أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

حول انتقائية بعض الغرب وازدواجية معاييره

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
TT

أميركا: محنة المسلم البريء مع اليمين المتطرف

نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)
نفذ تيموثي ماكفاي في 1995 عملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما راح ضحيتها نحو 168 شخصاً («الشرق الأوسط»)

رويداً رويداً ينكشف زيف المعادلة غير الأخلاقية التي تحكم توجهات البعض في الغرب جهة الإسلام والمسلمين، ذلك أنها معادلة غير عادلة بالمطلق لا سيما، أنها تحمل بين طرفيها تناقضاً واضحاً وفاضحاً فكل اعتداء ينسب للمسلمين أو تعرض فيه الحياة البشرية أو الممتلكات الشخصية للخطر، مهما علا شأن الأمر والتهديد أو انخفض، وحتى لو لم يكن حقيقة، بل شبه حقيقية أو زعم باطل، هو بالضرورة والحتمية التاريخية ضرب من ضروب «الإرهاب الإسلامي».
وفي المقابل، فإن أي تهديد يتأتى من الرجل الأبيض لا يمكن تجاوز وصفه إلى حد أبعد من فكرة «العمل الجنائي الفردي»، الذي لا يهدد نمط الحياة الغربية أو يختصم من الأمن والسلم الدوليين.
نهار السبت الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي كانت صحيفة «إندبندنت» البريطانية تنشر دراسة قام بها معهد الأمة الأميركي للأبحاث في واشنطن، تتصل بأحوال ومآل الإرهاب في الداخل الأميركي، وبالهجمات التي تعرضت لها البلاد بنوع خاص في الفترة التي تقع ما بين عام 2008 وعام 2016، ومن الذي يقف وراءها.
كان المقطوع به بداية لدى قارئ الدراسة في الغرب الأوروبي أو الأميركي القول إن المسلمين هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن تلك الهجمات، وهو أمر يتسق مع موجات الإسلاموفوبيا الطاغية التي تعانيها البلاد في الآونة الأخيرة، وتحديداً في العقدين الماضيين.
لكن المفاجأة كانت خلف الباب، وذلك أن الدراسة أشارت إلى أن غالبية تلك الهجمات الإرهابية نفذتها جماعات متطرفة غير إسلامية، ولا علاقة لها بالإسلام من قريب أو من بعيد... على مَن تُلقي دراسة معهد الأمة الأميركي للأبحاث مسؤولية تلك العمليات الإرهابية؟
تشير الدراسة إلى مسؤولية المتطرفين اليمينيين البيض في الداخل الأميركي عن غالبيتها الكاسحة والساحقة؛ فخلال الفترة الزمنية محل البحث جرت المقادير بـ115 هجوماً، كان من بينها الحادث الذي وقع عام 2015، وأدى إلى مقتل ثلاثة في مركز لتنظيم الأسرة بولاية كولورادو، على يد الأميركي روبرت دير، والدراسة تقول إن الرجل الأبيض هو من قام بمجموع العمليات المتقدمة، وليس المسلمين في الداخل الأميركي.
أضف إلى ذلك، فقد أشارت الدراسة إلى جزئية أخرى ذات أهمية في مجال مكافحة الإرهاب أميركيّاً، وهي تتعلق بإجراءات الشرطة والتدابير الأمنية، فقد تم إحباط 76 في المائة من الحوادث ذات الدوافع الإسلامية، مقابل 35 في المائة من الحوادث المتطرفة لجهات يمينية أخرى وفق الدراسة ذاتها.
يعنّ لنا أن نتساءل: مَن الذي يروج لفكرة أن الإسلاميين هم البرابرة الجدد في الداخل الأميركي، وأن كل شرٍّ يقفون وراءه، وكل إرهاب يدعمونه ويقومون به في الحال والاستقبال؟
ربما يلزمنا الرجوع إلى شهود عدول، وشهادتهم غير مجروحة من عينة ديبا كومار، أستاذ الدراسات الإعلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة روتغرز الأميركية، ومؤلفة الكتاب الشهير، «فوبيا الإسلام والسياسية الإمبريالية».
ترى كومار أن هناك «أوبرا ضخمة» تزيف الحقائق في الداخل، ليظل الرأي العام الأميركي أسير فكرة ووهم أن العاملين في مجال إنفاذ القانون «يبقون على أميركا آمنة من حشود (الإرهابيين الإسلاميين البرابرة)» ولكن حتى بمساعدة هذا الخداع الدقيق، ونظام عدالة بأكمله يلوي عنقه لخدمة احتياجات ما يسمى الحرب على الإرهاب، لم تتمكن الحكومة الأميركية إلا من إصدار 20 عريضة اتهام سنوياً، بشأن مخططات إرهابية عنيفة... هل من قراءات موثوقة عن هذا الشأن في الداخل الأميركي؟
خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر البيانات الصادرة عن «المركز الثلاثي» الأميركي، المعني بـ«الإرهاب وأمن الوطن»، التي تبين الفجوة الضخمة بين التهديدات التي تصورها وسائل الإعلام، والكتاب الموسومين بوسم «الإسلاموفوبيا» وواقع الحال، ومن بين تلك البيانات على سبيل المثال ما يتفق مع أرقام وإحصائيات «معهد الأمة الأميركي» الأخيرة، فعلى سبيل المثال، قتل من الأميركيين في عام 2011 نحو أربعة عشر ألف شخص، لم تكن هناك حالة وفاة واحدة ناجمة عن «مخططات المسلمين الإرهابية» كما يتقولون.
مَن قتل 150 ألف أميركي؟
تبين إحدى دراسات «مركز الأمن الثلاثي» الشاملة عن المسلمين الأميركيين الذين خططوا لهجمات إما محلية أو دولية أو الذين انضموا إلى جماعات مدرَجَة على القائمة الحكومية للمنظمات الإرهابية خلال الفترة ما بين سبتمبر 2011 ومايو (أيار) 2011 ما مجموعه 172 شخصاً مشتبهاً في أنهم إرهابيون أو ارتكبوا أعمال إرهاب.
ومن أولئك، شن 11 شخصاً فقط بالفعل هجمات داخل الولايات المتحدة، وكانوا مسؤولين عن وفاة ثلاثة وثلاثين شخصاً آخرين خلال عقد من الزمان... والسؤال: ماذا عن البقية؟
من الحالات المذكورة في القائمة وعددها 172 حالة، كان تسعة وعشرون لا يزالون رهن المحاكمات وقت نشر الدراسة، وكانت ثلاث وستون حالة تنطوي على مخبر سري.
ويذكر التقرير أن الدفاع عن عملية الإيقاع بالمتهمين لم ينجح في هذه الحالات، وقد حضر أربعة وستون من الأشخاص الوارد ذكرهم في التقرير «معسكرات تدريب للإرهابيين في أفغانستان أو باكستان أو الصومال، وإن كان التقرير يوضح أن معظمهم لم يتلقوا تدريباً ميدانياً، ومن هؤلاء الأربعة والستين، عاد ثلاثون فقط إلى الولايات المتحدة».
وأخيراً يذكر التقرير أنه ما من أميركي مسلم صدرت ضده عريضة اتهام لمساعدته أو تحريضه عن علم على هجمات 11 سبتمبر، وإجمالاً قتل 11 شخصاً ترد أسماؤهم في هذه القائمة ثلاثة وثلاثين شخصاً خلال الفترة ما بين عام 2001، وعام 2011، ولكي ننظر إلى هذا من المنظور الصحيح، خلال الفترة ذاتها، حدثت مائة وخمسون ألف جريمة قتل في الولايات المتحدة الأميركية... فهل قتل المسلمون كل هؤلاء دفعة واحدة؟
من بين أهم الأسئلة التي تواجه الباحث في دائرة الشك واليقين الأميركية: مَن الذي يُروِّج لطروحات «الإسلام والمسلمين الإرهابيين» في الداخل الأميركي؟ والجواب بلا شك يتصل بطغمة معروفة من الكتاب والمذيعين والمفكرين الأميركيين، المعروفين بعدائهم التقليدي، والمصابين بـ«رهاب الإسلام» الذين يدورون في فلك جماعات المصالح المؤدلجة التي تحمل كراهية تقليدية للإسلام والمسلمين.
من بين تلك النماذج يمكننا الحديث عن الكتب العنصرية التي صدرت في أميركا خلال العقد الماضي، مثل كتاب «عندما نامت أميركا... كيف يهدم الإسلام المتطرف الغرب من داخله»، للكاتب الأميركي بروس باور، والكتاب تمتلئ صفحاته بالأكاذيب والمغالطات التي تؤكد جهل المؤلف بأبسط تعاليم الإسلام وسلوكياته، وتضعه ضمن أكثر المتطرفين في عدائه للمسلمين، فعبر صفحات الكتاب نجده يقارن في تحريض خبيث للغرب ضد المسلمين، بين الإسلام والنازية، غير أنه وبينما يلقى الكتاب تقديراً وإعجاباً من عدد من المرضى بنفس داء المؤلف، فقد لقي في نفس الوقت هجوماً حاداً من أعداد كبيرة من المثقفين والمؤرخين الأميركيين والأوروبيين المحايدين الذين يحترمون علمهم بسبب هذه المخالفات التي أوردها المؤلف.
كتاب آخر عنوانه «أميركا تقف وحدها: نهاية العالم كما نعرف»، للمؤلف والصحافي اليهودي مارك ستاين، يردد فيه أيضاً نفس النغمة النشاز التي تماثل الكتاب السابق، لكنه لا يكتفي بانتقاده للمسلمين بل يوجه هجوماً حاداً للأوروبيين الذين تركوا - على حد زعمه -الولايات المتحدة تقف وحدها في حربها ضد الإرهاب ولم يفهموا أن مصالحهم تقتضى التحالف مع الأميركيين في هذه الحرب.
وإلى أبعد من ذلك يذهب ستاين، إذ يرى أن العداء للأميركيين كما يشتعل بين جماعات المسلمين المتطرفين حسب وصفه، فهو قائم أيضاً بين المثقفين الأوروبيين، وقدر أميركا أن تقف بمفردها في هذه الحرب، ويكمل بأنه من المتوقع أن ينقسم العالم بين المؤيدين لأميركا والآخرين، لكن المؤكد لديه أن أميركا سوف تنتصر في النهاية.
ولعل المثير هنا هو أن كتاب ستاين عندما صدر كان من أكثر الكتب مبيعاً وانتشاراً، واستُقبِل بحفاوة بالغة من النقاد، بما يؤكد أن أكاذيبه وعنصريته تلقى استجابة من بعض القراء في أوروبا وأميركا ممن ينتمون إلى اليمين المتطرف المعادي للإسلام، وكأن هؤلاء يتعامون عن الخطر الحقيقي الذي يعيش بين جدران إمبراطوريتهم المنفلتة بحسب المؤرخ الكبير بول كيندي.
ومن مزايا الدراسة التي صدرت عن «معهد الأمة الأميركي» للأبحاث أنها تفتح عيون الأميركيين والمسلمين، وبقية شعوب العالم على حقائق معروفة للجميع، غير أن ذاكرة العوام لا تزيد عن ثلاثة أعوام، ولهذا ربما يجدر التذكير بها من جديد.
الدراسة تؤكد أن غالبية الهجمات الإرهابية التي شهدتها أميركا من 2008 إلى 2016 هي قصة تحتاج لقراءة موسعة قائمة بذاتها، ولكن هذا لا يمنع من إضاءات سريعة بشأنها.
على سبيل المثال سوف يبقى 19 أبريل عام 1995 شاهداً على الحقيقة التي يغمض كثير من الأميركيين أعينهم عنها، ففي ذلك النهار الأسود قام الشاب الأميركي الأبيض تيموثي ماكفاي بعملية إرهابية في مدينة أوكلاهوما، راح ضحيتها نحو 168 شخصاً أميركياً، وذلك عندما فخخ شاحنة مليئة بالمتفجرات في المبنى الفيدرالي للمدينة، وكان ماكفاي قد اختار توقيت انفجار الشاحنة مع ذكرى المواجهة المسلحة التي وقعت بين الشرطة الأميركية، ومجموعة «ديفيد كورش» المتطرف اليميني، الذي قتل على يد الشرطة الأميركية عام 1993... هل ارتفعت أصوات تندد بجرائم الرجل الأبيض وتنذر وتحذر من التطرف اليميني الأميركي وقبل سبتمبر 2001 بكثير؟
الشاهد أنه يحسب للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أنه كان ذلك الشخص الذي وضع الأميركيين أمام الحقيقة عارية دون تزييف أو تدليس.
في أعقاب تلك الحادثة قال كلينتون إن عملية ماكفاي إنما جاءت تتويجاً لمجموعة من العمليات الإرهابية التي بدأت تشنها مجموعات متطرفة منذ مطلع العقد التاسع من القرن الماضي. ولدى سؤال كلينتون عن المزاج العام للتنظيمات الأميركية المتطرفة وقتها مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة عقود قال: «بات لدينا الآن عدد كبير من التنظيمات، وهي تعرض أفكارها اليوم بشكل واسع، وتعتبر أن الخلافات السياسية الحالية هي مقدمات لحرب أهلية».
ومن منتصف التسعينات حتى الآن جرت مياه كثيرة في مياه التطرف اليميني الأميركي.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.