أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

حول انتقائية بعض الغرب وازدواجية معاييره

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
TT

أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)

رويداً رويداً ينكشف زيف المعادلة غير الأخلاقية التي تحكم توجهات البعض في الغرب جهة الإسلام والمسلمين، ذلك أنها معادلة غير عادلة بالمطلق لا سيما، أنها تحمل بين طرفيها تناقضاً واضحاً وفاضحاً فكل اعتداء ينسب للمسلمين أو تعرض فيه الحياة البشرية أو الممتلكات الشخصية للخطر، مهما علا شأن الأمر والتهديد أو انخفض، وحتى لو لم يكن حقيقة، بل شبه حقيقية أو زعم باطل، هو بالضرورة والحتمية التاريخية ضرب من ضروب «الإرهاب الإسلامي».
وفي المقابل، فإن أي تهديد يتأتى من الرجل الأبيض لا يمكن تجاوز وصفه إلى حد أبعد من فكرة «العمل الجنائي الفردي»، الذي لا يهدد نمط الحياة الغربية أو يختصم من الأمن والسلم الدوليين.
نهار السبت الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي كانت صحيفة «إندبندنت» البريطانية تنشر دراسة قام بها معهد الأمة الأميركي للأبحاث في واشنطن، تتصل بأحوال ومآل الإرهاب في الداخل الأميركي، وبالهجمات التي تعرضت لها البلاد بنوع خاص في الفترة التي تقع ما بين عام 2008 وعام 2016، ومن الذي يقف وراءها.
كان المقطوع به بداية لدى قارئ الدراسة في الغرب الأوروبي أو الأميركي القول إن المسلمين هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن تلك الهجمات، وهو أمر يتسق مع موجات الإسلاموفوبيا الطاغية التي تعانيها البلاد في الآونة الأخيرة، وتحديداً في العقدين الماضيين.
لكن المفاجأة كانت خلف الباب، وذلك أن الدراسة أشارت إلى أن غالبية تلك الهجمات الإرهابية نفذتها جماعات متطرفة غير إسلامية، ولا علاقة لها بالإسلام من قريب أو من بعيد... على مَن تُلقي دراسة معهد الأمة الأميركي للأبحاث مسؤولية تلك العمليات الإرهابية؟
تشير الدراسة إلى مسؤولية المتطرفين اليمينيين البيض في الداخل الأميركي عن غالبيتها الكاسحة والساحقة؛ فخلال الفترة الزمنية محل البحث جرت المقادير بـ115 هجوماً، كان من بينها الحادث الذي وقع عام 2015، وأدى إلى مقتل ثلاثة في مركز لتنظيم الأسرة بولاية كولورادو، على يد الأميركي روبرت دير، والدراسة تقول إن الرجل الأبيض هو من قام بمجموع العمليات المتقدمة، وليس المسلمين في الداخل الأميركي.
أضف إلى ذلك، فقد أشارت الدراسة إلى جزئية أخرى ذات أهمية في مجال مكافحة الإرهاب أميركيّاً، وهي تتعلق بإجراءات الشرطة والتدابير الأمنية، فقد تم إحباط 76 في المائة من الحوادث ذات الدوافع الإسلامية، مقابل 35 في المائة من الحوادث المتطرفة لجهات يمينية أخرى وفق الدراسة ذاتها.
يعنّ لنا أن نتساءل: مَن الذي يروج لفكرة أن الإسلاميين هم البرابرة الجدد في الداخل الأميركي، وأن كل شرٍّ يقفون وراءه، وكل إرهاب يدعمونه ويقومون به في الحال والاستقبال؟
ربما يلزمنا الرجوع إلى شهود عدول، وشهادتهم غير مجروحة من عينة ديبا كومار، أستاذ الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة روتغرز الأميركية، ومؤلفة الكتاب الشهير، «فوبيا الإسلام والسياسية الإمبريالية».
ترى كومار أن هناك «أوبرا ضخمة» تزيف الحقائق في الداخل، ليظل الرأي العام الأميركي أسير فكرة ووهم أن العاملين في مجال إنفاذ القانون «يبقون على أميركا آمنة من حشود (الإرهابيين الإسلاميين البرابرة)» ولكن حتى بمساعدة هذا الخداع الدقيق، ونظام عدالة بأكمله يلوي عنقه لخدمة احتياجات ما يسمى الحرب على الإرهاب، لم تتمكن الحكومة الأميركية إلا من إصدار 20 عريضة اتهام سنوياً، بشأن مخططات إرهابية عنيفة... هل من قراءات موثوقة عن هذا الشأن في الداخل الأميركي؟
خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر البيانات الصادرة عن «المركز الثلاثي» الأميركي، المعني بـ«الإرهاب وأمن الوطن»، التي تبين الفجوة الضخمة بين التهديدات التي تصورها وسائل الإعلام، والكتاب الموسومين بوسم «الإسلاموفوبيا» وواقع الحال، ومن بين تلك البيانات على سبيل المثال ما يتفق مع أرقام وإحصائيات «معهد الأمة الأميركي» الأخيرة، فعلى سبيل المثال، قتل من الأميركيين في عام 2011 نحو أربعة عشر ألف شخص، لم تكن هناك حالة وفاة واحدة ناجمة عن «مخططات المسلمين الإرهابية» كما يتقولون.
مَن قتل 150 ألف أميركي؟
تبين إحدى دراسات «مركز الأمن الثلاثي» الشاملة عن المسلمين الأميركيين الذين خططوا لهجمات إما محلية أو دولية أو الذين انضموا إلى جماعات مدرَجَة على القائمة الحكومية للمنظمات الإرهابية خلال الفترة ما بين سبتمبر 2011 ومايو (أيار) 2011 ما مجموعه 172 شخصاً مشتبهاً في أنهم إرهابيون أو ارتكبوا أعمال إرهاب.
ومن أولئك، شن 11 شخصاً فقط بالفعل هجمات داخل الولايات المتحدة، وكانوا مسؤولين عن وفاة ثلاثة وثلاثين شخصاً آخرين خلال عقد من الزمان... والسؤال: ماذا عن البقية؟
من الحالات المذكورة في القائمة وعددها 172 حالة، كان تسعة وعشرون لا يزالون رهن المحاكمات وقت نشر الدراسة، وكانت ثلاث وستون حالة تنطوي على مخبر سري.
ويذكر التقرير أن الدفاع عن عملية الإيقاع بالمتهمين لم ينجح في هذه الحالات، وقد حضر أربعة وستون من الأشخاص الوارد ذكرهم في التقرير «معسكرات تدريب للإرهابيين في أفغانستان أو باكستان أو الصومال، وإن كان التقرير يوضح أن معظمهم لم يتلقوا تدريباً ميدانياً، ومن هؤلاء الأربعة والستين، عاد ثلاثون فقط إلى الولايات المتحدة».
وأخيراً يذكر التقرير أنه ما من أميركي مسلم صدرت ضده عريضة اتهام لمساعدته أو تحريضه عن علم على هجمات 11 سبتمبر، وإجمالاً قتل 11 شخصاً ترد أسماؤهم في هذه القائمة ثلاثة وثلاثين شخصاً خلال الفترة ما بين عام 2001، وعام 2011، ولكي ننظر إلى هذا من المنظور الصحيح، خلال الفترة ذاتها، حدثت مائة وخمسون ألف جريمة قتل في الولايات المتحدة الأميركية... فهل قتل المسلمون كل هؤلاء دفعة واحدة؟
من بين أهم الأسئلة التي تواجه الباحث في دائرة الشك واليقين الأميركية: مَن الذي يُروِّج لطروحات «الإسلام والمسلمين الإرهابيين» في الداخل الأميركي؟ والجواب بلا شك يتصل بطغمة معروفة من الكتاب والمذيعين والمفكرين الأميركيين، المعروفين بعدائهم التقليدي، والمصابين بـ«رهاب الإسلام» الذين يدورون في فلك جماعات المصالح المؤدلجة التي تحمل كراهية تقليدية للإسلام والمسلمين.
من بين تلك النماذج يمكننا الحديث عن الكتب العنصرية التي صدرت في أميركا خلال العقد الماضي، مثل كتاب «عندما نامت أميركا... كيف يهدم الإسلام المتطرف الغرب من داخله»، للكاتب الأميركي بروس باور، والكتاب تمتلئ صفحاته بالأكاذيب والمغالطات التي تؤكد جهل المؤلف بأبسط تعاليم الإسلام وسلوكياته، وتضعه ضمن أكثر المتطرفين في عدائه للمسلمين، فعبر صفحات الكتاب نجده يقارن في تحريض خبيث للغرب ضد المسلمين، بين الإسلام والنازية، غير أنه وبينما يلقى الكتاب تقديراً وإعجاباً من عدد من المرضى بنفس داء المؤلف، فقد لقي في نفس الوقت هجوماً حاداً من أعداد كبيرة من المثقفين والمؤرخين الأميركيين والأوروبيين المحايدين الذين يحترمون علمهم بسبب هذه المخالفات التي أوردها المؤلف.
كتاب آخر عنوانه «أميركا تقف وحدها: نهاية العالم كما نعرف»، للمؤلف والصحافي اليهودي مارك ستاين، يردد فيه أيضاً نفس النغمة النشاز التي تماثل الكتاب السابق، لكنه لا يكتفي بانتقاده للمسلمين بل يوجه هجوماً حاداً للأوروبيين الذين تركوا - على حد زعمه -الولايات المتحدة تقف وحدها في حربها ضد الإرهاب ولم يفهموا أن مصالحهم تقتضى التحالف مع الأميركيين في هذه الحرب.
وإلى أبعد من ذلك يذهب ستاين، إذ يرى أن العداء للأميركيين كما يشتعل بين جماعات المسلمين المتطرفين حسب وصفه، فهو قائم أيضاً بين المثقفين الأوروبيين، وقدر أميركا أن تقف بمفردها في هذه الحرب، ويكمل بأنه من المتوقع أن ينقسم العالم بين المؤيدين لأميركا والآخرين، لكن المؤكد لديه أن أميركا سوف تنتصر في النهاية.
ولعل المثير هنا هو أن كتاب ستاين عندما صدر كان من أكثر الكتب مبيعاً وانتشاراً، واستُقبِل بحفاوة بالغة من النقاد، بما يؤكد أن أكاذيبه وعنصريته تلقى استجابة من بعض القراء في أوروبا وأميركا ممن ينتمون إلى اليمين المتطرف المعادي للإسلام، وكأن هؤلاء يتعامون عن الخطر الحقيقي الذي يعيش بين جدران إمبراطوريتهم المنفلتة بحسب المؤرخ الكبير بول كيندي.
ومن مزايا الدراسة التي صدرت عن «معهد الأمة الأميركي» للأبحاث أنها تفتح عيون الأميركيين والمسلمين، وبقية شعوب العالم على حقائق معروفة للجميع، غير أن ذاكرة العوام لا تزيد عن ثلاثة أعوام، ولهذا ربما يجدر التذكير بها من جديد.
الدراسة تؤكد أن غالبية الهجمات الإرهابية التي شهدتها أميركا من 2008 إلى 2016 هي قصة تحتاج لقراءة موسعة قائمة بذاتها، ولكن هذا لا يمنع من إضاءات سريعة بشأنها.
على سبيل المثال سوف يبقى 19 أبريل عام 1995 شاهداً على الحقيقة التي يغمض كثير من الأميركيين أعينهم عنها، ففي ذلك النهار الأسود قام الشاب الأميركي الأبيض تيموثي ماكفاي بعملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما، راح ضحيتها نحو 168 شخصاً أميركياً، وذلك عندما فخخ شاحنة مليئة بالمتفجرات في المبنى الفيدرالي للمدينة، وكان ماكفاي قد اختار توقيت انفجار الشاحنة مع ذكرى المواجهة المسلحة التي وقعت بين الشرطة الأميركية، ومجموعة «ديفيد كورش» المتطرف اليميني، الذي قتل على يد الشرطة الأميركية عام 1993... هل ارتفعت أصوات تندد بجرائم الرجل الأبيض وتنذر وتحذر من التطرف اليميني الأميركي وقبل سبتمبر 2001 بكثير؟
الشاهد أنه يحسب للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أنه كان ذلك الشخص الذي وضع الأميركيين أمام الحقيقة عارية دون تزييف أو تدليس.
في أعقاب تلك الحادثة قال كلينتون إن عملية ماكفاي إنما جاءت تتويجاً لمجموعة من العمليات الإرهابية التي بدأت تشنها مجموعات متطرفة منذ مطلع العقد التاسع من القرن الماضي. ولدى سؤال كلينتون عن المزاج العام للتنظيمات الأميركية المتطرفة وقتها مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة عقود قال: «بات لدينا الآن عدد كبير من التنظيمات، وهي تعرض أفكارها اليوم بشكل واسع، وتعتبر أن الخلافات السياسية الحالية هي مقدمات لحرب أهلية».
ومن منتصف التسعينات حتى الآن جرت مياه كثيرة في مياه التطرف اليميني الأميركي.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».