سوريا... وحدة القطر أم «جمهوريات التقسيم»؟

سوريا... وحدة القطر أم «جمهوريات التقسيم»؟
TT

سوريا... وحدة القطر أم «جمهوريات التقسيم»؟

سوريا... وحدة القطر أم «جمهوريات التقسيم»؟

للكاتب السعودي عبد الرحمن الطريري، صدر كتاب عن سوريا، يتناول فيه أوضاع هذا البلد منذ انطلاق شرارة الثورة بيوم الغضب السوري في فبراير (شباط)، من عام 2011. معتبراً أن ما يحدث في سوريا هو من أكبر كوارث هذا القرن، بين معارضة ظلت سلمية لشهور عدة، وبين نظام أراد الحل الأمني سبيلاً واحداً لإنهاء الأزمة. وكانت من نتائج ذلك أن جمعت هذه الأرض كل القوى الإقليمية والدولية بدءا من التسليح وإرسال الميليشيات مروراً بالدعم السياسي وانتهاء بالفيتو وصولاً إلى ملايين اللاجئين والجرحى والمفقودين، ناهيك عن القتلى بمئات الآلاف.
ويطرح المؤلف تساؤلات ما بعد هذه الأزمة. كيف سيعيش السوريون، وكيف سيتعايشون، وهل ستبقى سوريا موحدة، أم ستكون جمهوريات سوريا، ورأى المؤلف أن سوريا تعيش أزمة منذ أعوام، فلا نظام الأسد الوحشي تمكن من قمع الثورة، ولا الجيش الحر والانشقاقات استطاعت إسقاط بشار، ويبدو وضع لا غالب ولا مغلوب - مع الإذن من نبيه بري -، هو وضع ترغب فيه أكثر الدول تأثيراً في المشهد السوري.
المشهد السوري تتحكم فيه عدة دول يأتي على رأسها إيران وروسيا وإسرائيل، ثم دول مؤثرة بدرجات أقل أهمها تركيا، هذه الدول دعمت بقاء الأسد في سدة الحكم أو دعمت عدم سقوطه معنوياً، على الأرض يقوم الأسد بعمليات تطهير للمناطق ذات الطبيعة العلوية السنية المشتركة طامحاً في الوصول إلى 20 في المائة من مساحة سوريا، يكون دولة علوية إذا اضطر لذلك كآخر وأسوأ الخيارات، وعلى الجانب الآخر إيران تخسر أهم حليف في المنطقة ورغم تيقنها من زوال حكم بشار إلا أن التمادي في دعمه يحقق لها غايات عدة، يأتي على رأسها فرص السير الحثيث ببرنامجها النووي، كما أن الأزمة السورية سمحت بالاختراق العكسي من «حزب الله» لسوريا من العراق لسوريا، لوجود مسارات بديلة لاختراق سوريا أياً كان النظام المقبل. إسرائيل تعرف أن نظام الأسد حليف مميز وتعرف أيضا أنها قبل الآخرين من يحمي الجولان ويبقيه محتلاً، ومؤخراً وبعد أن أيقنت سقوط الأسد تدرك أن لا غالب ولا مغلوب يدفع لعرقنة سوريا، أي أن تمثل سوريا منهارة بلا جيش ولا بعث، وبأعلى مستوى تدميري للبنية التحتية كما يقوم الأسد بامتياز مما يولد دولة مهترئة بلا مؤسسات تشابه العراق بعد 2003م، والدول المنهارة خصوصاً العربية تحتاج أعواماً للبناء الداخلي والمناكفة بين الأطراف حول المصالح الضيقة، مما يحيد سوريا كخطر محتمل على إسرائيل.
لاعب الشطرنج الروسي لا ينسى أبدا الذي حصل له في رقعة ليبيا ومن أمام أميركا والأطلسي، وخرج من أرض حليف مهم في خاصرة دول حوض المتوسط، ثم إن الروس حاولوا استغلال بيع سوريا أكثر من مرة.
وشدد المؤلف خلال وصفه لواقع سوريا اليوم على أن البلاد تعد مطبخاً كثر طهاته، واحترقت الطبخة على أهلها، وهذا ما يصعب الحل اليوم، كما أنه يمنع طرفاً بذاته من القدرة على الحسم، مذكراً بالرسالة التي قدمها مجموعة من دبلوماسي الخارجية الأميركية بأن أي حل في سوريا بلا عمليات عسكرية هو سراب، كما شدد المؤلف على أن روسيا لاعب مهم في المشهد السوري وأن خلفاء الأسد خصوصا روسيا لا يطلبون منه شيئا، ذلك أن روسيا تنفذ ما يحلو لها وهو جزء من أجندتها الجديدة في المنطقة ملمحاً المؤلف إلى أن رمزية مفاجأة الأسد بوجود وزير الدفاع الروسي في مقر إقامته ما هي إلا دلالة بالغة على أنه بيدق على رقعة الشطرنج، تستخدمه روسيا كورقة ضغط لتكييف شكل سوريا المستقبل، مع رؤيتها معتبراً أن الموضوع السوري مغناطيساً لكل أعداء أميركا، دون أن تبذل عناء وتكلفة الحرب.
وخلص المؤلف إلى القول: إن سوريا تبقى هي المعركة الأهم في الإقليم وما يحصل فيها ينعكس على العراق ولبنان واليمن وإيران بالنتيجة، ويبدو أن تجاوز التقسيم أصبح أمراً عصياً بعد 6 سنوات قتل فيها بشار الأسد نصف مليون سوري، وشرد ما يقارب نصف الشعب، كأكبر مأساة في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، والتقسيم الثاني للدول العربية القطرية بعد السودان.



كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.