بريطانيا تحتفل بمرور 200 عام على وفاة جين أوستن

تعرف بريطانيا قيمة الاحتفال برموزها الوطنية من الكتاب والفنانين والشعراء والسياسيين وغيرهم، ولا أدل على ذلك من الاحتفال الذي دام عاما بأكمله السنة الماضية بمرور 450 عاما على وفاة شاعرها الأشهر ويليام شكسبير. وهذا العام تحل الروائية جين أوستن على جدول الاحتفالات، سواء في مدينة تشاوتن حيث قضت جانبا كبيرا من حياتها أو في وينشستر، حيث نشأت ودفنت في الكاتدرائية العتيقة، ومرورا بمدن أخرى ارتبطت بروايات الكاتبة الكبيرة وبعائلتها مثل باث وباسينغستوك وغيرها.
وتوجت الاحتفالات أول من أمس بإزاحة الستار عن العملة الورقية وأخرى معدنية تحمل صورة أوستن وعبارة مستقاة من أشهر رواياتها «الكبرياء والهوى». ونال قرار بنك إنجلترا بوضع صورة الكاتبة كثيرا من الصدى خاصة أنها أول روائية في بريطانيا توضع صورتها على العملة.
وإلى جانب الاحتفاء بالعملة ظهرت اعتراضات من أكاديميين وعشاق للكاتبة حول وضع اقتباس من أشهر رواياتها على العملة الورقية.
مصدر الاعتراض مهم بالنسبة لمن قرأ «الكبرياء والهوى» أو حتى شاهدها من خلال المعالجات السينمائية والتلفزيونية الكثيرة. ببساطة، الجملة على العملة تقول: «أعتقد، في نهاية الأمر، أنه لا توجد متعة مثل القراءة»، وقد تبدو مناسبة للوهلة الأولى، لكن المعترضون أشاروا إلى أن الجملة جاءت في سياق أحداث الرواية على لسان شخصية «كارولين بينغلي» وهي امرأة مغرورة وسطحية وجاء قولها للتفاخر أمام بطل الرواية «مستر دارسي» وليس انطلاقا من حبها للقراءة التي نعرف من خلال الأحداث التالية أنها لا تعيرها أي أهمية إلا في إطار جذب أنظار الجنس الآخر. وتوالت الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا من قراء أوستن ومحبيها فقالت إيلي كومبو على «تويتر»: «عبارة (لا توجد متعة مثل القراءة) ليست على لسان جين أوستن وإنما هي لواحدة من أقل بطلاتها ذكاء»، وقال إدي روبسون: «إسناد اقتباسات للكاتب بدلا من الشخصية من الأمور التي تزعجني، فلا يعني وجودها على لسان إحدى الشخصيات أن الكاتب يتفق معها».
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده محافظ بنك إنجلترا مارك كارني في كاتدرائية وينشستر، (حيث دفنت أوستن) لإطلاق العملة، أشار مراسل لوكالة «رويترز» إلى أن الاقتباس له خلفية مختلفة عن مراد البنك بتبجيل أوستن، ولكن كارني رفض تلك الفرضية وقال: «بالنسبة لي تعبر الجملة عن مسحة من السخرية الاجتماعية ونظرتها الثاقبة في الشخصيات الإنسانية، ولهذا فإن الجملة تعد مناسبة على عدد من المستويات». ودخل المتحف البريطاني على خط النقاش ونشر على «تويتر» اقتباسا من رواية «إيما»: «لا يوجد سحر يوازي رقة القلب»، جين أوستن على ورقة نقدية من فئة 10 جنيهات ستصدر نهاية العام. ورأى البعض أن المتحف البريطاني يسجل رأيا في الاقتباس المختلف عليه، بتقديم اقتباس آخر قد يكون أكثر مناسبة، على لسان بطلة رواية «إيما».
ومن جانبها، علقت كريادو بيريز الناشطة التي دعت إلى وضع صورة امرأة على الورقة المالية منذ عدة سنوات: «اليوم لا أريد أن أفكر بالإساءات والتهديدات التي وجهت لي بسبب الحملة، ولا أريد أيضا أن أفكر بأن الورقة النقدية ليست من دون أخطاء، فاختيار الاقتباس على سبيل المثال ينقص منها، اليوم أريد أن أحتفل».
ولكن الانتقادات لم تتوقف عند الاقتباس وإنما امتدت للصورة التي اختارها بنك إنجلترا لأوستن، فالعملة عليها رسم يعتمد على آخر نفذ في عام 1870 بناء على تكليف من ابن أخيها، وفي الخلفية رسم آخر لبطلتها الشهيرة إليزابيث بينينت من رواية «الكبرياء والهوى» وهي تنحني على طاولة الكتابة. رسم أوستن قوبل باستياء من البعض ومنهم المؤرخة وصاحبة كتاب صدر حديثا عن أوستن، لوسي وورزلي، التي قالت: «إنه أمر يدعو للسخرية أن الرسم الذي اختاره بنك إنجلترا لا يصور أوستن في الحقيقة، إنما هو رسم نفذ للدعاية لأوستن الكاتبة ولا يعبر عن ملامحها بدقة». وهو تعليق يبدو أن مركز جين أوستن في مدينة باث يتفق معه، إذ أشار، حسب ما تذكر صحيفة «التلغراف»، إلى أن مسؤولي المركز اتصلوا ببنك إنجلترا وعرضوا تقديم رسم خاص لأوستن يقوم المركز بإعداده ولكن العرض قوبل بالرفض من قبل البنك. وفي حديث لصحيفة «تلغراف »قالت فيكتوريا كليلاند مسؤولة العملة ببنك إنجلترا، إنها مندهشة من ردة الفعل حول الصورة المستخدمة: «استخدمنا رسما معتمدا من عائلة أوستن، وقررنا استخدام رسم يتعرف عليه الجمهور».
وفي مناسبة أخرى وفي إطار الاحتفالات بمائتي سنة على وفاة أوستن التي تستمر على مدى العام، دشن أول من أمس، أول تمثال للكاتبة في سوق مدينة باسينغستوك القريبة من مدينة ستيفنتون؛ حيث عاشت الكاتبة أول 25 عاما من حياتها.
وتكلف التمثال مائة ألف جنيه إسترليني ونحته المثال آدم رود بناء على تكليف من مؤسسة الثقافة بهامبشاير. وتستمر قائمة الفعاليات التي ستشهدها بريطانيا عامة وتشاوتن تحديدا، وهي طويلة جدا وتختلف ما بين حفلات راقصة على طريقة القرن التاسع عشر وورشات لتعليم الرقصات التي كانت شائعة وقتها ومعارض متنوعة.