سلسلة طرود بريدية تهدد مساجد في لندن بهجوم بيولوجي

ناطق باسم شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية لـ «الشرق الأوسط»: نحقق في الحادثة لمعرفة المصدر

عناصر الشرطة لدى مباشرتها التحقيق في بلاغ التهديد بهجوم بيولوجي على مركز إسلامي في لندن الثلاثاء الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر الشرطة لدى مباشرتها التحقيق في بلاغ التهديد بهجوم بيولوجي على مركز إسلامي في لندن الثلاثاء الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

سلسلة طرود بريدية تهدد مساجد في لندن بهجوم بيولوجي

عناصر الشرطة لدى مباشرتها التحقيق في بلاغ التهديد بهجوم بيولوجي على مركز إسلامي في لندن الثلاثاء الماضي («الشرق الأوسط»)
عناصر الشرطة لدى مباشرتها التحقيق في بلاغ التهديد بهجوم بيولوجي على مركز إسلامي في لندن الثلاثاء الماضي («الشرق الأوسط»)

تفاجأ عاملون في مركز إسلامي بلندن بطرد بريدي هددهم بهجمة بيولوجية، فعاشوا لحظات رعب لم تنتهِ إلا بعد حضور وحدات متخصصة من الشرطة تحققت من كامل الإجراءات.
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة من ظهر الثلاثاء الماضي، عندما تجاوز طرد بريدي عادي أرسل إلى مركز إسلامي في لندن موظفي التفتيش ليصل إلى أحد المكاتب. فتح موظف في الطابق الثالث الظرف، فوجد رسالة تهديد كتب فيها أن من لمس الورقة سيموت خلال 48 ساعة لأنها تحمل مواد بيولوجية.
«اتصل المركز بالشرطة»، يقول مسؤول المركز الذي كشف لـ«الشرق الأوسط» عن المعلومات أمس، إن الرسالة كُتِبت بالإنجليزية، وجاء فيها: «التطهير الصليبي بدأ في لندن، هذه الرسالة مليئة بالميكروبات إذا لمستها ستموت خلال 48 ساعة».
وأكد مصدر في شرطة لندن تلقي بلاغات حول تلك الرسالة، وقال إن الحادث تحقق فيه شرطة مكافحة الإرهاب، من دون أن يضيف أي تفاصيل أخرى.
وحدة مكافحة الإرهاب بشرطة شمال شرق لندن أكدت لـ«الشرق الأوسط» أنها تحقق في بلاغات مماثلة وردتها، للتأكد من مصدر التهديد.
ويسرد المسؤول تفاصيل البلاغ وتداعياته بالقول: «على الفور، وضعت الرسالة في غرفة منفصلة، وتم الاتصال بالشرطة في نحو الساعة 2:21 ظهراً، لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بعد 25 دقيقة اتصلت الشرطة وأخبرتنا أن فرقة خاصة سوف تحضر، وطلبوا غلق النوافذ والمكيفات وغلق باب الغرفة التي فتحت فيها الرسالة. وبالفعل نفذنا كل المطلوب».
وبحلول الساعة الثالثة ظهراً وصلت دفعة أولى من الشرطة. «رجل وامرأة حققا معنا، وبعد محادثات مع الجهات المختصة أخبرانا بأنه يمنع خروج أو دخول أي شخص للطابق الثالث، إلى أن تأتي الفرقة المختصة والتأكد من الرسالة ومحتوياتها». وفي الساعة 3:25 وصلت الفرقة المختصة متكونة من 3 أشخاص (رجلان وامرأة) وسيارة إسعاف، وبعد المحادثة معنا دخلوا إلى الغرفة لفحص الرسالة.
وفي الساعة 3:37 وصل شرطي ثالث برتبة عالية استفسر عن الموضوع وآخر التطورات، وبحلول الساعة 3:42 بعد الظهر خرج أحد أفراد الفرقة المختصة وأخبرنا بأنه ليس هناك خطر والموقع والمواد خالية من الإشعاعات والكيماويات والفيروسات، ونستطيع المغادرة. وعند الساعة 4:10 غادرت الفرقة المختصة بعد أن تحفظت على الرسالة، وبدأ أفراد الشرطة بالتحقيق الرسمي مع موظفي المكتب وأخذ كل المعلومات اللازمة للحادث.
وتقول وحدة مكافحة الإرهاب في شمال شرقي لندن «تلقت الشرطة عدداً من البلاغات بشأن اتصالات تليفونية وطرود بريدية مشبوهة تسلمها أصحابها في لندن خلال الأيام الماضية. وتوجه الضباط المختصون إلى العناوين التي بلغت، وفحصوا محتوى الطرود، ووجدوا أنه لا شيء منها يحتوي على مواد خطرة أو ضارة».
وتخضع تلك الحوادث لتحقيقات تجريها وحدة مكافحة الإرهاب بشمال شرقي لندن بشأن التساؤلات التي أثيرت حديثاً عن مصدر تلك الطرود. وتضيف الوحدة: «نجري تحرياتنا حالياً بشأن احتمال أن تكون تلك المكالمات متصلة بعدد من الطرود والاتصالات المشبوهة التي وردت بلاغات بخصوصها في بعض المناطق في لندن، وفي جنوب يوركشير وفي الولايات المتحدة والتي تعد جزءاً من التحريات التي تجري بالتنسيق مع وحدة مكافحة الإرهاب بجنوب شرقي لندن». يشار إلى أن منظمة «تيل ماما» المتخصصة في مكافحة الإسلاموفوبيا قالت إن المملكة المتحدة سجلت في الفترة بين مايو (أيار) 2013 ويونيو (حزيران) 2017، 167 استهدافاً لمساجد في بريطانيا، ونقلت مجلة «نيوز ستيتمان» عن المنظمة أن هناك في المتوسط حادثة واحدة ضد مسجد كل أسبوع، ويأتي هذا كله في ظل ارتفاع بنسبة 23 في المائة بجرائم الكراهية الدينية والعرقية خلال 11 شهراً، أي بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقاً لأرقام من قوات الشرطة أفرجت بعد طلب حرية الإعلام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟