«اقتتال الفصائل» يمتد إلى حماة... و«النصرة» تطالب بـ«إدارة ذاتية»

«حرب بيانات» وانشقاقات ومساع لوقف المواجهات والتحريض

TT

«اقتتال الفصائل» يمتد إلى حماة... و«النصرة» تطالب بـ«إدارة ذاتية»

أعلنت «حركة أحرار الشام الإسلامية»، موافقتها على المبادرة الرامية إلى إنهاء الاقتتال القائم بينها وبين «هيئة تحرير الشام»، (التي تشكّل «جبهة النصرة» أبرز فصائلها) في إدلب، وأرفقت هذه الموافقة بشرط «الردّ على أي هجوم عليها في حال حصوله»، ولم يتأخر ردّ «الهيئة» التي أيدت بدورها المبادرة وفق شروطها أيضاً، إذ دعت إلى «تبني مشروع يوحّد المناطق المحررة، بقيادة سياسية وعسكرية واحدة... وإدارة ذاتية للمناطق المحررة». لكن قبولهما بالمبادرة لم يترجم على الأرض، في ظلّ استمرار المعارك بين الطرفين، بدءاً من إدلب وريفها، وصولاً إلى ريف حماة.
ودعت «الهيئة» في بيان إلى «مبادرة تنهي حالة التشرذم والفرقة وتطرح مشروعاً واقعياً للإدارة الذاتية للمناطق المحررة، إدارة تملك قرار السلم والحرب وتتخذ القرارات المصيرية للثورة السورية على مستوى الساحة بعيداً عن مراهنات المؤتمرات والتغلب السياسي والاحتراب والاقتتال الذي لا يصب إلا في مصلحة النظام المجرم وأعوانه».
واستبق قياديان في «تحرير الشام» بياني «الهيئة» و«الحركة»، بإعلان انفصالهما عن الأولى، حيث أعلن القائد العسكري في «الهيئة» أبو صالح الطحان، وقائد «حركة نور الدين الزنكي» توفيق شهاب الدين، موافقتهما وبشكل منفرد على المبادرة، ما يؤشر إلى بروز تصدعات وانشقاقات، بدأت تهدد وحدة «تحرير الشام» وتضعف موقفها، ما لم توافق على المبادرة.
قبول المبادرة من الطرفين، لم يترجم على الأرض؛ إذ أعلن محمد أبو زيد، الناطق الرسمي باسم «أحرار الشام»، لـ«الشرق الأوسط»، أن قبول الحركة بالمبادرة، «لا يعني إيقاف القتال أو العودة إلى مقراتنا، بدليل أن الاشتباكات لم تهدأ بعد»، معتبراً أن «رفض (جبهة النصرة)، الطرف المسيطر على (هيئة تحرير الشام)، الوساطات والمبادرات، هو السبب في الانشقاقات التي تحصل في صفوفها»، كاشفاً عن «انشقاق أكثر من 8 آلاف مقاتل من (حركة نور الدين الزنكي)، وانضمامهم إلى (أحرار الشام)».
وأيدت «هيئة تحرير الشام» الخميس، مبادرة وقف القتال في الشمال السوري، مؤكدة استعدادها «للموافقة على أي مشروع يوحِّد المناطق المحرَّرة». وثمنت كل «الجهود الساعية لحقن الدماء». وقالت في بيان: «لم نبدأ بقتال أحد، وما كان تحركنا إلا لرد البغي وعدوان صَبَرْنا عليه مليّاً وسعينا لدفعه مرات كثيرة بالصلح، إلا أنه ما زال يتكرَّر بلا رادع». وأوضحت أن «هذه المبادرة التي أطلقت، كسابقتها من المبادرات التي لم تصل بالساحة إلى المستوى المطلوب، وما ينبغي أن تكون عليه من توحد بين الفصائل العاملة»، عادّة أن «المبادرة الحقيقية هي التي تكون بإنهاء حالة التشرذم والفرقة، وتطرح مشروعاً واقعيّاً للإدارة الذاتية للمناطق المحررة، إدارة تملك قرارات السلم والحرب، وتتخذ القرارات المصيرية للثورة السورية، بعيداً عن التغلب السياسي ومراهنات المؤتمرات وتلاعب القوى الدولية». وأكدت الهيئة استعدادها لـ«الموافقة على أي مشروع سُني، يوحد المناطق المحررة، بقيادة سياسية عسكرية خدمية موحدة».
وكان عدد من الشرعيين في «أحرار الشام» و«تحرير الشام»، طرحوا مبادرة تهدف إلى إنهاء حالة الصراع الدائر بين الطرفين في إدلب، وذلك «حرصاً على حقن دماء المسلمين، وحفظ الساحة من ضياعها في أتون الاقتتال، وتغليب منطق الحوار والاحتكام للشرع». ودعوا أطراف النزاع إلى «وقف الأعمال القتالية اعتباراً من الساعة الثانية عشرة ليلاً (منتصف ليل الأربعاء - الخميس)، على أن يقوم كل طرف من أطراف النزاع، بتفويض ثلاثة أشخاص مخولين باتخاذ القرار نيابة عن فصيله».
لكن المبادرة، ثم موافقة الطرفين عليها، لم توقفا الاشتباكات بين الطرفين أمس، رغم تراجع وتيرتها عن الأيام السابقة، وأفاد «مكتب أخبار سوريا» المعارض، أن «(حركة أحرار الشام) قصفت بقذائف الهاون، قرية مرعيان في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، ضمن المواجهات مع (هيئة تحرير الشام)»، مشيراً إلى أن «اشتباكات وقعت على أطراف قرى الصهرية والمستريحة ودير سنبل في منطقة جبل شحشبو بريف حماة الغربي، بين (الحركة) و(الهيئة)، إثر محاولة الأخيرة التقدم في المنطقة». ونقل المكتب عن ناشطين قولهم إن «(هيئة تحرير الشام)، دفعت بحشود عسكرية ضخمة إلى قرى عدة بريف حماة الغربي، تزامناً مع المواجهات التي تخوضها ضد (حركة أحرار الشام) بمحافظة إدلب المجاورة».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بتجدد الاقتتال بين الفصيلين ظهر أمس، على محاور في مناطق مرعيان والرامي وكفرحايا والمغارة، الواقعة في جبل الزاوية بالقطاع الجنوبي من إدلب، بينما شهد محيط بلدة جرجناز استقداما لمقاتلي «تحرير الشام» وآلياتها، وسط معلومات عن نيتها اقتحام البلدة وفرض سيطرتها عليها، مشيرا إلى تمكن «تحرير الشام» من السيطرة على بلدة إسقاط المحاذية لمدينة سلقين بريف إدلب الشمالي.
وتضمنت مبادرة إنهاء الاقتتال، التي وقّع عليها الشيوخ أبو محمد الصادق، وعبد الرزاق المهدي، وأبو حمزة المصري، أن «يتوافق الطرفان على ثلاثة أسماء من المستقلين، ليكونوا مرجحاً حال الخلاف، حيث يجتمع المفوضون من الفصيلين مع المستقلين لحل الخلاف بين الطرفين، ووضع رؤية ملزمة وشاملة تراعى من خلالها الحقوق السياسية والعسكرية والمدنية للأطراف جميعاً، خلال سبعة أيام من تاريخ البدء».
وأمس، أدان «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في بيان الاعتداءات التي تمارسها «هيئة تحرير الشام» بحق المدنيين وقيامها بالتضييق عليهم وملاحقتهم وصولاً إلى ارتكاب أعمال قتل بحق أفراد عزّل.
وأكد «الائتلاف» إدانته «أي اعتداء على فصائل الثورة من قبل القوى المتطرفة»، عادّاً أن «أي فصيل يتورط في الاقتتال ويرفع سلاحه في وجه المدنيين العزل، ويتنكر لمبادئ وتطلعات الشعب السوري، لا يمكن أن يكون طرفاً في ثورة السوريين، بل يقف بمقتضى سلوكه وجرائمه إلى جانب نظام الأسد وداعميه». وشدد على «ضرورة وحدة جميع فصائل (الجيش الحر) في مواجهة القوى المتطرفة، ورفض أي توجهات أو أفكار تتناقض مع مبادئ الثورة السورية وحقوق الشعب السوري في الحرية والعدالة والكرامة»، كما شدد على «توحيد كافة الجهود من أجل مواجهة جرائم نظام الأسد وقوى الاحتلال والميليشيات الإرهابية الداعمة له».



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.