السعودية تعيد إطلاق التأشيرات السياحية انسجاماً مع «رؤية 2030»

هيئة السياحة والتراث الوطني تقول إنها تعزز البعد الاقتصادي

استئناف التأشيرات السياحية ينسجم مع أهداف وتطلعات الحكومة من أجل تنمية السياحة الوطنية
استئناف التأشيرات السياحية ينسجم مع أهداف وتطلعات الحكومة من أجل تنمية السياحة الوطنية
TT

السعودية تعيد إطلاق التأشيرات السياحية انسجاماً مع «رؤية 2030»

استئناف التأشيرات السياحية ينسجم مع أهداف وتطلعات الحكومة من أجل تنمية السياحة الوطنية
استئناف التأشيرات السياحية ينسجم مع أهداف وتطلعات الحكومة من أجل تنمية السياحة الوطنية

قررت السعودية إعادة إحياء التأشيرات السياحية التي فتحتها للمرة الأولى في الفترة من عام 2008 إلى عام 2010، في خطوة تنسجم مع متطلبات «برنامج التحول الوطني 2020»، و«الرؤية السعودية 2030».
وأكدت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، المضي قدماً في تنفيذ مبادرة التأشيرة السياحية، ضمن مبادرات «التحول الوطني 2020»، وذلك في إطار سعي الهيئة لتحقيق «الرؤية السعودية 2030»، وهي الرؤية التطويرية التي تولي صناعة السياحة اهتماماً كبيراً في برامجها ومشروعاتها التنموية، منذ إعلان تفاصيل الرؤية في أبريل (نيسان) 2016.
وأوضح المراقب الاقتصادي علي المزيد لـ«الشرق الأوسط»، أن «من شأن الخطوة التي أعلنت عنها الهيئة فتح باب الكنز المغلق، وإيجاد رافد جديد من روافد الدخل، وزيادة العمليات التشغيلية لقطاعات الخدمات والمرافق، التي يأتي على رأسها قطاع الفنادق، وخطوط الطيران ووسائل المواصلات من حافلات وغيرها».
من جهته، رأى ناصر القرعاوي رئيس المركز السعودي للدراسات والبحوث، أن التأشيرة السياحية خضعت في الفترة الماضية إلى الحذر والتخوف من قدوم عناصر ليس لها هدف سياحي بل لديها أهداف أخرى، كما أن البيئة السياحية في السعودية لم تكن مهيئة لمثل هذه البرامج واستقبال الوفود الدولية.
ولفت إلى أنه في الفترة الأخيرة انتبهت الحكومة لأهمية هذا الأمر، كونها أكثر دول العالم المليئة بالتراث التاريخي والإسلامي والديني والحضاري والإنساني، ومن أكثر البيئات الجاذبة للوفود السياحية التي تسعى لأن يكون لديها مخزون ثقافي موسمي سنوي.
وقال القرعاوي: «رغم غيابنا عمرا طويلا عن مجال السياحة الذي يعتبر الهدف منه ثقافيا وعلميا واقتصاديا، فإنه آن الأوان لوجود ما يزيح الصورة الضبابية الناتجة عن الغياب الإعلامي والتنظيمي لهذه الآثار والكنوز، فالمستشرقون في الماضي كانوا يحرصون على القدوم إلى الجزيرة العربية للبحث عن الكنوز والآثار الغائبة المدفونة عبر الزمان، ويرون ما قيل عنه في الديانات السابقة وقرأوا عنه في الكتب السماوية والتاريخية، وهذه الخطوة ستأتي بهم لمشاهدة ما قرأوا عنه على أرض الواقع، والتعريف بما يوجد لدينا من كنوز ثقافية وأثرية وتراثية».
وذهب إلى أن قرار إيجاد تأشيرة سياحية سيوجد رؤية جديدة لنشر المعلومة الحقيقية عن الجزيرة العربية، لا سيما في هذه المرحلة التي تتميز بالانفتاح على العالم، متوقعا تميز السعودية في مجال السياحة عن باقي الدول الأخرى، كون السياحة فيها تاريخية ودينية، ولديها رسالة سلام وإنسانية ستوصلها من خلالها. وتمنى أن تكون آلية منح التأشيرة السياحية مرنة، ولا يوجد ما يعيقها مستقبلا.
من جهة أخرى، أوضح الدكتور عبد الله المغلوث عضو الجمعية السعودية للاقتصاد، لـ«الشرق الأوسط» أن إصدار تأشيرة السياحة له أثر إيجابي في تحريك الاقتصاد، ونقلة نوعية في مفهوم السياحة العالمية، لا سيما أن السعودية ذات خبرة كبيرة في مجال السياحة الدينية، وتتميز بوجود الحرمين الشريفين وكثير من المواقع التي لها قصص تاريخية ودينية.
وبين أن هذه الخطوة ستشمل مدنا ومناطق على مستوى السعودية، والتي تتطلب توفير البنى التحتية والنقل العام وتنوعا في خطوط الطيران، وإيجاد مكاتب سياحية، إضافة إلى تعاون بين الجهات الحكومية، وهو ما توقع أن يكون معدا له مسبقا من قبل هيئة السياحة والتراث العمراني والجهات الأخرى، استعدادا لاستقبال الوفود السياحية.
وتأتي هذه التعليقات فيما أوضح المهندس عمر المبارك مدير مبادرة التأشيرة السياحية في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن «من المأمول أن يُسهم تطبيق مبادرة التأشيرة السياحية في تعزيز البعد الاقتصادي للسياحة في المملكة، باعتبارها رافدا رئيسيا من روافد الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تقليص الطابع الموسمي الذي تتسم بها النشاطات السياحية في المملكة».
وكشف المبارك أن التجربة السابقة لتطبيق نظام التأشيرة السياحية، بين عامي 2008 و2010، أعطت مؤشراً إيجابياً على أهمية المردود الاقتصادي الناتج عن هذا النوع من التأشيرات، وذلك من خلال استئناف تطبيقها في صورة مبادرة وطنية على نطاق أوسع.
وجذبت التأشيرة السياحية في الفترة التجريبية أكثر من 32 ألف سائح، تم تسهيل إجراءات تأشيراتهم عبر عدد من مكاتب تنظيم الرحلات السياحية المرخص لها من قبل الهيئة، وهو ما أتاح لهؤلاء السياح إمكانية التعرف على عدد من أبرز الوجهات السياحية في المملكة، من بينها: مدائن صالح، وجزر فرسان.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، قد أعلنت عن قرب إطلاق التأشيرة السياحية، مشيرة إلى أن التركيز في المرحلة الأولى سيكون على السياح القادمين من عدد محدد من الدول، بالتنسيق بين الهيئة ووزارتي الخارجية والداخلية.
وأشار المهندس عمر المبارك إلى أن استئناف التأشيرات السياحية ينسجم مع أهداف وتطلعات الحكومة من أجل تنمية السياحة الوطنية، والترويج للوجهات والمقومات السياحية الطبيعية والتراثية والأثرية والثقافية التي تتميز بها المملكة، مشيراً إلى أن التأشيرة السياحية ستكون سارية المفعول لمرة واحدة، بحيث يتمكن من خلالها السائح من دخول المملكة والاستمتاع بكل ما تقدمه في هذا القطاع، لتضاف هذه التأشيرة إلى سلة التأشيرات المتوافرة حالياً بالمملكة، كتأشيرة مستقلة عن تأشيرات العمل والزيارة والحج والعمرة.
وأكدت الهيئة أنه تم بالفعل اعتماد ميثاق مبادرة التأشيرات السياحية، وإعداد الجدول الزمني والهيكل التنظيمي وخطة العمل ذات العلاقة، وأنه يجري التنسيق حالياً مع جميع الجهات ذات العلاقة، وفي مقدمتها وزارتا الخارجية والداخلية، حيث تم تشكيل فريق عمل من الوزارتين مع الهيئة للتنسيق المستمر والتهيئة لإطلاق التأشيرة السياحية خلال الفترة القادمة.
وناقش الفريق المشترك خلال عدة اجتماعات تعديل الضوابط السابقة للتأشيرة السياحية، ومن المنتظر إقرار الضوابط والتعديلات الجديدة، وبناء نظام إلكتروني لإصدار أذون التأشيرات السياحية، وإدراجه تحت مبادرة مراكز الأعمال خلال الفترة المقبلة.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.