العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
TT

العالم يتحسب من خطورة المقاتلين الأجانب بعد «داعش»

يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية لدى المقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع («الشرق الأوسط»)

يحتّم انحسار النفوذ الداعشي في كل من الموصل والرقّة، وبدء انهيار التنظيم النظر إلى ما بعد ذلك، وما سيؤول إليه مصير المقاتلين الأجانب الذين قد يستحيل أعداد منهم إلى قنابل موقوتة قد تتفجر في مكانٍ ووقتٍ مباغت. هذا الأمر يتطلب النظر في مرحلة ما بعد «داعش» مما قد يشكل أزمة فعلية ليست بجديدة إذ تأتي على نسق ما حدث في أعقاب عام 1979، أي في مرحلة ما بعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حين واجه العالم معضلة عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم مما انبثق منه أشخاص متشددون شكلوا تنظيمات وجماعات إرهابية كثيرة في مناطق متشعبة من العالم كتنظيم القاعدة وجماعة أبو سياف في الفلبين.
وفي سياق مماثل لمرحلة تية تشكل تنظيم داعش نتيجة انشقاق جزء من أعضاء انتموا في السابق لتنظيم القاعدة الأب ليخرجوا عن عباءته ويتفوقوا عليه بطشاً وعنفاً وقدرةً على استغلال التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي لصالحه. وكأن كل تنظيم أو تجربة قتالية متطرفة ينتج عنها تنظيم آخر أكثر تطوراً.
يواجه العالم تحدي التطرف وثقافة الكراهية التي أدت إلى ممارسات عنيفة نجمت عن التحولات الجيوسياسية وثورة التقنية والعولمة، مما أعطى للمقاتلين المتطرفين بعد عودتهم من مناطق الصراع انسيابية وقدرة أعمق على التواصل مع الجماعات والتنظيمات في كثير من البقاع في العالم، ليشكل ذلك تهديداً فعلياً يعيق محاولات إرساء السلام والأمني الدولي.
ويصعب تمييز حجم التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب في مناطق النزاع مع استحالة إيجاد إحصائيات دقيقة لأعدادهم في كل من العراق وسوريا. وتظهر أبرز إحصائيات تم تداولها إعلاميا في عام 2016، تقديراً لعدد المقاتلين الأجانب المشاركين في مناطق النزاع منذ عام 2011 ما يتراوح بين 27 و31 ألف مقاتل أجنبي ويحملون جنسيات متعددة ما بين عربية وأوروبية وأخرى آسيوية. الأمر الذي أثر على الطبيعة الديموغرافية وتسبب بتهجير وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين من جهة، وأوجد طفرة في المقاتلين الأجانب الذين بدأوا بالتدفق إلى أماكن أخرى هربا من عمليات استهدافهم.
وقد عاد نحو 30 في المائة من هؤلاء المقاتلين إلى أوطانهم منذ عام 2016. ويقابل ذلك أعداد كبيرة ممن قتل بغارات وهجمات من قبل القوات الأميركية وقوات التحالف بعد استهداف أماكن تمركزهم، فيما نزح آخرون إلى مدن أخرى بدءاً بالموصل ومروراً بالرقة، وانتهاءً فيما بعد إلى انتقال أعداد أخرى إلى دير الزور شرق سوريا على الحدود العراقية بحثاً عن ملاذ آمن بعد أن تم تدمير مناطق تركز الداعشيين في الموصل والرقة، وإن اعتبر وجودهم في دير الزور حلاً مؤقتاً لأعضاء التنظيم المكوث فيه، إذ من السهل استهدافهم فيما بعد من قبل القوات الدولية.
ويشكل تضييق الخناق على أعضاء تنظيم داعش ورطة فعلية لأعضائه وخيارات صعبة أكثرها احتداماً اختيار الاستمرار في مناطق النزاع فيما يبدو كمحاولة مستميتة للصمود والتصميم إما على البقاء أو الموت من أجل تحقيق الغاية المنشودة للتنظيم. مثل هذا الخيار في الأغلب لمن لم يضع أي احتمال للعودة إلى دول أخرى خارج مناطق النزاع خوفاً من مواجهة الاعتقال والمحاكمة.
مثل هذه الخيارات المصيرية تكون لقادة التنظيم الذين يدركون استحالة عودتهم إلى أوطانهم سواء نتيجة قناعاتهم المترسخة التي من الصعب تغييرها، أو معرفتهم بحجم الفظائع والجرائم الإرهابية المرتكبة على أيديهم، بالأخص القياديين المطلوبين أمنياً إما في دولهم أو من خلال قائمة المطلوبين عبر مجلس الأمن.
وقد اقترن في حالات كثيرة مدى انتماء المتطرف بالتنظيم بالفترة الزمنية التي قضاها ومسيرته فيها وطبيعة الأعمال التي مارسها، وإن اشتهر تنظيم داعش بإعطائه المقاتلين بمختلف جنسياتهم مهام ميدانية وقتالية، فيما كانت في تنظيمات أكثر تقليدية كـ«القاعدة» حكراً على شخصيات معينة وجنسيات معينة كتفضيلهم للمقاتلين العرب وإعطائهم صلاحيات أكثر. بينما قد ظهر حرص كبير من قبل تنظيم داعش على توسيع دائرة الاستقطاب من أجل الحصول على شبكة دولية، ويظهر ذلك عبر حرصه منذ بداية الغارات الجوية على نقل المقاتلين الأجانب من جنسيات غير عربية من الرقة إلى دير الزور أولاً وقبل المقاتلين العرب، ليتم الاستفادة منهم في حال عودتهم إلى أوطانهم في نشر خلايا نائمة وتحقيق جرائم إرهابية، وفي حال انتقالهم إلى مناطق نزاع أخرى كاليمن وليبيا يتم الاستفادة من تنوعهم لاستقطاب المزيد.
وتعد محاولة الانتقال إلى مناطق نزاع أخرى الخيار الأفضل لمقاتلي «داعش»، إذ يعطيهم أملاً في إيجاد بقعة جديدة كمقر لهم، لا سيما مع استحالة عودة أعداد منهم إلى أوطانهم. وقد ترتبط استمرارية التنظيم بقدرته إيجاد مكان آخر يتمكن فيه من مد نفوذه. فيما فضل عدد كبير من المقاتلين الأجانب هجر الموصل في أعقاب استهدافها عبر هجمات وغارات جوية، وعبر عدد كبير منهم الحدود مروراً بتركيا حيث تم التواصل مع سفاراتهم بحثاً عن سبيل للعودة إلى أوطانهم. وهنا تواجه السلطات المحلية لكل دولة معضلة استقبال المتطرفين كمواطنين مرة أخرى وسبل التعامل معهم. لا سيما مع تفاوت أسباب الانضمام للتنظيم بما فيها مَن تعرَّض للتهديد أو التغرير دون وجود اقتناع فعلي بسلوكياتهم، أو من يحمل رغبة حقيقية في العودة لممارسة حياة طبيعية مستقرة بعيداً عن العنف ومناطق النزاع.
ويقابل ذلك مواجهة هذه الدول لأشخاص قد يمتلكون من الغضب والتطرف أوجه إذ هناك أبناء للمقاتلين تربوا ليصبحوا جيلاً نشأ على العنف والتوحش. إضافة إلى امتلاكهم الخبرة العملية والقدرة على استخدام الأسلحة ما يشكل خطورة فعلية تتضافر مع إمكاناتهم في التواصل مع متطرفين آخرين في مناطق مختلفة من العالم. فيما تأتي من مثل هذه التجارب القتالية ما يعطي المشاركين فيها شرعية وصيتاً كمناضلين مخضرمين يتفوقون على المتطرفين الآخرين تجربة وخبرة.
وحذرت وكالة العدل الأوروبية (يوروجست) في تقرير لها من المخاطر الناجمة عن عودة أسر المتطرفين الأوروبيين الموجودين في مناطق النزاع في كل من سوريا والعراق. وأفادت بأنه يتعين على السلطات في كل دولة تقدير مدى خطورة كل فرد من العائدين على حدة. مثل هذه الحيثيات تحتم ضرورة النظر في أسباب انضمام المقاتلين الأجانب إلى التنظيم وإن تمت أدلجتهم دينياً وتقمصهم للقناعات الداعشية أم أن لديهم قابلية للانصهار في المجتمع.
فقد امتاز التنظيم منذ بدايته بقدرته على التغلغل والتواصل الإلكتروني بدهاء وأسلوب يختلف حسب توجهات وميول المستهدفين وبأسلوب قادر على التأثير النفسي، مما جعل مسببات الانضمام للتنظيم لم تعد حكراً على الإيمان بمعتقدات دينية معينة كما في السابق وعلى غرار التنظيمات الأخرى الأكثر تقليدية. إذ تفشى في الآونة الأخيرة الانضمام إلى التنظيمات بأسباب وجودية هرباً من ضغوط اجتماعية معينة أو بحثا عن الإثارة وروح المغامرة. الأمر الذي وإن كان يسهل من قابلية تغيير التوجهات المتطرفة للشخص لدى عودته إلى بلاده، إذ تدلل مثل هذه المسببات لانضمامه على عدم أدلجته التامة كما يحدث مع من يمتلك القناعة الدينية المتشددة، إلا أن البحث عن الإثارة أو الأسباب الاجتماعية تعطي مثل هذا المقاتل دافعا آخر للبحث والانضمام لتنظيمات أخرى مشابهة، من أجل إيجاد تلك البيئة الحاضنة له، التي تتلاشى فيها الفروقات الاجتماعية، لا سيما نتيجة تعرض الداعشيين للتلقين المستمر الناتج عن الحملات الدعائية الداعشية والدروس الدينية والفكرية المتطرفة المكثفة التي يصعب اجتثاثها من أعماق المتعرضين لها. ويتسبب ذلك بضرورة معرفة مدى إمكانية القدرة على إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب إثر عودتهم إلى أوطانهم، إذ لا بد أن تجربة الانغماس بتنظيم إرهابي ينجم عنها ضغوطات وتراكمات نفسية قد تتسبب بانعزال الأفراد وشعوره بالاضطهاد وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع بعد تقمص ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر، مما يؤدي إلى وجود قابلية قوية للانضمام لتنظيمات أو جماعات متطرفة أخرى تعيد لهم الألفة والحياة التي اعتادوا عليها. وتزيد القابلية للتطرف مرة أخرى في المجتمعات التي يواجه أفرادها فروقات كبيرة في طبيعة المجتمع كالمسلمين في الدول الأوروبية بالأخص مع تصاعد الإسلاموفوبيا، والشعور بالغربة داخل أوطانهم نتيجة اختلافهم عن بقية المجتمع وصعوبة اندماجهم فيه. ويتوجب النظر في القدرة على إعادة تأهيل العائدين إلى أوطانهم من مناطق النزاع ودمجهم بالمجتمع، واكتشاف من لديه قابلية على الاستمرار في التطرف أو حتى إنشاء خلايا نائمة تشكل تهديداً جديداً قد يحيلهم إلى جماعات متطرفة محلية، أو يتم استغلال قدرتهم على التواصل مع التنظيمات الدولية ليصبحوا بمثابة حلقات وصل ما بينهم وبين المتطرفين المحليين. إذ من السهل أن يتم انتقال قدرات وطاقات المقاتلين الأجانب إلى تنظيم آخر بديل أكثر قوة وقدرة على السيطرة.
من الضروري أن تعنى الدول برعاياها من المقاتلين الأجانب العائدين من مناطق النزاع، وتتقبلهم برحابة صدر وسعي في إعادة تأهيلهم، لا سيما أنهم يشكلون خطورة فعلية بامتلاكهم قدرات قتالية وخلفية آيديولوجية متطرفة وقدرة على التواصل مع متطرفين آخرين بشبكات خفية وطرق متشعبة للاستقطاب والتجنيد. لا سيما أنه لا تزال هناك بيئة خصبة تستقطب المتطرفين، في ظل وجود أسباب تستلهم العاطفة وتشعل الطائفية إضافة إلى الوضع المتردي في كثير من مناطق النزاع، كسوريا والعراق واليمن، وهشاشة الوضع الأمني والسياسي فيها.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.