي تبعد نحو بعد 70 كم، شمال غربي مدينة الموصل.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.