الشاهد: محاربة الفساد ليست تصفية لخصوم سياسيين

جلسة مساءلة رئيس الحكومة التونسية تتحول إلى منصة للوقفات الاحتجاجية

TT

الشاهد: محاربة الفساد ليست تصفية لخصوم سياسيين

دافع يوسف الشاهد، رئيس حكومة الوحدة الوطنية التونسية، خلال جلسة المساءلة أمام البرلمان أمس، عن حملة مكافحة الفساد التي تقودها حكومته منذ شهر مايو (أيار) الماضي، وقال إن الحكومة ستحاسب كل من أخطأ في حق الوطن أيا كان، مشددا على أن شعار الحملة هو «لا حصانة لأي كان»، نافيا وجود أغراض سياسية وراء الحملة أو استهداف أطراف بعينها ضمن سياسة انتقائية.
وخضع الشاهد خلال هذه الجلسة لانتقادات حادة من قبل أعضاء البرلمان، سواء ممن ينتمون إلى أحزاب المعارضة أو إلى الائتلاف الحاكم، لكنه دافع عن خطة الحكومة في مكافحة الفساد، وقدم أمام أعضاء البرلمان تفاصيل جديدة حول استراتيجيتها في مكافحة الإرهاب، معترفا أن الفساد استشرى بشكل كبير في مفاصل الدولة لارتباطه بالتهريب وتمويل الإرهاب، وأن عدم القضاء على هذه الظاهرة سيؤدي إلى إفقار الشعب.
وعقدت هذه الجلسة البرلمانية في إطار الدور الرقابي لمجلس نواب الشعب (البرلمان) على السلطة التنفيذية، إذ ينص الفصل 95 من الدستور على أن الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب، وهو ما أعطى زخما قويا لدور النواب في مساءلة حكومة الشاهد، خاصة فيما يتعلق بحملة مكافحة الفساد، والاعتقالات التي طالت رجال أعمال ومهربين تنفيذا لقانون الطوارئ.
وفي هذا الشأن قال عمار عمروسية، النائب عن تحالف الجبهة الشعبية المعارض، إن شفيق جراية، رجل الأعمال المتهم بالفساد والذي يخضع للإقامة الإجبارية، مول أنشطة برلمانية لحزب النداء في مدينة طبرقة (شمال غربي)، مضيفا أن الفساد تحكم في الدولة بشكل كبير وملحوظ.
ومن جانبه قال زهير المغزاوي، رئيس حزب الشعب المعارض، إن الشفافية والوضوح مقومان أساسيان لنجاح خطة الحكومة في مقاومة الفساد، ودعا إلى مواصلة هذه الحرب بكل شجاعة ودونما انتقائية، معتبرا أن هذه الحرب أربكت بعض الأحزاب السياسية، ومن بينها حزب النداء وحركة النهضة، اللذين تعايشا مع الفساد والمفسدين، على حد تعبيره.
بدوره أكد حاتم الفرجاني، النائب عن حزب النداء، دعم حزبه لحرب الحكومة ضد الفساد، وذكر رئيس الحكومة بضرورة الالتزام بأولويات وثيقة قرطاج، ومن بينها الحرب على الفساد والإرهاب، معتبرا أن فشل الحكومة في هذه الحرب سيجعل حزب النداء يدفع الثمن غاليا.
من جانبه، اعتبر محمد بن سالم، النائب عن حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحاكم، أن الحرب على الفساد كانت في بدايتها متعثرة وغير مرفقة بإثباتات قضائية، وشدد في هذا السياق على أن الحرب على الفساد لا تكون ناجحة إلا باحترام القانون، ووجه كلامه إلى الشاهد قائلا: «كنا نتمنى أن تكون ملفات الفساد جاهزة لدى القضاء قبل إطلاق حملة مكافحة الفساد. لكن حملة الاعتقالات تمت دون ملفات».
وأوضح بن سالم أن من مصلحة تونس احترام القانون، وعدم تنفيذ إجراءات استثنائية في حق المتهمين بالفساد، وذكر رئيس الحكومة بأن «ضرب الفساد يكون بضربه في العمق وفي الرأس»، في إشارة إلى تواصل نشاط متهمين كبار بالفساد دون أن تشملهم حملة مكافحة الفساد الأخيرة.
وفي رده على تساؤلات النواب، أفاد الشاهد بأن حرب مكافحة الفساد غير انتقائية، مؤكدا أنها ستكون طويلة المدى، وأن قوى معارضة لخطة الحكومة في مكافحة الفساد، نشرت مباشرة بعد توقيف عدد من المتهمين مقالات وتدوينات تتحدث عن الانتقائية في اختيار المستهدفين في حملة الفساد، قبل أن يتأكدوا من قائمة المعنيين بالإيقافات والمتابعة القانونية، ونوعية التهم الموجهة لهم.
ونفى الشاهد أن تكون حرب مكافحة الفساد «تصفية حسابات سياسية»، وتساءل «متى كان المهربون خصوما سياسيين؟... ومن يحاول التخفي بغطاء سياسي من أجل التستر عن جرائمه فإن ذلك لن يجديه»، مبرزا أن كافة الإجراءات التي تم اتخاذها في حق الموقوفين كانت في إطار ما يسمح به القانون.
كما أكد الشاهد أنه قد تم ضرب مراكز نفوذ الفاسدين، معتبرا أن حملات التشويه والضغط لن تساهم في التراجع عن الاستمرار في هذه الحملة. وعدد مقومات الانتصار في الحرب على الفساد بقوله إنها «ترتكز على السلطة القضائية في إطار الاستقلالية التي ينص عليها الدستور».
وفي إطار المنافسة الانتخابية المبكرة، قال مهدي جمعة رئيس حزب البديل التونسي ورئيس الحكومة الأسبق في تصريح إعلامي بمناسبة مساءلة البرلمان للشاهد، إن محاربة الفساد في تونس «ليست أمرا جديدا... فقد بدأنا الحرب على الفساد منذ أن كنا في السلطة. لكننا اخترنا عدم الترويج لها للعموم»، داعيا إلى ألا تكون الحرب على الفساد «انتقائية وأن تكون مسارا متواصلا وممنهجا كي تصبح ناجعة».
وكانت الجلسة البرلمانية المخصصة للحوار مع رئيس الحكومة قد شهدت أمس ثلاث وقفات احتجاجية، حيث خصّصت الوقفة الأولى لحملة «غير مسامح» ضد قانون المصالحة المالية والاقتصادية مع رموز النظام السابق، أما الوقفة الثانية فنظمها الأساتذة النواب المتعاقدين مع وكالة التعاون الفني (وكالة حكومية)، في حين أن الوقفة الثالثة كانت من تنظيم الجمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.