السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

نائب رئيس الوزراء لـ «الشرق الأوسط»: سنفاوض الحركة الشعبية بشقيها

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»
TT

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

اشتق ساسة سودانيون مصطلح «الجنوب الجديد» باعتباره «مكان حرب» جديدة في البلاد، وذلك عقب نهاية الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، التي انتهت بعد قرابة 40 سنة من القتال إلى انفصال «الجنوب القديم»، وولادة دولة جديدة من رحم السودان في التاسع من يوليو (تموز) 2011، ويشير مصطلح «الجنوب الجديد إلى اندلاع حرب جديدة في المنطقة الجنوبية من دولة السودان، بعد تغيّر ديموغرافيتها، وسكوت البنادق المتقاتلة المتقاطعة بتوقيع اتفاقية السلام السودانية الشامل المعروفة بـ«اتفاقية نيفاشا» يوم 9 يناير (كانون الثاني) 2005، وكانت الاتفاقية قد أقرت إجراء استفتاء في الجزء الجنوبي من البلاد، ولدت عنه دولتان متجاورتان ونشأ معه واقع جغرافي جديد. وبعدما كانت دولة «السودان» القديمة محادة لدولتي كينيا وأوغندا جنوباً، أصبحت حدودها الجنوبية تقف عند كردفان الجنوبية والنيل الأزرق وجنوب دارفور.
خلق مصطلح «الجنوب الجديد» في الآونة الأخيرة التباساً «جيو - سياسي» بين السودان وجمهورية «جنوب السودان»، وما عاد بمقدور أهل السودان الشمالي أن يصفوا جنوب بلادهم بـ«جنوب السودان»، لأن «جنوب السودان» غدت دولة تتمتع بعضوية الأمم المتحدة، ومع أنها انفصلت عن البلد الأم، لكنها احتفظت بالاسم «جنوب السودان».
ولا يقف الارتباك هنا في حدود كونه جغرافياً، بل يتضمن أبعاداً سياسية وأمنية وإثنية، ويختزن سيرة «الحرب الأهلية» السودانية التي انتهت بانفلاق البلد إلى بلدين يحمل كل منهما اسم «السودان». إذ في السادس من يونيو (حزيران) أو قبل إعلان استقلال «الجنوب القديم» بوقت قصير، اندلعت الحرب مرة أخرى بين القوات الحكومية وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال»، في «الجنوب الجديد»، تحديداً في ولاية جنوب كردفان. ودوّت المدافع والبنادق وحلق الطيران الحربي في سماء مدينة كادوقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، وردّت قوات «الحركة الشعبية» النار بالنار، وذلك فور إعلان نتيجة الانتخابات التكميلية لاختيار حاكم الولاية، التي أجريت في أجواء ملتهبة.
ووفقاً لما دوّنته الناشطة المدنية زينب بلندية في صفحتها على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، بصفتها شاهد عيان، فإن الانتخابات جرت في أجواء مشحونة بين الحزبين المتنافسين «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان». وتقول بلندية إن حملة مرشح الحزب الحاكم أحمد هرون الدعائية أطلقت جملة «فوز هرون أو القيامة تقوم»، وردت عليها حملة «الحركة الشعبية» بجملة: «النجمة أو الهجمة»، والنجمة هي رمز علمها.

اتهامات بتزوير الانتخابات
ووفق بلندية، تسببت اتهامات بتزوير الانتخابات وتصعيد عسكري وتعبوي في إطلاق شرارة الحرب بجنوب كردفان بمجرد إعلان فوز مرشح الحزب الحاكم بمقعد الوالي في الولاية الجنوبية. وترجع الخرطوم تجدد القتال إلى أن قوات تابعة لـ«الجيش الشعبي» هاجمت مركز شرطة واستولت على أسلحة، فيما يرجعه «الجيش الشعبي» إلى أن الخرطوم تحاول نزع سلاحه بالقوة. لكن الحرب كانت قد اشتعلت هناك منذ ذلك التاريخ ولم تتوقف بعد.
من جهة أخرى، في ولاية النيل الأزرق، اندلعت المعارك في آخر مطلع سبتمبر (أيلول) 2011 بعد أكثر من شهر من اندلاعها في جنوب كردفان، وهنا استطاعت القوات الحكومية طرد قوات «الجيش الشعبي» الموالية لحاكم الولاية مالك عقار من مدينة الدمازين، حاضرة الولاية، كما أصدر الرئيس عمر البشير مرسوماً أعفاه بموجبه من منصبه، لتلتحق قوات «الجيش الشعبي» برصيفتها في جنوب كردفان في الحرب المستمرة منذ ذلك الوقت.

تركيبة الجيش الشعبي
تتكوّن قوات «الجيش الشعبي لتحرير السودان» من جنود من مجموعات سودانية اختارت الانحياز لجنوب السودان أثناء الحرب الأهلية، وثقلها الأساسي في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولقد تم تنظيمها فيما اصطلح عليه بالفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين لـ«الجيش الشعبي لتحرير السودان» الأم، وعند الانفصال لم تقطع علاقتها التنظيمية والعسكرية به، حسب وجهة النظر الرسمية في الخرطوم.
هذا، وأعطت اتفاقية السلام السودانية المنطقتين وضعاً خاصاً عُرف بـ«بروتوكول المنطقتين» الذي أقر ما اصطلح عليه بـ«المشورة الشعبية»، لتحديد وجهة نظر شعب الولايتين بشأن اتفاقية السلام، ومدى تحقيقها لتطلعاته، وتسوية النزاع السياسي وإرساء السلام، ووضع ترتيبات دستورية وسياسية وإدارية واقتصادية بخصوص الولايتين. لكن عدم إنفاذ بروتوكول المنطقتين ساهم بشكل كبير في اندلاع النزاع، واعتبره كثيرون امتداداً لسيرة «نقض العهود والمواثيق» التي اتسمت بها الحكومات السودانية تجاه ما تبرمه من اتفاقيات مع مواطنيها.
وكانت المعارك قد تفجرت في دارفور قبيل توقيع اتفاقية السلام السودانية. ودارفور إقليم يحاد دولة «جنوب السودان»، وبالتالي يمكن إدراجه ضمن «الجنوب الجديد»، على الرغم من أنه لم يكن داخلاً ضمن الترتيبات التي أدت إلى انفصال دولة «جنوب السودان». ولاحقاً اتفق المقاتلون في دارفور والمنطقتين، وكونوا آلية عسكرية مشتركة أطلقوا عليها «الجبهة الثورية» أتاحت مشاركة قوات دارفورية في الحرب في جبال النوبا، بعد تراجع عملياتها العسكرية في دارفور. بيد أن «الجبهة الثورية» نفسها تشظت إلى جبهتين، واحدة دارفورية وأخرى تسيطر عليها «الحركة الشعبية - الشمال».
ورسمت الحروب في دارفور وفي جنوب كردفان وفي النيل الأزرق «حزاماً ناسفاً» حال دون استقرار الولايات الجنوبية للسودان، وبالتالي الولايات الشمالية لجنوب السودان، بعدما كان السودانيون يأملون أن يؤدي وقف الحرب وتحقيق مطلب «جنوب السودان» بالاستقلال، إلى سلام مستدام وتنمية سياسية واجتماعية واقتصادية في البلد الذي أنهكته الحروب، وهكذا ولد للسودان «جنوب جديد» مشتعل.

انشقاق الحركة الشعبية
بعد ذلك، شهد الوضع تطوراً جديداً منذ مارس (آذار) الماضي بانشقاق «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» التي تقود الحرب في «الجنوب الجديد» فعلياً إلى حركتين، على الرغم من احتفاظهما معاً بالاسم والشعارات «السودان الجديد»، ويقود واحدة منها نائب رئيس الحركة الأسبق عبد العزيز آدم الحلو، ويقود الأخرى ثنائياً رئيس الحركة السابق مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان.
وأفضت الأوضاع على الأرض بحكم القوة المقاتلة إلى أن تسيطر المجموعة التي يقودها الحلو على «معظم الأرض» وكثير المقاتلين في المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق». أما مجموعة عقار وعرمان فخلا رصيدها السياسي والتفاوضي إلاّ من «بعض جيوب مقاتلة» في منطقة النيل الأزرق فأصبحت تملك قوة حقيقية على الأرض هناك. ولقد أدى الواقع الجديد إلى «تمايز» في الشعارات التي يرفعها كل من الطرفين للتفاوض مع الحكومة في الخرطوم، فبينما رفع الحلو سقف تفاوضه إلى المطالبة بـ«حق تقرير المصير» للمنطقتين، فإن عقار وعرمان أعلنا عن عزمهما على «تجديد الحركة» وقصر التفاوض مع الخرطوم على القضايا الإنسانية.
الخرطوم، رأت في هذا التشظي إضعافاً للحركة التي كانت تشكل لها «صداعاً» مستمراً. ويرى نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام أحمد بلال عثمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تشظي الحركات المسلحة وانقساماتها يخلق مشكلة تفاوضيه تصعب الوصول معها لاتفاق، ولكنه يتابع: «نحن نعرف موازين القوى المسيطرة على الأرض بعد أن انقسمت الحركة إلى حركتين». ويعلن بلال عثمان استعداد حكومته - رغم تشظي الحركة - للتفاوض مع كل منهما على حدة، قائلا: «إذا جاء عقار أو الحلو سنفاوضهما، بل وإذا جاء شخص واحد يريد التفاوض فسنفاوضه، لأن الحركة لم تعد جسماً واحداً». وبعدما اعتبر الانقسام «تلاشياً سالباً للحركة، وزهداً في المقاومة المسلحة»، تابع: «كان عليهم الاتعاظ بهذه الرسالة، التي سبقتهم إليها حركات دارفور المسلحة».
وعلى ما يترتب على الانقسام من صعوبات تفاوضيه، فإن بلال عثمان يجزم بأن حكومته راغبة في السلام لو أن الطرفين راغبين في السلام، لكنها أي الحكومة «لن تتفاوض على الجانب الإنساني فقط»، وهو المطلب الذي تقدمت به مجموعة عقار للوساطة، وهذا يعني رفض الخرطوم لفكرة «الجنوب الجديد برمتها».

حدود «الجنوب الجديد»
ويحدد موقع وزارة الخارجية السودانية على الإنترنت طول الحدود بين السودان ودولة «جنوب السودان» بـ2.175 كيلومترا، تمتد من حدود الدولتين مع أفريقيا الوسطى غرباً، وحدودهما مع إثيوبيا شرقاً. وتقع على الحدود المشتركة بين البلدين 11 منطقة إدارية، 6 منها سودانية وخمس جنوبية، وتدور الحرب في أربع منها، هي جنوب وشرق دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووفقاً للخارجية، فإن دولتي السودان و«جنوب السودان»تتنازعان على عدد من المناطق الحدودية، ذات الأهمية الخاصة، الممثلة في عدد السكان على طرفي الحدود البالغ عشرة ملايين نسمة، وتوافر عدد من الموارد الطبيعية بها، إضافة إلى ثراءها بالمياه والثروات الحيوانية. وهي خمس مناطق رئيسية أكبرها منطقة أبيي الغنية بالنفط، ودبة الفخار بولاية النيل الأبيض، وجبل المقينص على الحدود المشتركة بين النيل الأبيض وجنوب كردفان و«جنوب السودان»، ومنطقة كافيا كنجي الشهيرة بحفرة النحاس مع جنوب دارفور، وكاكا التجارية مع جنوب كردفان.
الدكتور الواثق كمير، وهو أكاديمي انتمى لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» على عهد مؤسسها الراحل الدكتور جون قرنق، يقول إنه «من الطبيعي أن يكون هناك جنوب جغرافي للسودان بعد انفصال الجنوب وإنشاء دولته، كما له شمال وشرق وغرب جغرافي». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «بهذا المعني، فالجنوب الجديد يضم: جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وغرب كردفان وجنوب دارفور... لكن مفهوم أو تعبير الجنوب الجديد، الذي شاع بعد انفصال الجنوب، خاصة من بعض قيادات الحركة الشعبية شمال، ينطوي على حمولة سياسية وجيو سياسية إذ إن المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق، كانتا تابعتين تنظيمياً إلى قطاع الجنوب».
ويضيف كمير أن مفهوم «الجنوب الجديد» يواجه ثلاث مشاكل منهجية تحيط به، موضحاً «أن الأولى هي حمل السلاح من أجل التغيير وإزالة التهميش هو القاسم المشترك في تعريف هذا الجنوب الجديد. والثانية إنه تعبير يستحدث الآخر في مواجهة المجموعات في المناطق الأخرى من السودان، بما يعيد إنتاج التصور القديم للشمال عن الجنوبيين من منطلقات عرقية وثقافية... ويحمل في طياته قدراً كبيراً من الآيديولوجيا والإيحاءات العنصرية. أما ثالث المشاكل فهي أنه يضع عبء ومسؤولية التحول والتغيير في شمال السودان على عاتق أهل الجنوب الجديد، ما يصعّب ويعقّد مهمة قوى السودان الجديد في تعبئة وحشد قطاعات مختلفة من السودانيين بغض النظر عن انتماءاتهم من ناحية العرق والإثنية والدين والجنس (الجندر)». ويقطع كمير بأهمية تجاوز المفهوم الآيديولوجي الذي يستدعيه مصطلح «الجنوب الجديد»، ويرى أنه شكل من أشكال إعادة إنتاج الأزمة مجدداً.

الواقع الملتهب
ورغم «آيديولوجيا المفهوم» التي أشار إليها كمير، فإن «الجنوب الجديد» واقع جغرافي لا يمكن تجاهله، فضلاً عن كونه واقعا «ملتهبا» ما زال النزاع حول وضع علاماته الحدودية مع الدولة الوليدة لم يكتمل بعد. وما زال البلدان يتصارعان لتحديد حدودهما بدقة.
الحكومة السودانية تتهم حكومة «جنوب السودان» بدعم وتشوين وتمويل وإيواء قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، باعتبارها كانت جزءاً من جيشها، وتكونان الفرقة التاسعة والعاشرة، لكن سلطات جوبا دأبت على النفي، والرد بأن الخرطوم هي الأخرى تدعم متمردين ضد حكومتها، آخرهم دعمها تمرد نائب الرئيس السابق رياك مشار. وينسب إلى وزير الدفاع السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين قوله، إن قوات «الحركة الشعبية» تتمركز في منطقة يابوس بولاية النيل الأزرق، وفي مناطق كاودا وهيبان بولاية جنوب كردفان، وتسميها «المناطق المحرّرة»، كما تملك مراكز تدريب في يابوس وسمري، وكتائب أخرى في أورا ودقيس، ووحدات صغيرة في مناطق أخرى.
ويعترف الزعيم المعارض البارز ورئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، بوجود مشاكل في المنطقة التي سميت مناطق المشورة الشعبية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ويرى أن سببها أن تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تجاهل ربط التنفيذ بقضية المنطقتين لتحسما دفعة واحدة.
ويوضح المهدي أن الإبقاء على قوات من «الجيش الشعبي» في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فتح المجال لنشوب الحرب، بل ولم تنفذ الاتفاقية الإطارية بين الحكومة السودانية و«الحركة الشعبية» - تعرف باتفاقية نافع عقار – ويضيف: «لو أنها نفذت لأغنتنا عن هذه التعقيدات التي حدثت، بل أجهضها النظام الذي وقعها ما خلق أجواء أدت لتصعيد المطالب».
ويرى المهدي أن المنطقتين - في «الجنوب الجديد» - تختلفان عن جنوب السودان «القديم»، ولا يمكن أن تسيرا في طريق حق تقرير المصير. وأن فكرة تقرير المصير، أصبحت تعني ما يحدق في جنوب السودان بنتائجه العكسية والفاشلة التي جعلت حتى جنوبيين يرغبون في مراجعته.
ويجزم المهدي باستمرار الحرب طالما لا يوجد حل سياسي للمشكلة، ويتابع: «للأسف الحكومة السودانية غير مستعدة لدفع استحقاقات الحل السياسي. وطالما هذا مستمر، فحتى إذا تمزّقت الحركات المسلحة إلى أكثر من فصيل ستظل هناك حالة حربية»، ويستطرد «ما دام لا يوجد اتفاق سياسي فإن أي عدد لديه مظلمة وسلاح وناس مدربين سيواصل التحدي للأمن، ولن تنتهي مسألة المخاطر الأمنية إلاّ بموجب اتفاق سياسي حتى لو تمزقت القوى المسلحة المسيسة».
وحقاً، أدت الحروب في «الجنوب القديم» إلى مقتل أكثر من مليونين وأعداد من الجرحى والمعاقين، وإلى نزوح الملايين، وهجرة أعداد كبيرة للدول المجاورة. وكبّدت الاقتصاد السوداني مليوني دولار يومياً، ما أدى إلى خلق اختلالات جوهرية في اقتصاد البلاد، أدت لخفض الناتج القومي، وتزايد نسب التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وسوء الخدمات.
وكان مأمولاً حدوث تطور سريع في معالجات الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت الحرب الأهلية، بعد توقيع اتفاقية السلام وانفصال – استقلال – جنوب السودان، لكن اشتعال الحرب في «الجنوب الجديد» أزهق أرواح أكثر ثلاثمائة ألف نسمة في دارفور وحدها حسب إحصاءات دولية – تعترف الحكومة بعشرة آلاف منهم – ونزوح ولجوء، وينسب إلى مدعي المحكمة الجنائية السابق لويس مورينو أوكامبو أنه قال إن الحرب تسببت في نزوح 2.5 مليون شخص داخلياً. وقالت منظمة الهجرة الدولية في تقرير صادر 2016 إن السودان يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول المصدرة للاجئين بعد إريتريا والنيجر والصومال.
ولا توجد إحصائيات دقيقة تتعلق بأعداد القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين بسبب الحرب بين الجيش الحكومة والجيش الشعبي، فإن آلاف الأشخاص لقوا حتفهم، فيما تشرد وهجر ونزح مئات الآلاف بسبب الحرب في المنطقتين.
لكن «المصطلح» بمدلوله الذي أطلقه به الأمين العام السابق للحركة الشعبية ياسر عرمان، يواجه منذ أشهر تحدّي الانقسام الرأسي الذي تشهده واسطة عقد «الجنوب الجديد» أي «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، الذي بلغ ذروته بإقالة رئيسها مالك عقار وأمينها العام، وتعيين نائب الرئيس السابق عبد العزيز آدم الحلو رئيس للحركة وقائداً لجيوشها.
ما حدث من تغيير دراماتيكي في قيادة الحركة يهدد آيديولوجيا «الجنوب الجديد» بشكل كامل، وهو ما يصفه المحللون بأنه ربما يصبح انكفاءة جهوية، تسوق المناطق التي تسيطر عليها الحركة باتجاه شبيه بما حدث للحركة الأم، التي حققت أغراضا جهوية «استقلال جنوب السودان» على حساب شعارها الذي خاضت حربها الطويلة تحته «السودان الجديد».
ويقول الصحافي والمحلل السياسي حسن بركية، إن قيادة الحركة الجديدة مواجهة بتحدي كبير لتصحيح الأوضاع، وإقامة بناء تنظيمي متماسك، ويتابع: «الحلو يجد الآن دعماً كبيراً، وهو صاحب خبرة يمكن أن يحقق نجاحات»، ويقطع بفشل الحديث عن انقسام في الحركة على أساس مناطقي – من منطقة – بقوله: «الحديث عن انقسام مناطقي، فشل الرهان عليه، بدليل أن المنطقتين اتفقتا على القرارات».



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.