الذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة... هل نحن مستعدون؟

موقع «في الفن» الترفيهي يستعين بـ«الشات بوت» لتوسيع قاعدته الجماهيرية

جورج صبري يشرح استخدام موقع «في الفن» لـ«الشات بوتس» («الشرق الأوسط»)
جورج صبري يشرح استخدام موقع «في الفن» لـ«الشات بوتس» («الشرق الأوسط»)
TT

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة... هل نحن مستعدون؟

جورج صبري يشرح استخدام موقع «في الفن» لـ«الشات بوتس» («الشرق الأوسط»)
جورج صبري يشرح استخدام موقع «في الفن» لـ«الشات بوتس» («الشرق الأوسط»)

تتسابق وكالات الأنباء العالمية والمواقع الإخبارية في إنتاج الأخبار التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والخبرة التحريرية، لتتمكن من إنشاء المحتوى الذي ينشئه المستخدم ويتم التحقق منه تلقائيا، وذلك بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو ما يعرف بـ«شات بوتس» chatbots التي تناولنا ظهورها في عالم الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي في حلقة سابقة.
ويبدو أن التطور في هذه التطبيقات وتحسين قدرات الروبوتات الإبداعية يسير بأسرع مما نتوقع، حيث نشر مؤخرا موقع «تشاينا نيوز» أن خبراء صينيين تمكنوا من صنع أول روبوت «صحافي» في العالم قادر على كتابة المقالات. ووفقا للموقع: «استطاع الروبوت الجديد الذي أطلق عليه اسم (زاو نان) كتابة أول مقالة صحافية ليصبح أول روبوت (صحافي) في العالم تمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليه، وكتب نصا مؤلفا من 300 رمز كتابي في ظرف ثانية واحدة فقط».
ولكن لا بد ونحن نتطرق إلى الحديث عن أهم التجارب العالمية أن نشير إلى تجربة مجموعة مواقع «سرمدي» في مصر التي استعانت بـ«شات بوت» للرد على تساؤلات الجمهور عبر موقعها أو عبر «السوشيال ميديا»، يقول جورج صبري، رئيس تحرير مجموعة مواقع سرمدي المالكة لموقع «في الفن» لـ«الشرق الأوسط»، إن بوابة أخبار الترفيه العربية «FilFan@» قدمت لمستخدميها أداة جديدة تتيح للمستخدم معرفة مواعيد أكثر من 100 برنامج من 30 قناة في المنطقة العربية؛ وذلك بهدف تقديم متابعة تلفزيونية أسهل، لذا أطلقت أول «بوت» (bot) لدليل التلفزيون في رمضان، عبر «تويتر». وهو عبارة عن تطبيق ذكي يتيح خاصية الرد التلقائي على أوامر معينة عبر الإنترنت. تتيح الميزة التلقائية الجديدة فرصة لمعرفة مواعيد أكثر من 60 مسلسلا و100 برنامج من 30 قناة في رمضان كي لا يفوت المشاهدين فقرة مفضلة.
ويوضح صبري: «يمكن للمستخدم عن الاستعلام عن مسلسل معين أن يزوده (البوت) بمواعيد عرضه، ومعلومات عن طاقم العمل، وعند اختيار (طاقم العمل) على سبيل المثال، سيحصل على قائمة بأسماء الممثلين في المسلسل، بالإضافة إلى روابط إلى حساباتهم الخاصة على (تويتر)، كل ذلك من دون جهد وفي أقل من الثانية، وقد ساهم ذلك في زيادة عدد المشتركين على صفحة الموقع على (تويتر) بنسبة 50 في المائة، وأيضا زاد من نسب تصفح الموقع بنحو 130 في المائة».
ويرى صبري، أن «إحدى أهم المميزات لاستخدام (البوت) هي الوصول إلى قاعدة جماهيرية أوسع، وتقديم خدمة مزودة بالمعلومات والبيانات الضخمة في وقت صغير للغاية».
وحول آخر التطورات التي وصلت إليها تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) وما إذا كانت سوف تتمكن من أن تحل محل الصحافيين، يكشف الدكتور خالد الغمري، أستاذ مساعد المعلوماتية واللغويات الحاسوبية بجامعة عين شمس المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: «بالفعل بدأت هذه التطبيقات تتطور بشكل سريع جدا، حتى إنني وعدد من الطلاب نعكف على تنفيذ تطبيق يقوم بعمل ما يشبه المسح للنصوص الأدبية مثلا للعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ، ونطلب منه مثلا أجراء مقارنة بينها واختيار أكثر النصوص حديثا عن (الزمن وتقلباته)، يحث يقوم التطبيق بتحليل هذه النصوص والتعرف على كلمات معينة واستعارات وجمل تميز أسلوب كل أديب وفي النهاية يخرج التطبيق بنتيجة توضح البصمة اللغوية أو الذهنية للكاتب».
ويؤكد الدكتور الغمري أن الجيل الجديد من التطبيقات المستخدمة في الترجمة الآلية يبشر بالوصول لحلول لمشكلات اللغة العربية التي تتعلق بالتشكيل ووجود اللغات العامية العربية التي تعرقل إلى حد ما تنفيذ تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وقد وصل بعض الباحثين إلى إمكانية ترجمة اللغة العربية عبر لغتين مثل أن تتم الترجمة من إنجليزي لعربي ثم من عربي إلى فرنسي».
وأكد أنه وفقا للتقارير العالمية أنه بحلول عام 2018 سيكون 20 في المائة من التقارير الاقتصادية مكتوبة بأيدي روبوتات، فهناك تطبيق يدعى «Quill» هو الذي يكتب التقارير السنوية لمجلة «فوربس».
ويؤكد الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، أننا أمام صحافة جديدة هي صحافة «الروبوت» Robot - journalism التي تعرف أكاديميا بأنها «عملية الكتابة بشكل آلي كامل للقصص الإخبارية المركبة الكاملة كاملة من دون أي تدخل بشرى»، لافتا إلى أن «قصة صحافة الروبوت أو الصحافة المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعي عام 2010، عندما ابتكر معهد معلوماتيات الأنظمة الذكية بجامعة طوكيو روبوت صحافيا يستطيع بشكل آلي اكتشاف البيئة المحيطة به، ويكتب تقريرا عما وجده، الروبوت يفتش عن الأشياء المتغيرة حوله، يقرر ما إذا كانت ذات قيمة ثم يلتقط صورا بكاميرته المدمجة داخله، ويمكن أن يسأل الناس بالقرب منه ويستعمل محركات بحث الإنترنت، ليزيد من فهمه للأمور المحيطة به. وإذا ما بدا أن شيئا له قيمة إخبارية يظهر في الأفق، فإن الروبوت سوف يكتب تقريرا إخباريا وينشره على شبكة الإنترنت على الفور».
ويرى علم الدين أن مستقبل الصحافة المؤتمتة ليس واضحا، ولكن هناك أربع حالات حديثة في توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمل الصحافي والإخباري تستحق الإشارة وتأمل تجربتها، الحالة الأولى متمثلة في تحالف وكالة رويترز وفريق شركة «سيمانتيك» لأتمتة مقاطع الفيديو التفاعلية من خلال تزويد المشتركين بالنفاذ لقاعدة ضخمة لبيانات تفاعلية مصورة، والحالة الثانية: قيام شركة «فيسبوك» بتسريح العاملين في قسم التزويد بقائمة الموضوعات الرئيسية وجعلها تعمل بشكل آلي، وتتمثل الحالة الثالثة في إعلان شركة «ترونك» استهدافها إنتاج ألفي فيديو يوميا بالاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، والحالة الرابعة قيام شراكة بين وكالة «AP» وشركة «أتوماتيد أنسايتس» لمعالجة التقارير الاقتصادية والرياضية بواسطة البرمجيات التحريرية.
وحول الجدل المحتدم حول مستقبل الصحافيين في ظل أنظمة الذكاء الاصطناعي، فيجيب علم الدين: «هناك اتفاق على أهمية أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في صناعة الصحافة في عمليات إنتاج الأخبار، وقبل ذلك اختيارها وتقييمها ومعالجتها، ولكن هناك خلافا على تأثيرها المستقبلي على العنصر البشري في الصحافة هل ستحل محله؟ هل ستساعده وتفرغه لمهام أكثر أهمية؟. الإجابة المؤكدة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي مهما برعت فهي تفتقر إلى مهارات التفكير والاتصال الأساسية لدى العنصر البشرى المتمثل في المحرر الصحافي، خصوصا مهارات التفكير النقدي والقدرة على الحوار فضلا عن الملاحظة».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.