كندا: المحجوب يخسر دعوى قضائية لإسقاط وصف «الإرهابي» عن نفسه

TT

كندا: المحجوب يخسر دعوى قضائية لإسقاط وصف «الإرهابي» عن نفسه

خسر مصري تنظر له الحكومة الكندية باعتباره تهديداً لأمنها القومي دعوى قضائية اعتبرها المحاولة الأخيرة لكي يسقط عن نفسه وصف «الإرهابي» الذي لازمه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. فبكلمات مباشرة وصريحة، أيدت محكمة الاستئناف الفيدرالية الكندية الطعن الذي تقدم به محمد المحجوب ضد قرار المحكمة السابق ضده. وبالحكم القضائي الأخير، تقلصت فرص المحجوب (56 عاماً) المقيم في تورنتو، في التخلص من وصف الإرهابي الذي لازمه منذ عام 2000 رغم نكرانه المتواصل أي صلة بالإرهاب أو التواصل مع إرهابيين بعد وصوله إلى كندا.
وفي منطوق حكمها الطويل الذي تكون من 356 فقرة، قالت محكمة الاستئناف الفيدرالية إن «المنظمات الإرهابية لا تصدر بطاقات عضوية ولا قوائم بأسماء منتسبيها. لكن هناك أسباباً جوهرية تدعو المحكمة لأن تعتقد عن يقين أن المحجوب كان عضواً في منظمات إرهابية، وإنه نظراً لاستمراره في التواصل مع غيره من الإرهابيين خلال وجوده في كندا، فإنه يمثل خطراً على الأمن القومي الكندي».
ومن بين التهم التي وجهتها المحكمة الفيدرالية للمحجوب، الأب لثلاثة أطفال، أنه كان يشغل منصباً رفيعاً بإحدى المزارع التابعة لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في السودان، التي كان جزء منها يستخدم مركزاً لتدريب الإرهابيين على استخدام الأسلحة والمتفجرات، بحسب مصادر أمنية. وأشارت المحكمة إلى أن المحجوب كذب كذلك بشأن هوية رفاقه القدامى بعد وصوله إلى كندا. وكان المحجوب قد وصل إلى كندا في ديسمبر (كانون الأول) 1995 وطالب بحق اللجوء وبالفعل حصل عليه بعد عام. بيد أنه في عام 2000، اعتبر المحجوب تهديداً للأمن القومي بعدما نما إلى علم السلطات الكندية انتماؤه إلى اثنتين من الجماعات الإرهابية.
ويقول تقرير المحكمة الفيدرالية الكندية إن محمد المحجوب هو أحد كبار قادة تنظيم «طلائع الفتح الإسلامي» الذي حظرته مصر عام 1993، وحكم عليه بالسجن الغيابي 3 سنوات، فيما ذكرت مصادر مقربة من عائلة الأصولي المصري أنه كان يعمل محاسباً في سوبر ماركت قبل اعتقاله واحتجازه في سجن تورنتو ويست.
ويقول التقرير الذي أعدته المحكمة الفيدرالية الكندية والذي اعتمد على معلومات الاستخبارات الكندية، إن المحجوب عضو في مجلس شورى التنظيم السري.
وقالت زوجته منى الفولي في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إن زوجها بريء من التهم الموجهة إليه. وأضافت الفولي أن ضباط المخابرات الكندية لم يبلغوا زوجها بأي من حقوقه الدستورية، قبل استجوابه في شقتهما بتورنتو، أو توفير أحد المحامين لتمثيله قانونياً. وأشارت إلى أن اللقاء الأول بين زوجها وضباط المخابرات الكندية دار دون مترجم، وهي تعرف مدى استيعابه للغة الإنجليزية، مما دعا إلى تدخلها في اللقاء الثاني.
وفي عام 2009، أفرج عن المحجوب وفق شروط صارمة أخذت في التراجع منذ ذلك الحين. غير أن المحكمة عادت للتمسك باشتراطاتها السابقة بداية الشهر الحالي عقب رفض الاستئناف الذي أقامه المحجوب ليبعد عن نفسه شبهة الإرهاب، وعلى العكس، فقد أيدت محكمة الاستئناف جميع الأحكام السابقة، بل زادت بأن امتدحت أسلوب تناول المحاكم بدرجاتها الأدنى ونظامها الدقيق لقضية صعبة مليئة بـ«الفوضى القانونية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟