كارل لاغرفيلد يقود حركة جديدة من الفن الانطباعي في دار «فندي»

عندما يُطوع المصمم الفرو ويحوله إلى لوحات فنية

كان عرض «فندي» مسك ختام أسبوع شهد حركة ديناميكية لم نعهدها فيه منذ سنوات
كان عرض «فندي» مسك ختام أسبوع شهد حركة ديناميكية لم نعهدها فيه منذ سنوات
TT

كارل لاغرفيلد يقود حركة جديدة من الفن الانطباعي في دار «فندي»

كان عرض «فندي» مسك ختام أسبوع شهد حركة ديناميكية لم نعهدها فيه منذ سنوات
كان عرض «فندي» مسك ختام أسبوع شهد حركة ديناميكية لم نعهدها فيه منذ سنوات

لم تكن الحركة عادية في «أفينيو مونتين» مساء يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. كانت الحراسة مشددة وحركة السير مزدحمة وكأن الكل قرر أن يتوجه إلى «تياتر دي الشانزليزيه» الواقع في نهاية الشارع. كان ضيوف دار «فندي» الرومانية سبب هذا الازدحام. فقد قررت الدار أن تعود إلى عاصمة الأناقة بعد غياب نحو ثلاث سنوات لاستعراض قوتها في تصميم الفرو تحديدا. آخر عرض قدمته في باريس كان في عام 2015 وفي المكان نفسه وكأن مصممها كارل لاغرفيلد يتفاءل به أو على الأقل يريده المقر الذي يرتبط باسمها مثل ارتباط لـ«لوغران باليه» بدار «شانيل».
أقل ما يمكن أن يقال عما عرضته الدار من «هوت فورير» Haute Fourrure أنه كان مسك ختام أسبوع شهد حركة ديناميكية لم نعهدها فيه منذ سنوات. أسبوع اختزل الكثير من معاني الترف التي ترجمتها بيوت الأزياء، كل بأسلوبها ولغتها. وإذا كان مساء يوم الأربعاء الماضي ملكا لـ«فندي» فإن الأسبوع بأكمله كان ملكا لمصممها منذ أكثر من 50 عاما كارل لاغرفيلد. فقد تسلم يوم الثلاثاء وساما رفيعا من عمدة باريس أنا هيدالغو، التي لم تبخل عليه بالمديح والامتنان على ما قدمه لباريس. فلا أحد يمكن أن يُنكر دوره في الإبقاء على الأناقة فيها مشتعلة. ثم لا ننسى أنه من المصممين القلائل الذين لهم إمكانية إقامة عروضهم في أي وجهة عالمية، لكنه اختار في المقابل البقاء في باريس. فهي تحتاج إلى دعمه إثر تعرضها للهجمات الإرهابية وما تبعها من تراجع سياحي أثر على اقتصادها.
مساء الأربعاء لم يكن لاغرفيلد مجرد فارس بل قيصر، بدليل أنه بعد انتهاء عرضه لدار «فندي» اضطر أن يخرج ثلاث مرات لتحية ضيوفه.
اللافت أنه بالنسبة لمصمم أعلن سابقا رفضه مقارنة الموضة بالفن، لأنه يريد المرأة أن تستعمل كل قطعة بسهولة في حياتها اليومية، فإنه قدم فنا بكل المقاييس. وكان واضحا أنه حفز حرفيي الدار لصياغة رؤيته وتصوره للفرو لتأخذ أشكال لوحات متحركة من الفن الانطباعي.
لم يكن هناك شك بأنه استهدف أن يكون العرض أكثر من مجرد احتفال بالموضة والـ«هوت كوتير». كان يريده احتفالا بالفن الانطباعي الجديد، بالنظر إلى أن أغلب القطع تستحضر لوحات لسيزان أو كلود مونيه، مثل حديقة جيفرني أو «زهور النيلوفر» وغيرها. فقد روض الفرو وجعله طوع بنانه كما لو كان دانتيلا بتخريماته أو حريرا بنعومة ملمسه. إلى حد كبير أخذ الفرو هنا الدور نفسه الذي تلعبه الريشة والألوان بالنسبة للرسام.
التفسير الوحيد لتراجعه أو بالأحرى تناقض كلامه حول الموضة والفن وعلاقتهما ببعض، أنه يمكن استعمال كل قطعة بسهولة نظرا لخفتها. قد يكون أيضاً لأنه شعر بأنه تورط في الموسم الماضي. كان ذلك عندما قدم للدار عرضا ضخما ومُبهرا في روما على خلفية نافورة تريفي الشهيرة. كانت النافورة قد افتتحت من جديد بعد أن تولت دار «فندي» ترميمها وغني عن القول إن عرضه فيها خلف تأثيرا لا يزال صداه يتردد لحد الآن في أوساط الموضة. كان يعرف أن التوقعات كبيرة هذه المرة، وبأن عليه أن يحافظ على مستوى الإثارة نفسه إن لم يستطع الارتقاء به أكثر. وبما أن «تياتر دو الشانزليزيه»، على الرغم من ديكوراته المستمدة من الـ«آرت ديكو» وتاريخه العريق، لا يرقى لجمال النافورة الأيقونية كان الحل الوحيد أمامه أن يجعل الأزياء تعوض عن قوة المكان. كان من الضروري أن يجعلها تعبق بالدراما وتصرخ بالفنية.
وهذا ما نجح فيه إلى حد جعل ضيوفا مثل برنار أرنو، أغنى رجل في فرنسا ومالك مجموعة «إل في آم آش» يقف لعدة دقائق وهو يصفق بحرارة لتشكيلة من الصعب أن نجد أي مأخذ عليها. فمن الناحية التجارية ستجد طريقها بسهولة إلى خزانة امرأة تُقدر الترف والحرفية بأي ثمن، ومن الناحية الفنية ستُغني أرشيف الدار الرومانية لعقود من الزمن وسيعود إليها مصمميها من الأجيال القادمة، يغرفون من جمالياتها.
كانت هناك معاطف على شكل «كابات» مصنوعة من قطع صغيرة جدا من الفرو وكأنها بكسلات بألوان متنوعة، بينما طرزت بورود ثلاثية الأبعاد. مثل أعمال الفنانين الانطباعيين، كانت الطبيعة الملهم والورود البطل بلا منازع. فقد ظهرت مرة على شكل أقحوان متناثر ومرة على شكل زهرة خشخاش مزروع بحجم مثير يتحرك من الجوانب مع كل حركة أو نسمة هواء وكأنه رفرفة أجنحة فراشات. بعض الأحجام كانت كبيرة مثل «كاب» بيضاوي غطته مئات الكريات الصغيرة من الفرو بينما جاءت أخرى محددة على شكل تنوارت مستقيمة أو فساتين محددة على الجسم خفف من سُمكها لتصبح بملمس الصوف أو الحرير.
الملاحظ هنا أنه على الرغم من أن الدراما أداة مهمة يستعملها بعض المصممين خلال أسبوع الـ«هوت كوتير» فإنها في يد كارل لاغرفيلد أخذت بُعدا أقل غلوا لأنه استبعد المسرحي وأبقى فقط على مفهوم الترف.
فالكل يعرف أن موسم الـ«هوت كوتير، على العكس من موسم الأزياء الجاهزة والـ«ريزوت» ليس من الضروري أن يكون تجاريا، وإن أكد في السنوات الأخيرة أنه أصبح كذلك. فهو يحقق لكثير من بيوت الأزياء أرباحا لا يستهان بها مقارنة بغيره من القطاعات، بحيث كان هذا التحول مفاجأة سعيدة لصناع الموضة، الذين يتبارون حاليا على التفنن فيه وفي الوقت ذاته مغازلة زبونتهم الجديدة بكل الوسائل. فهذه شابة من أسواق بعيدة قد تتكلم لغة لا يفهمونها إلا أنها تفهم لغة الترف والتميز. وهذا يكفيهم لكي يربطوا معها حوارا حضاريا وأنيقا بعيد المدى.
فمن أقوال كارل لاغرفيلد عن هذه الزبونة مثلا أنه «عندما كانت تشتري الزبونة الأميركية سابقا خمس فساتين كنا نعتبرها زبونة مهمة، الآن من السهل على الزبونة أن تشتري 20 فستان خلال خمس دقائق».
لحسن الحظ أن موسم الـ«هوت كوتير» لا يزال لحد الآن مرتبطاً بالإبداع المطلق. فالبعض يشبهه بمختبر الأفكار والابتكار، من ناحية أنه يمكنهم فيه أن يشطحوا بأفكارهم ويستعرضوا خيالهم دون قيد أو رقيب، لأنهم يعرفون مُسبقا أنهم سيُروضون هذه الأفكار ويجعلونها قابلة للتسويق في موسم الأزياء الجاهزة.
بالنسبة لما قدمه كارل لاغرفيلد لدار «فندي» فإنه لم يكن اختبار أفكار بقدر ما كان قراءة في سيكولوجية المرأة ولعباً على مكامن ضعفها لكل ما هو فريد وفني.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.