العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
TT

العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)

يحتّم انحسار النفوذ الداعشي في كل من الموصل والرقّة، وبدء انهيار التنظيم النظر إلى ما بعد ذلك، وما سيؤول إليه مصير المقاتلين الأجانب الذين قد يستحيل أعداد منهم إلى قنابل موقوتة قد تتفجر في مكانٍ ووقتٍ مباغت. هذا الأمر يتطلب النظر في مرحلة ما بعد «داعش» مما قد يشكل أزمة فعلية ليست بجديدة إذ تأتي على نسق ما حدث في أعقاب عام 1979، أي في مرحلة ما بعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حين واجه العالم معضلة عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم مما انبثق منه أشخاص متشددون شكلوا تنظيمات وجماعات إرهابية كثيرة في مناطق متشعبة من العالم كتنظيم القاعدة وجماعة أبو سياف في الفلبين.
وفي سياق مماثل لمرحلة تية تشكل تنظيم داعش نتيجة انشقاق جزء من أعضاء انتموا في السابق لتنظيم القاعدة الأب ليخرجوا عن عباءته ويتفوقوا عليه بطشاً وعنفاً وقدرةً على استغلال التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي لصالحه. وكأن كل تنظيم أو تجربة قتالية متطرفة ينتج عنها تنظيم آخر أكثر تطوراً.
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية التي أدت إلى ممارسات عنيفة نجمت عن التحولات الجيوسياسية وثورة التقنية والعولمة، مما أعطى للمقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع انسيابية وقدرة أعمق على التواصل مع الجماعات والتنظيمات في كثير من البقاع في العالم، ليشكل ذلك تهديداً فعلياً يعيق محاولات إرساء السلام والأمني الدولي.
ويصعب تمييز حجم التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب في مناطق النزاع مع استحالة إيجاد إحصائيات دقيقة لأعدادهم في كل من العراق وسوريا. وتظهر أبرز إحصائيات تم تداولها إعلاميا في عام 2016، تقديراً لعدد المقاتلين الأجانب المشاركين في مناطق النزاع منذ عام 2011 ما يتراوح بين 27 و31 ألف مقاتل أجنبي ويحملون جنسيات متعددة ما بين عربية وأوروبية وأخرى آسيوية. الأمر الذي أثر على الطبيعة الديموغرافية وتسبب بتهجير وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين من جهة، وأوجد طفرة في المقاتلين الأجانب الذين بدأوا بالتدفق إلى أماكن أخرى هربا من عمليات استهدافهم.
وقد عاد نحو 30 في المائة من هؤلاء المقاتلين إلى أوطانهم منذ عام 2016. ويقابل ذلك أعداد كبيرة ممن قتل بغارات وهجمات من قبل القوات الأميركية وقوات التحالف بعد استهداف أماكن تمركزهم، فيما نزح آخرون إلى مدن أخرى بدءاً بالموصل ومروراً بالرقة، وانتهاءً فيما بعد إلى انتقال أعداد أخرى إلى دير الزور شرق سوريا على الحدود العراقية بحثاً عن ملاذ آمن بعد أن تم تدمير مناطق تركز الداعشيين في الموصل والرقة، وإن اعتبر وجودهم في دير الزور حلاً مؤقتاً لأعضاء التنظيم المكوث فيه، إذ من السهل استهدافهم فيما بعد من قبل القوات الدولية.
ويشكل تضييق الخناق على أعضاء تنظيم داعش ورطة فعلية لأعضائه وخيارات صعبة أكثرها احتداماً اختيار الاستمرار في مناطق النزاع فيما يبدو كمحاولة مستميتة للصمود والتصميم إما على البقاء أو الموت من أجل تحقيق الغاية المنشودة للتنظيم. مثل هذا الخيار في الأغلب لمن لم يضع أي احتمال للعودة إلى دول أخرى خارج مناطق النزاع خوفاً من مواجهة الاعتقال والمحاكمة.
مثل هذه الخيارات المصيرية تكون لقادة التنظيم الذين يدركون استحالة عودتهم إلى أوطانهم سواء نتيجة قناعاتهم المترسخة التي من الصعب تغييرها، أو معرفتهم بحجم الفظائع والجرائم الإرهابية المرتكبة على أيديهم، بالأخص القياديين المطلوبين أمنياً إما في دولهم أو من خلال قائمة المطلوبين عبر مجلس الأمن.
وقد اقترن في حالات كثيرة مدى انتماء المتطرف بالتنظيم بالفترة الزمنية التي قضاها ومسيرته فيها وطبيعة الأعمال التي مارسها، وإن اشتهر تنظيم داعش بإعطائه المقاتلين بمختلف جنسياتهم مهام ميدانية وقتالية، فيما كانت في تنظيمات أكثر تقليدية كـ«القاعدة» حكراً على شخصيات معينة وجنسيات معينة كتفضيلهم للمقاتلين العرب وإعطائهم صلاحيات أكثر. بينما قد ظهر حرص كبير من قبل تنظيم داعش على توسيع دائرة الاستقطاب من أجل الحصول على شبكة دولية، ويظهر ذلك عبر حرصه منذ بداية الغارات الجوية على نقل المقاتلين الأجانب من جنسيات غير عربية من الرقة إلى دير الزور أولاً وقبل المقاتلين العرب، ليتم الاستفادة منهم في حال عودتهم إلى أوطانهم في نشر خلايا نائمة وتحقيق جرائم إرهابية، وفي حال انتقالهم إلى مناطق نزاع أخرى كاليمن وليبيا يتم الاستفادة من تنوعهم لاستقطاب المزيد.
وتعد محاولة الانتقال إلى مناطق نزاع أخرى الخيار الأفضل لمقاتلي «داعش»، إذ يعطيهم أملاً في إيجاد بقعة جديدة كمقر لهم، لا سيما مع استحالة عودة أعداد منهم إلى أوطانهم. وقد ترتبط استمرارية التنظيم بقدرته إيجاد مكان آخر يتمكن فيه من مد نفوذه. فيما فضل عدد كبير من المقاتلين الأجانب هجر الموصل في أعقاب استهدافها عبر هجمات وغارات جوية، وعبر عدد كبير منهم الحدود مروراً بتركيا حيث تم التواصل مع سفاراتهم بحثاً عن سبيل للعودة إلى أوطانهم. وهنا تواجه السلطات المحلية لكل دولة معضلة استقبال المتطرفين كمواطنين مرة أخرى وسبل التعامل معهم. لا سيما مع تفاوت أسباب الانضمام للتنظيم بما فيها مَن تعرَّض للتهديد أو التغرير دون وجود اقتناع فعلي بسلوكياتهم، أو من يحمل رغبة حقيقية في العودة لممارسة حياة طبيعية مستقرة بعيداً عن العنف ومناطق النزاع.
ويقابل ذلك مواجهة هذه الدول لأشخاص قد يمتلكون من الغضب والتطرف أوجه إذ هناك أبناء للمقاتلين تربوا ليصبحوا جيلاً نشأ على العنف والتوحش. إضافة إلى امتلاكهم الخبرة العملية والقدرة على استخدام الأسلحة ما يشكل خطورة فعلية تتضافر مع إمكاناتهم في التواصل مع متطرفين آخرين في مناطق مختلفة من العالم. فيما تأتي من مثل هذه التجارب القتالية ما يعطي المشاركين فيها شرعية وصيتاً كمناضلين مخضرمين يتفوقون على المتطرفين الآخرين تجربة وخبرة.
وحذرت وكالة العدل الأوروبية (يوروجست) في تقرير لها من المخاطر الناجمة عن عودة أسر المتطرفين الأوروبيين الموجودين في مناطق النزاع في كل من سوريا والعراق. وأفادت بأنه يتعين على السلطات في كل دولة تقدير مدى خطورة كل فرد من العائدين على حدة. مثل هذه الحيثيات تحتم ضرورة النظر في أسباب انضمام المقاتلين الأجانب إلى التنظيم وإن تمت أدلجتهم دينياً وتقمصهم للقناعات الداعشية أم أن لديهم قابلية للانصهار في المجتمع.
فقد امتاز التنظيم منذ بدايته بقدرته على التغلغل والتواصل الإلكتروني بدهاء وأسلوب يختلف حسب توجهات وميول المستهدفين وبأسلوب قادر على التأثير النفسي، مما جعل مسببات الانضمام للتنظيم لم تعد حكراً على الإيمان بمعتقدات دينية معينة كما في السابق وعلى غرار التنظيمات الأخرى الأكثر تقليدية. إذ تفشى في الآونة الأخيرة الانضمام إلى التنظيمات بأسباب وجودية هرباً من ضغوط اجتماعية معينة أو بحثا عن الإثارة وروح المغامرة. الأمر الذي وإن كان يسهل من قابلية تغيير التوجهات المتطرفة للشخص لدى عودته إلى بلاده، إذ تدلل مثل هذه المسببات لانضمامه على عدم أدلجته التامة كما يحدث مع من يمتلك القناعة الدينية المتشددة، إلا أن البحث عن الإثارة أو الأسباب الاجتماعية تعطي مثل هذا المقاتل دافعا آخر للبحث والانضمام لتنظيمات أخرى مشابهة، من أجل إيجاد تلك البيئة الحاضنة له، التي تتلاشى فيها الفروقات الاجتماعية، لا سيما نتيجة تعرض الداعشيين للتلقين المستمر الناتج عن الحملات الدعائية الداعشية والدروس الدينية والفكرية المتطرفة المكثفة التي يصعب اجتثاثها من أعماق المتعرضين لها. ويتسبب ذلك بضرورة معرفة مدى إمكانية القدرة على إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب إثر عودتهم إلى أوطانهم، إذ لا بد أن تجربة الانغماس بتنظيم إرهابي ينجم عنها ضغوطات وتراكمات نفسية قد تتسبب بانعزال الأفراد وشعوره بالاضطهاد وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع بعد تقمص ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر، مما يؤدي إلى وجود قابلية قوية للانضمام لتنظيمات أو جماعات متطرفة أخرى تعيد لهم الألفة والحياة التي اعتادوا عليها. وتزيد القابلية للتطرف مرة أخرى في المجتمعات التي يواجه أفرادها فروقات كبيرة في طبيعة المجتمع كالمسلمين في الدول الأوروبية بالأخص مع تصاعد الإسلاموفوبيا، والشعور بالغربة داخل أوطانهم نتيجة اختلافهم عن بقية المجتمع وصعوبة اندماجهم فيه. ويتوجب النظر في القدرة على إعادة تأهيل العائدين إلى أوطانهم من مناطق النزاع ودمجهم بالمجتمع، واكتشاف من لديه قابلية على الاستمرار في التطرف أو حتى إنشاء خلايا نائمة تشكل تهديداً جديداً قد يحيلهم إلى جماعات متطرفة محلية، أو يتم استغلال قدرتهم على التواصل مع التنظيمات الدولية ليصبحوا بمثابة حلقات وصل ما بينهم وبين المتطرفين المحليين. إذ من السهل أن يتم انتقال قدرات وطاقات المقاتلين الأجانب إلى تنظيم آخر بديل أكثر قوة وقدرة على السيطرة.
من الضروري أن تعنى الدول برعاياها من المقاتلين الأجانب العائدين من مناطق النزاع، وتتقبلهم برحابة صدر وسعي في إعادة تأهيلهم، لا سيما أنهم يشكلون خطورة فعلية بامتلاكهم قدرات قتالية وخلفية آيديولوجية متطرفة وقدرة على التواصل مع متطرفين آخرين بشبكات خفية وطرق متشعبة للاستقطاب والتجنيد. لا سيما أنه لا تزال هناك بيئة خصبة تستقطب المتطرفين، في ظل وجود أسباب تستلهم العاطفة وتشعل الطائفية إضافة إلى الوضع المتردي في كثير من مناطق النزاع، كسوريا والعراق واليمن، وهشاشة الوضع الأمني والسياسي فيها.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».