استفتاء رمزي للمعارضة الفنزويلية لإحباط خطط الرئيس

إقبال كبير على التصويت لرفض إنشاء جمعية تأسيسية

فنزويليون ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الذي نظمته المعارضة في كراكاس أمس (إ.ب.أ)
فنزويليون ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الذي نظمته المعارضة في كراكاس أمس (إ.ب.أ)
TT

استفتاء رمزي للمعارضة الفنزويلية لإحباط خطط الرئيس

فنزويليون ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الذي نظمته المعارضة في كراكاس أمس (إ.ب.أ)
فنزويليون ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الذي نظمته المعارضة في كراكاس أمس (إ.ب.أ)

شارك الفنزويليون أمس في أجواء هادئة في استفتاء شعبي رمزي أجرته المعارضة بشأن مشروع الرئيس نيكولاس مادورو إنشاء جمعية تأسيسية، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المظاهرات العنيفة. وتوافد الناخبون بأعداد كبيرة للتصويت عندما فتحت مكاتب الاقتراع أبوابها بحسب الائتلاف المعارض. وقال تيبيزي ميدنيز (49 عاما) في أحد مكاتب الاقتراع جنوب شرقي كراكاس: «أعبر عن استيائي من الحكومة. لا نجد الأدوية وفي كل مرة لدينا أموال أقل لشراء المواد الغذائية. وهم يريدون فقط البقاء في السلطة ونحن نصوت ليرحلوا».
ويهدف الاستفتاء الذي يقدم على أنه «عصيان مدني» ويجري دون موافقة السلطات، إلى التعبير عن رفض الفنزويليين لمشروع الجمعية التأسيسية، حسب ما تقول المعارضة الممثلة في تحالف «طاولة الوحدة الديمقراطية». ويفيد معهد استطلاعات الرأي «داتانالايزس» بأن نحو سبعين في المائة من الفنزويليين يعارضون الجمعية التأسيسية وثمانين في المائة يدينون إدارة مادورو لبلد مشلول جزئياً ويشهد منذ أكثر من ثلاثة أشهر مظاهرات قتل فيها 95 شخصا منذ الأول من أبريل (نيسان) الماضي.
وستكون مهمة الجمعية التأسيسية التي يريد الرئيس مادورو إنشاءها وسيُنتخب أعضاؤها الـ545 في 30 يوليو (تموز) الحالي، تعديل الدستور المعمول به حاليا لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي لفنزويلا، كما يقول. ويرفض المعارضون لتيار شافيز خطة إنشاء جمعية تأسيسية ويرون في ذلك وسيلة للالتفاف على الجمعية الوطنية التي تشكل فيها المعارضة أغلبية منذ 2016.
وأول من أمس، صرحت ماريا كورينا ماشادو المسؤولة في المعارضة بأن «البلاد لن ترفض فقط الجمعية التأسيسية بل ستعطي تفويضا للمطالبة بتغيير النظام وإنهاء الديكتاتورية وبدء مرحلة انتقالية مع حكومة وحدة وطنية». وأفادت معاهد الاستطلاعات مسبقاً بأن نحو 10.5 مليون شخص من أصل 19 مليون ناخب أبدوا استعداداً للتصويت في هذا الاستفتاء الذي حظي بدعم الكنيسة الكاثوليكية والأمم المتحدة وعدة دول من أميركا اللاتينية وأوروبا والولايات المتحدة.
وقال رئيس البرلمان خوليو بورغيس خلال مؤتمر صحافي إن الاستفتاء «سيشكل علامة فارقة في هذا الكفاح لإعادة الديمقراطية إلى فنزويلا. سنثبت للعالم اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الشعب الفنزويلي قادر على تقرير مصيره». وطلب مادورو من خصومه إجراء استفتائهم في أجواء «سلمية». وقال الرئيس الذي يحظى بدعم الجيش «تريدون استعراضا دوليا (...) افعلوا ذلك لكن بسلام».
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة عن قلقه من الوضع، وقال في بيان ان «الحاجة ملحة لإجراء حوار وطني في فنزويلا بين الحكومة والمعارضة». وفي الوقت نفسه، نشرت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أرقاما عن طلبات اللجوء التي قدمها فنزويليون. فقد تزايدت في الأشهر الماضية وبلغت 52 ألف طلب مسجل منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، أي ما يفوق ضعف عدد الطلبات المقدمة العام الماضي. ودعت الحكومة الفنزويليين أمس أيضاً إلى اختبار أجهزة التصويت التي ستوزع في نهاية الشهر الحالي لهذه الانتخابات، حتى لا تترك المجال مفتوحاً للمعارضة.
وقد اندلعت الأزمة على خلفية تراجع أسعار النفط التي تؤثر منذ 2014 على الاقتصاد الذي تتأمن 95 في المائة من عملاته الصعبة من تصدير النفط. ووصل أول من أمس خمسة رؤساء سابقين من أميركا اللاتينية إلى كراكاس، للإشراف على استفتاء المعارضة بصفة «مراقبين دوليين»، كما تقول النائبة المعارضة نفسها. ولدى وصوله، رأى المكسيكي فنسنت فوكس أن استفتاء المعارضة يشكل بداية «الطريق نحو نهاية» حكومة مادورو الذي «يتعين عليه أن يدرك أنه لا أحد يريدها وأنه لا يستطيع الاستمرار في تدمير اقتصاد فنزويلا». ويرافق فوكس، الرؤساء السابقون الكولومبي أندرس باستراتا والكوستاريكيان لاورا شينشيلا وميغيل انخيل رودريغيز والبوليفي يورغي كيروغا. وفي الأسابيع الأخيرة، لمح الفريق الحكومي إلى بعض الاختلافات مع المواقف الانتقادية التي اتخذتها المدعية العامة لويزا أورتيغا، المنشقة والمهددة بمحاكمة يمكن أن تؤدي إلى إقالتها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟