السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

نائب رئيس الوزراء لـ «الشرق الأوسط»: سنفاوض الحركة الشعبية بشقيها

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»
TT

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

السودانيون في «الجنوب الجديد»... وثمن «لعنة الجغرافيا»

اشتق ساسة سودانيون مصطلح «الجنوب الجديد» باعتباره «مكان حرب» جديدة في البلاد، وذلك عقب نهاية الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، التي انتهت بعد قرابة 40 سنة من القتال إلى انفصال «الجنوب القديم»، وولادة دولة جديدة من رحم السودان في التاسع من يوليو (تموز) 2011، ويشير مصطلح «الجنوب الجديد إلى اندلاع حرب جديدة في المنطقة الجنوبية من دولة السودان، بعد تغيّر ديموغرافيتها، وسكوت البنادق المتقاتلة المتقاطعة بتوقيع اتفاقية السلام السودانية الشامل المعروفة بـ«اتفاقية نيفاشا» يوم 9 يناير (كانون الثاني) 2005، وكانت الاتفاقية قد أقرت إجراء استفتاء في الجزء الجنوبي من البلاد، ولدت عنه دولتان متجاورتان ونشأ معه واقع جغرافي جديد. وبعدما كانت دولة «السودان» القديمة محادة لدولتي كينيا وأوغندا جنوباً، أصبحت حدودها الجنوبية تقف عند كردفان الجنوبية والنيل الأزرق وجنوب دارفور.
خلق مصطلح «الجنوب الجديد» في الآونة الأخيرة التباساً «جيو - سياسي» بين السودان وجمهورية «جنوب السودان»، وما عاد بمقدور أهل السودان الشمالي أن يصفوا جنوب بلادهم بـ«جنوب السودان»، لأن «جنوب السودان» غدت دولة تتمتع بعضوية الأمم المتحدة، ومع أنها انفصلت عن البلد الأم، لكنها احتفظت بالاسم «جنوب السودان».
ولا يقف الارتباك هنا في حدود كونه جغرافياً، بل يتضمن أبعاداً سياسية وأمنية وإثنية، ويختزن سيرة «الحرب الأهلية» السودانية التي انتهت بانفلاق البلد إلى بلدين يحمل كل منهما اسم «السودان». إذ في السادس من يونيو (حزيران) أو قبل إعلان استقلال «الجنوب القديم» بوقت قصير، اندلعت الحرب مرة أخرى بين القوات الحكومية وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال»، في «الجنوب الجديد»، تحديداً في ولاية جنوب كردفان. ودوّت المدافع والبنادق وحلق الطيران الحربي في سماء مدينة كادوقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، وردّت قوات «الحركة الشعبية» النار بالنار، وذلك فور إعلان نتيجة الانتخابات التكميلية لاختيار حاكم الولاية، التي أجريت في أجواء ملتهبة.
ووفقاً لما دوّنته الناشطة المدنية زينب بلندية في صفحتها على موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، بصفتها شاهد عيان، فإن الانتخابات جرت في أجواء مشحونة بين الحزبين المتنافسين «المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان». وتقول بلندية إن حملة مرشح الحزب الحاكم أحمد هرون الدعائية أطلقت جملة «فوز هرون أو القيامة تقوم»، وردت عليها حملة «الحركة الشعبية» بجملة: «النجمة أو الهجمة»، والنجمة هي رمز علمها.

اتهامات بتزوير الانتخابات
ووفق بلندية، تسببت اتهامات بتزوير الانتخابات وتصعيد عسكري وتعبوي في إطلاق شرارة الحرب بجنوب كردفان بمجرد إعلان فوز مرشح الحزب الحاكم بمقعد الوالي في الولاية الجنوبية. وترجع الخرطوم تجدد القتال إلى أن قوات تابعة لـ«الجيش الشعبي» هاجمت مركز شرطة واستولت على أسلحة، فيما يرجعه «الجيش الشعبي» إلى أن الخرطوم تحاول نزع سلاحه بالقوة. لكن الحرب كانت قد اشتعلت هناك منذ ذلك التاريخ ولم تتوقف بعد.
من جهة أخرى، في ولاية النيل الأزرق، اندلعت المعارك في آخر مطلع سبتمبر (أيلول) 2011 بعد أكثر من شهر من اندلاعها في جنوب كردفان، وهنا استطاعت القوات الحكومية طرد قوات «الجيش الشعبي» الموالية لحاكم الولاية مالك عقار من مدينة الدمازين، حاضرة الولاية، كما أصدر الرئيس عمر البشير مرسوماً أعفاه بموجبه من منصبه، لتلتحق قوات «الجيش الشعبي» برصيفتها في جنوب كردفان في الحرب المستمرة منذ ذلك الوقت.

تركيبة الجيش الشعبي
تتكوّن قوات «الجيش الشعبي لتحرير السودان» من جنود من مجموعات سودانية اختارت الانحياز لجنوب السودان أثناء الحرب الأهلية، وثقلها الأساسي في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولقد تم تنظيمها فيما اصطلح عليه بالفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين لـ«الجيش الشعبي لتحرير السودان» الأم، وعند الانفصال لم تقطع علاقتها التنظيمية والعسكرية به، حسب وجهة النظر الرسمية في الخرطوم.
هذا، وأعطت اتفاقية السلام السودانية المنطقتين وضعاً خاصاً عُرف بـ«بروتوكول المنطقتين» الذي أقر ما اصطلح عليه بـ«المشورة الشعبية»، لتحديد وجهة نظر شعب الولايتين بشأن اتفاقية السلام، ومدى تحقيقها لتطلعاته، وتسوية النزاع السياسي وإرساء السلام، ووضع ترتيبات دستورية وسياسية وإدارية واقتصادية بخصوص الولايتين. لكن عدم إنفاذ بروتوكول المنطقتين ساهم بشكل كبير في اندلاع النزاع، واعتبره كثيرون امتداداً لسيرة «نقض العهود والمواثيق» التي اتسمت بها الحكومات السودانية تجاه ما تبرمه من اتفاقيات مع مواطنيها.
وكانت المعارك قد تفجرت في دارفور قبيل توقيع اتفاقية السلام السودانية. ودارفور إقليم يحاد دولة «جنوب السودان»، وبالتالي يمكن إدراجه ضمن «الجنوب الجديد»، على الرغم من أنه لم يكن داخلاً ضمن الترتيبات التي أدت إلى انفصال دولة «جنوب السودان». ولاحقاً اتفق المقاتلون في دارفور والمنطقتين، وكونوا آلية عسكرية مشتركة أطلقوا عليها «الجبهة الثورية» أتاحت مشاركة قوات دارفورية في الحرب في جبال النوبا، بعد تراجع عملياتها العسكرية في دارفور. بيد أن «الجبهة الثورية» نفسها تشظت إلى جبهتين، واحدة دارفورية وأخرى تسيطر عليها «الحركة الشعبية - الشمال».
ورسمت الحروب في دارفور وفي جنوب كردفان وفي النيل الأزرق «حزاماً ناسفاً» حال دون استقرار الولايات الجنوبية للسودان، وبالتالي الولايات الشمالية لجنوب السودان، بعدما كان السودانيون يأملون أن يؤدي وقف الحرب وتحقيق مطلب «جنوب السودان» بالاستقلال، إلى سلام مستدام وتنمية سياسية واجتماعية واقتصادية في البلد الذي أنهكته الحروب، وهكذا ولد للسودان «جنوب جديد» مشتعل.

انشقاق الحركة الشعبية
بعد ذلك، شهد الوضع تطوراً جديداً منذ مارس (آذار) الماضي بانشقاق «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» التي تقود الحرب في «الجنوب الجديد» فعلياً إلى حركتين، على الرغم من احتفاظهما معاً بالاسم والشعارات «السودان الجديد»، ويقود واحدة منها نائب رئيس الحركة الأسبق عبد العزيز آدم الحلو، ويقود الأخرى ثنائياً رئيس الحركة السابق مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان.
وأفضت الأوضاع على الأرض بحكم القوة المقاتلة إلى أن تسيطر المجموعة التي يقودها الحلو على «معظم الأرض» وكثير المقاتلين في المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق». أما مجموعة عقار وعرمان فخلا رصيدها السياسي والتفاوضي إلاّ من «بعض جيوب مقاتلة» في منطقة النيل الأزرق فأصبحت تملك قوة حقيقية على الأرض هناك. ولقد أدى الواقع الجديد إلى «تمايز» في الشعارات التي يرفعها كل من الطرفين للتفاوض مع الحكومة في الخرطوم، فبينما رفع الحلو سقف تفاوضه إلى المطالبة بـ«حق تقرير المصير» للمنطقتين، فإن عقار وعرمان أعلنا عن عزمهما على «تجديد الحركة» وقصر التفاوض مع الخرطوم على القضايا الإنسانية.
الخرطوم، رأت في هذا التشظي إضعافاً للحركة التي كانت تشكل لها «صداعاً» مستمراً. ويرى نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام أحمد بلال عثمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تشظي الحركات المسلحة وانقساماتها يخلق مشكلة تفاوضيه تصعب الوصول معها لاتفاق، ولكنه يتابع: «نحن نعرف موازين القوى المسيطرة على الأرض بعد أن انقسمت الحركة إلى حركتين». ويعلن بلال عثمان استعداد حكومته - رغم تشظي الحركة - للتفاوض مع كل منهما على حدة، قائلا: «إذا جاء عقار أو الحلو سنفاوضهما، بل وإذا جاء شخص واحد يريد التفاوض فسنفاوضه، لأن الحركة لم تعد جسماً واحداً». وبعدما اعتبر الانقسام «تلاشياً سالباً للحركة، وزهداً في المقاومة المسلحة»، تابع: «كان عليهم الاتعاظ بهذه الرسالة، التي سبقتهم إليها حركات دارفور المسلحة».
وعلى ما يترتب على الانقسام من صعوبات تفاوضيه، فإن بلال عثمان يجزم بأن حكومته راغبة في السلام لو أن الطرفين راغبين في السلام، لكنها أي الحكومة «لن تتفاوض على الجانب الإنساني فقط»، وهو المطلب الذي تقدمت به مجموعة عقار للوساطة، وهذا يعني رفض الخرطوم لفكرة «الجنوب الجديد برمتها».

حدود «الجنوب الجديد»
ويحدد موقع وزارة الخارجية السودانية على الإنترنت طول الحدود بين السودان ودولة «جنوب السودان» بـ2.175 كيلومترا، تمتد من حدود الدولتين مع أفريقيا الوسطى غرباً، وحدودهما مع إثيوبيا شرقاً. وتقع على الحدود المشتركة بين البلدين 11 منطقة إدارية، 6 منها سودانية وخمس جنوبية، وتدور الحرب في أربع منها، هي جنوب وشرق دارفور، وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووفقاً للخارجية، فإن دولتي السودان و«جنوب السودان»تتنازعان على عدد من المناطق الحدودية، ذات الأهمية الخاصة، الممثلة في عدد السكان على طرفي الحدود البالغ عشرة ملايين نسمة، وتوافر عدد من الموارد الطبيعية بها، إضافة إلى ثراءها بالمياه والثروات الحيوانية. وهي خمس مناطق رئيسية أكبرها منطقة أبيي الغنية بالنفط، ودبة الفخار بولاية النيل الأبيض، وجبل المقينص على الحدود المشتركة بين النيل الأبيض وجنوب كردفان و«جنوب السودان»، ومنطقة كافيا كنجي الشهيرة بحفرة النحاس مع جنوب دارفور، وكاكا التجارية مع جنوب كردفان.
الدكتور الواثق كمير، وهو أكاديمي انتمى لـ«الحركة الشعبية لتحرير السودان» على عهد مؤسسها الراحل الدكتور جون قرنق، يقول إنه «من الطبيعي أن يكون هناك جنوب جغرافي للسودان بعد انفصال الجنوب وإنشاء دولته، كما له شمال وشرق وغرب جغرافي». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» شارحاً «بهذا المعني، فالجنوب الجديد يضم: جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وغرب كردفان وجنوب دارفور... لكن مفهوم أو تعبير الجنوب الجديد، الذي شاع بعد انفصال الجنوب، خاصة من بعض قيادات الحركة الشعبية شمال، ينطوي على حمولة سياسية وجيو سياسية إذ إن المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق، كانتا تابعتين تنظيمياً إلى قطاع الجنوب».
ويضيف كمير أن مفهوم «الجنوب الجديد» يواجه ثلاث مشاكل منهجية تحيط به، موضحاً «أن الأولى هي حمل السلاح من أجل التغيير وإزالة التهميش هو القاسم المشترك في تعريف هذا الجنوب الجديد. والثانية إنه تعبير يستحدث الآخر في مواجهة المجموعات في المناطق الأخرى من السودان، بما يعيد إنتاج التصور القديم للشمال عن الجنوبيين من منطلقات عرقية وثقافية... ويحمل في طياته قدراً كبيراً من الآيديولوجيا والإيحاءات العنصرية. أما ثالث المشاكل فهي أنه يضع عبء ومسؤولية التحول والتغيير في شمال السودان على عاتق أهل الجنوب الجديد، ما يصعّب ويعقّد مهمة قوى السودان الجديد في تعبئة وحشد قطاعات مختلفة من السودانيين بغض النظر عن انتماءاتهم من ناحية العرق والإثنية والدين والجنس (الجندر)». ويقطع كمير بأهمية تجاوز المفهوم الآيديولوجي الذي يستدعيه مصطلح «الجنوب الجديد»، ويرى أنه شكل من أشكال إعادة إنتاج الأزمة مجدداً.

الواقع الملتهب
ورغم «آيديولوجيا المفهوم» التي أشار إليها كمير، فإن «الجنوب الجديد» واقع جغرافي لا يمكن تجاهله، فضلاً عن كونه واقعا «ملتهبا» ما زال النزاع حول وضع علاماته الحدودية مع الدولة الوليدة لم يكتمل بعد. وما زال البلدان يتصارعان لتحديد حدودهما بدقة.
الحكومة السودانية تتهم حكومة «جنوب السودان» بدعم وتشوين وتمويل وإيواء قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، باعتبارها كانت جزءاً من جيشها، وتكونان الفرقة التاسعة والعاشرة، لكن سلطات جوبا دأبت على النفي، والرد بأن الخرطوم هي الأخرى تدعم متمردين ضد حكومتها، آخرهم دعمها تمرد نائب الرئيس السابق رياك مشار. وينسب إلى وزير الدفاع السوداني الأسبق عبد الرحيم محمد حسين قوله، إن قوات «الحركة الشعبية» تتمركز في منطقة يابوس بولاية النيل الأزرق، وفي مناطق كاودا وهيبان بولاية جنوب كردفان، وتسميها «المناطق المحرّرة»، كما تملك مراكز تدريب في يابوس وسمري، وكتائب أخرى في أورا ودقيس، ووحدات صغيرة في مناطق أخرى.
ويعترف الزعيم المعارض البارز ورئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، بوجود مشاكل في المنطقة التي سميت مناطق المشورة الشعبية في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ويرى أن سببها أن تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تجاهل ربط التنفيذ بقضية المنطقتين لتحسما دفعة واحدة.
ويوضح المهدي أن الإبقاء على قوات من «الجيش الشعبي» في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فتح المجال لنشوب الحرب، بل ولم تنفذ الاتفاقية الإطارية بين الحكومة السودانية و«الحركة الشعبية» - تعرف باتفاقية نافع عقار – ويضيف: «لو أنها نفذت لأغنتنا عن هذه التعقيدات التي حدثت، بل أجهضها النظام الذي وقعها ما خلق أجواء أدت لتصعيد المطالب».
ويرى المهدي أن المنطقتين - في «الجنوب الجديد» - تختلفان عن جنوب السودان «القديم»، ولا يمكن أن تسيرا في طريق حق تقرير المصير. وأن فكرة تقرير المصير، أصبحت تعني ما يحدق في جنوب السودان بنتائجه العكسية والفاشلة التي جعلت حتى جنوبيين يرغبون في مراجعته.
ويجزم المهدي باستمرار الحرب طالما لا يوجد حل سياسي للمشكلة، ويتابع: «للأسف الحكومة السودانية غير مستعدة لدفع استحقاقات الحل السياسي. وطالما هذا مستمر، فحتى إذا تمزّقت الحركات المسلحة إلى أكثر من فصيل ستظل هناك حالة حربية»، ويستطرد «ما دام لا يوجد اتفاق سياسي فإن أي عدد لديه مظلمة وسلاح وناس مدربين سيواصل التحدي للأمن، ولن تنتهي مسألة المخاطر الأمنية إلاّ بموجب اتفاق سياسي حتى لو تمزقت القوى المسلحة المسيسة».
وحقاً، أدت الحروب في «الجنوب القديم» إلى مقتل أكثر من مليونين وأعداد من الجرحى والمعاقين، وإلى نزوح الملايين، وهجرة أعداد كبيرة للدول المجاورة. وكبّدت الاقتصاد السوداني مليوني دولار يومياً، ما أدى إلى خلق اختلالات جوهرية في اقتصاد البلاد، أدت لخفض الناتج القومي، وتزايد نسب التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وسوء الخدمات.
وكان مأمولاً حدوث تطور سريع في معالجات الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت الحرب الأهلية، بعد توقيع اتفاقية السلام وانفصال – استقلال – جنوب السودان، لكن اشتعال الحرب في «الجنوب الجديد» أزهق أرواح أكثر ثلاثمائة ألف نسمة في دارفور وحدها حسب إحصاءات دولية – تعترف الحكومة بعشرة آلاف منهم – ونزوح ولجوء، وينسب إلى مدعي المحكمة الجنائية السابق لويس مورينو أوكامبو أنه قال إن الحرب تسببت في نزوح 2.5 مليون شخص داخلياً. وقالت منظمة الهجرة الدولية في تقرير صادر 2016 إن السودان يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول المصدرة للاجئين بعد إريتريا والنيجر والصومال.
ولا توجد إحصائيات دقيقة تتعلق بأعداد القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين بسبب الحرب بين الجيش الحكومة والجيش الشعبي، فإن آلاف الأشخاص لقوا حتفهم، فيما تشرد وهجر ونزح مئات الآلاف بسبب الحرب في المنطقتين.
لكن «المصطلح» بمدلوله الذي أطلقه به الأمين العام السابق للحركة الشعبية ياسر عرمان، يواجه منذ أشهر تحدّي الانقسام الرأسي الذي تشهده واسطة عقد «الجنوب الجديد» أي «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، الذي بلغ ذروته بإقالة رئيسها مالك عقار وأمينها العام، وتعيين نائب الرئيس السابق عبد العزيز آدم الحلو رئيس للحركة وقائداً لجيوشها.
ما حدث من تغيير دراماتيكي في قيادة الحركة يهدد آيديولوجيا «الجنوب الجديد» بشكل كامل، وهو ما يصفه المحللون بأنه ربما يصبح انكفاءة جهوية، تسوق المناطق التي تسيطر عليها الحركة باتجاه شبيه بما حدث للحركة الأم، التي حققت أغراضا جهوية «استقلال جنوب السودان» على حساب شعارها الذي خاضت حربها الطويلة تحته «السودان الجديد».
ويقول الصحافي والمحلل السياسي حسن بركية، إن قيادة الحركة الجديدة مواجهة بتحدي كبير لتصحيح الأوضاع، وإقامة بناء تنظيمي متماسك، ويتابع: «الحلو يجد الآن دعماً كبيراً، وهو صاحب خبرة يمكن أن يحقق نجاحات»، ويقطع بفشل الحديث عن انقسام في الحركة على أساس مناطقي – من منطقة – بقوله: «الحديث عن انقسام مناطقي، فشل الرهان عليه، بدليل أن المنطقتين اتفقتا على القرارات».



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.