صندوق النقد يقر قرضاً «مشروطاً» لليونان بانتظار «ضمانات أوروبية»

وافق صندوق النقد الدولي في وقت متأخر، أول من أمس (الخميس)، في «تسوية غير اعتيادية»، على منح اليونان قرضا «وقائيا» بقيمة 1.8 مليار دولار، من دون الإفراج الفوري عن المبلغ حتى توافق منطقة اليورو على خطة لتخفيف الديون.
وتستفيد أثينا من خطة مساعدة بقيمة 86 مليار يورو هي الثالثة ووقعت في يوليو (تموز) عام 2015. ويفترض أن تسمح هذه الخطة التي تستمر حتى أغسطس (آب) 2018، بمواجهة جزء من دينها الهائل الذي ما زال يبلغ نحو 180 في المائة من إجمالي ناتجها الداخلي عند مستوى 315 مليار يورو.
وقال صندوق النقد في بيان له فجر الجمعة إن هذا الترتيب يدعم برنامج التكيف الاقتصادي للسلطات اليونانية، وإنه تمت الموافقة على ذلك الترتيب «من حيث المبدأ»، موضحا أن تفعيل ذلك الترتيب يتطلب اتخاذ قرار ثان من المجلس التنفيذي للصندوق.
وأوضح الصندوق في بيانه أن الموافقة «من حيث المبدأ» تعني أن القرض «سوف يصبح فعالا فقط بعد أن يحصل الصندوق على ضمانات محددة وموثوقة من شركاء اليونان الأوروبيين لضمان تسديده، شريطة بقاء برنامج اليونان الاقتصادي على المسار الصحيح».
وقالت مديرة الصندوق كريستين لاغارد إنها ستوصي بمشاركة المجلس في المساعدات، على الرغم من عدم اليقين بشأن القدرة على تحمل الديون، مؤكدة أنه «على اليونان وأوروبا أن تتفقا على خطة للدين في القريب العاجل». وأضافت: «كما قلنا مرارا، حتى مع تنفيذ البرنامج بأكمله لن يكون بإمكان اليونان استعادة القدرة على تسديد ديونها، وتحتاج إلى مزيد من برامج تخفيف الدين من شركائها الأوروبيين».
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن مسؤولي الصندوق يقدرون أنه في حال نفذت اليونان الإصلاحات المنتظرة، فإن ديون البلاد ستصل إلى نحو 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030، وتصبح «متفجرة» فيما بعد تلك النقطة، على حد تعبيرهم. وجاء أيضاً في البيان أن الدائنين الأوروبيين يمكنهم العمل على وضع الديون تحت السيطرة من خلال تمديد فترات السماح أو تمديد استحقاق الدين أو تأجيل دفع الفوائد.
وأوضحت لاغارد أن قرض الصندوق الجديد «مشروط بالاتفاق على برنامج تخفيف الدين». ولكن خلافاً للمرات الكثيرة السابقة التي تم فيها استخدام هذه الصيغة، فإن القروض لم تكن مرتبطة بمهلة زمنية من أجل تنفيذ الشروط المفقودة، وهي في هذه الحالة خطة تخفيف الدين.
وقالت داليا فيلتشوليسكو، رئيسة مهمة اليونان في صندوق النقد للصحافيين، إن «الطرفين اتفقا اليوم على عدم وضع مهلة زمنية لتجنب وضع توقعات»، التي في حال لم يتم تنفيذها قد تتسبب «باضطرابات حادة في الأسواق». لكنها قالت أيضاً إنه تم إحراز «تقدم جيد» بين أثينا وبروكسل، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وما إن يتم وضع برنامج للدين من أجل اليونان، فإن على مجلس صندوق النقد أن يجتمع مجدداً، ويعطي موافقته للإفراج عن المبلغ. وقالت لاغارد إن القرض «يؤمن مساحة للتنفس لتحريك الدعم للإصلاحات البنيوية العميقة التي تحتاج إليها اليونان من أجل ازدهارها ضمن منطقة اليورو، وكذلك تأمين إطار عمل لشركاء اليونان الأوروبيين لتقديم المزيد من برامج تخفيف الديون لتستعيد اليونان قدرتها على الوفاء بديونها».
وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي أنه سيعيد العمل بخيار الموافقة على منح القروض «في المبدأ»، من أجل إقناع وزراء مالية منطقة اليورو بالإفراج عن الأموال التي تحتاج إليها اليونان بشكل يائس. ورفضت ألمانيا الأخذ بعين الاعتبار المزيد من تخفيف الديون، إلا إذا شارك صندوق النقد في برنامج القرض، ما أدى إلى عرقلة استمرت أشهراً.
والخطوة غير الاعتيادية للموافقة على قرض دون الإفراج عن المبلغ كانت حلا لتسوية الموقف، لكن المسؤولين عن القرض يقولون إنه لا يخالف القوانين. وقد تم استعمال هذا التكتيك سابقاً في 19 حالة في ثمانينات القرن الماضي، في الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وغيرها.
وفي وثائق عرضت خلال اجتماع مجلس الإدارة، مساء أول من أمس (الخميس)، قال مسؤولو المؤسسة المالية الدولية إن «الخلاف بين صندوق النقد والشركاء الأوروبيين لليونان تقلص، لكن استراتيجية لخفض الدين تعتمد على أهداف مرتفعة تاريخيّاً للفائض الأولي أو لمعدل النمو لفترات طويلة، لا تتمتع بالصدقية».
وأكد الصندوق عند إعطائه موافقته أن الفائض الأولي (دون خدمة أ) حدد بنسبة 3.5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، «لكن هذا الهدف يجب أن يخفض إلى نسبة أكثر واقعية في أسرع وقت ممكن من أجل تأمين هامش للمناورة في الميزانية يسمح بزيادة الدعم الاجتماعي وتحفيز الاستثمار العام وخفض الضرائب لدعم النمو».
لكن الصندوق لم يحدد مهلة لهذا الخفض الذي يمكن أن يؤدي إلى تقليص الخلافات مع الشركاء الأوروبيين لأثينا، وعلى رأسهم ألمانيا. ويفترض أن تسهل موافقة الصندوق، مع أنها مبدئية، مهمة المسؤولين اليونانيين العودة إلى أسواق رؤوس الأموال عبر إصدار سندات قريباً، وإن كان هذا البلد يستطيع الحصول على قروض بفوائد تفضيلية من «الآلية الأوروبية للاستقرار»... لكن هذه العودة قد يضر بها الدين الكبير لليونان.
ونقلت «بلومبرغ» عن ثلاثة مصادر مطلعة أن عودة اليونان التي طال انتظارها إلى أسواق السندات هذا الأسبوع قد «توقفت جزئيّاً»، بسبب السقف الذي حدده الصندوق حول حجم الديون التي يمكن أن تحتفظ بها البلاد... غير أنه باستخدام الحلول المتاحة مثل مقايضة الديون، فإن من شأن ذلك دعم استحقاق اليونان دون زيادة الحمل الكلي، بينما تترقب الحكومة كيف تتفاعل الأسواق مع تحليل صندوق النقد الدولي للقدرة على تحمل الديون قبل العودة بقوة في أقرب وقت الأسبوع المقبل.