دعوة عراقية ـ مصرية لإيجاد رؤية دولية موحدة للتصدي للإرهاب

سامح شكري التقى العبادي في بغداد

العبادي خلال لقائه شكري في بغداد أمس (أ.ف.ب)
العبادي خلال لقائه شكري في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

دعوة عراقية ـ مصرية لإيجاد رؤية دولية موحدة للتصدي للإرهاب

العبادي خلال لقائه شكري في بغداد أمس (أ.ف.ب)
العبادي خلال لقائه شكري في بغداد أمس (أ.ف.ب)

أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خلال لقائه في بغداد أمس وزير الخارجية المصرية سامح شكري، على أهمية تحمل المجتمع الدولي لمسؤوليته، والتصدي بكل حزم لخطر الإرهاب والتطرف الذي يهدد الأمن القومي العربي، والسلم والأمن الدوليين، من خلال إيجاد رؤية متكاملة لمكافحة هذه الظاهرة، تضمن تجفيف منابع تمويلها، والقضاء على أدوات الترويج لها، بينما شدد شكري على الأهمية التي توليها مصر لتعزيز التعاون والحوار بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية في العراق لتجديد الخطاب الديني، والبعد عن التطرف.
وقال المكتب الإعلامي للعبادي، في بيان، إن «رئيس الوزراء دعا إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود لإطفاء النزاعات الإقليمية التي يستفيد منها الإرهاب للإضرار بمصالح دول وشعوب المنطقة». ومن جانبه، قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، إن محادثات شكري مع رئيس الوزراء العراقي تناولت بشكل مفصل مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث أكد العبادي على عمق وقوة العلاقات المصرية العراقية، معرباً عن تطلعه لدفع العلاقات الثنائية بين البلدين إلى آفاق أرحب في شتى المجالات، وعقد اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي وزراء البلدين، التي ستعقد أولى اجتماعاتها في أغسطس (آب) المقبل في العاصمة بغداد.
وثمن وزير الخارجية العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، مشيراً إلى أن الزيارة الحالية تأتي في إطار توجيهات القيادة السياسية المصرية لتكثيف التواصل والتعاون مع العراق على مختلف الأصعدة خلال هذه المرحلة الدقيقة الهامة التي يمر بها العراق، منوهاً في هذا الصدد بمساعي مصر المتواصلة لإعادة العراق إلى محيطه العربي، واستعادته لمكانته، بما يعزز من القدرات العربية على مواجهة التحديات الجسام التي تهدد أمنه واستقراره في المرحلة الراهنة، وعلى رأسها الإرهاب والتطرف، والتدخلات الإقليمية الخارجية.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية أن الوزير شكري أعرب أيضاً، خلال اللقاء، عن تقديره للجهود التي يبذلها رئيس وزراء العراق للوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية، والعمل على دعم مؤسسات الدولة العراقية، والحفاظ على وحدة وسيادة العراق، منوهاً في هذا الصدد بأن مصر تنظر إلى العراق من منظور مؤسسي تحكمه المصالح المشتركة بين البلدين.
وأكد العبادي على أن الانتصارات التي حققتها القوات العراقية على تنظيم داعش تأتي في إطار مسؤوليته عن أمن شعبه، واستقرار بلاده، منوهاً بضرورة اجتثاث التنظيم من جذوره من مناطق تمركزه، خصوصاً في سوريا، حتى يتسنى استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية. وأكد الوزير شكري، في السياق ذاته، على استعداد مصر التام لتقديم المساعدة، وتوفير ما تملكه من خبرات لدعم قدرات العراق على حفظ أمنه واستقراره، وإعادة إعمار مدنه.
كما تطرق النقاش إلى أبرز المستجدات المتعلقة بالقضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها التحديات الإقليمية المحيطة بدولة العراق، والنتائج المترتبة على تدخلات بعض الدول، وعلى رأسها تركيا، في المنطقة، بما يتطلب مزيداً من الدعم السياسي للعراق لمواجهة تلك التحديات. وتناول اللقاء تطورات الأزمة مع قطر، حيث استعرض وزير الخارجية الأسباب التي أدت إلى اتخاذ دول الرباعي للإجراءات والتدابير المعلنة ضد قطر.
كما عقد شكري جولة حوار استراتيجي مع وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، في إطار زيارته الرسمية إلى بغداد. وأوضح المتحدث باسم الخارجية أن شكري هنأ في بداية جولة الحوار نظيره العراقي بتحرير مدينة الموصل، مؤكداً في هذا الصدد دعم مصر السياسي الكامل للعراق في مواجهة «داعش»، واهتمامها بالمساهمة في مجالات التدريب، وبناء القدرات للجيش والشرطة العراقيين لمساعدتهما على حفظ الأمن والاستقرار في مرحلة ما بعد «داعش»، بالإضافة إلى جهود إعادة إعمار المدن والمناطق المحررة.
ومن جانبه، أكد الجعفري حرص العراق على استمرار التعاون مع مصر في الاضطلاع بدورها في حماية وصون العلاقات العربية العربية. كما أشاد الجعفري بالمستوى الذي وصلت إليه العلاقات العراقية المصرية، معرباً عن تطلعه لأن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بينهما.
كما تطرقت المباحثات إلى أبرز التطورات على الساحة السورية، ومخرجات جولات المفاوضات في كل من جنيف وآستانة. وأكد شكري على التزام مصر بموقفها القائم على أن التسوية السياسية هي الطريق الوحيد لحل الأزمة في سوريا. كما تناول الجانبان الملف الليبي، حيث استعرض وزير الخارجية جهود مصر لحلحلة الأوضاع، والتوصل إلى حل شامل يرضى جميع الأطراف الليبية، بما يحفظ لليبيا وحدتها وسيادتها على أراضيها، ويصون مؤسساتها، ويحقق تطلعات وآمال شعبها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.