النظام يسحب امتيازات من الميليشيات المحلية

برقية من مكتب الأمن الوطني في سوريا تستثني «القوات الصديقة»

TT

النظام يسحب امتيازات من الميليشيات المحلية

سحب النظام السوري امتيازات أمنية من كل الميليشيات والأفرع الأمنية والأجهزة المرتبطة بوزارة الداخلية، وحصرها بالشرطة العسكرية التي أوكلت إليها مهمة سحب أي مهمات أمنية صادرة عن أي جهة ما عدا «مكتب الأمن الوطني».
وخصّ مصدر مطلع داخل العاصمة دمشق «الشرق الأوسط»، بمعلومات عن صدور قرار بتكليف الشرطة العسكرية بمتابعة كل أنواع المخالفات التي ترتكبها السيارات الأمنية والعسكرية وما يعرف بالقوات الرديفة، بعد أن كانت مثل هذه المخالفات من ضمن صلاحيات شرطة المرور التابعة لوزارة الداخلية.
وأكد المصدر أن «برقية تلقاها قائد الشرطة العسكرية من مكتب الأمن الوطني برئاسة اللواء علي مملوك تطلب منه تكليف عناصره بسحب أي مهمات أمنية صادرة عن أي جهة ما عدا مكتب الأمن الوطني، واعتبار كل المهمات الصادرة عن وزير الداخلية بحكم الملغاة، اعتباراً من تاريخ الثالث من يوليو (تموز) 2017، بما فيها رخص حمل السلاح، والزجاج الداكن (الخاص بالسيارات)، على أن تستثنى من هذه الإجراءات القوات النظامية الصديقة، أي القوات الروسية، وضباط وعناصر الحرس الثوري العاملين في سوريا، وقوات (حزب الله)».
ومن المعروف أن رخص حمل السلاح وما يعرف بتسهيل المرور، والمؤازرة، والزجاج الداكن، كانت تصدرها وزارتا الداخلية والدفاع، كما تصدرها جميع الأفرع الأمنية والميليشيات المحلية والأجنبية التي تقاتل إلى جانب النظام وتخص بها عناصرها وغيرهم، لقاء مبالغ مالية. ويتندر سكان العاصمة على أن رخصة حمل السلاح والمرور عبر الخط العسكري الصادرة بتوقيع وزير الداخلية، أو ميليشيا الدفاع الوطني، تبلغ تسعيرتها مليون ليرة سورية (ما يعادل ألفي دولار أميركي)، وتنخفض وترتفع قيمة الرخصة حسب التسهيلات والصلاحيات التي تعطيها لحاملها، ونفوذ الجهة الصادرة عنها.
وكان قد سبق تلك الإجراءات قرار صدر الشهر الماضي عن مكتب الأمن الوطني عبر برقية تحمل وسم «سري للغاية» (حصلت الشرق الأوسط على نسخة منه)، تفيد بوقف كل عمليات «الترفيق» في محافظة حلب وريفها، وهي العملية التي كان بموجبها يفرض على أي جهة صناعية أو تجارية، وحكومية أو خاصة ترغب في نقل بضائعها، أو شراء أي مواد من داخل محافظة حلب أو خارجها، الاتفاق مع إحدى الجهات المسلحة التابعة للنظام، أو القوات الرديفة، لفرز عناصر وآليات لترافق بضائعه أثناء شحنها لقاء مبالغ مالية طائلة، مما كان يزيد كلفة الإنتاج. وبالوقت نفسه يمثل إيراداً مالياً أساسياً لهذه المجموعات في حالة هي أقرب إلى الإتاوات.
ويعد هذا الإجراء، الأول من نوعه، منذ إعلان رئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال ترؤسه جلسة مجلس وزرائه في 20 يونيو (حزيران) الماضي، عن حالة الانفلات الأمني التي تعيشها المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، وخصوصاً العاصمة دمشق، إذ وصف الأسد ما يمارسه مسؤولو النظام وأبناؤهم وعناصر «القوات الرديفة لجيشه»، بالأعمال الإجرامية و«المافياوية»، وتطرق خلال هذا الحديث إلى مظاهر المواكب الضخمة لمسؤولي نظامه وأبنائهم، وقطع الطرقات حتى من قبل غير العاملين في الدولة و«ممارسات البلطجة بحق المواطنين».
وبدا كلام الأسد بمثابة إشارة الانطلاق في عملية شاملة يرجو منها النظام استعادة السيطرة على مناطقه التي باتت بعد أكثر من ست سنوات من الحرب، واقعة تحت سيطرة الميليشيات المحلية المعروفة بالشبيحة من «دفاع وطني»، و«لجان شعبية»، والمجموعات العسكرية التابعة لجمعية «البستان» التي يديرها ابن خالة الأسد، رامي مخلوف، وقوات ما يسمى «بصقور الصحراء»، و«مغاوير البحر» وغيرها، فضلاً عن الميليشيات الأجنبية مثل الإيرانية والعراقية الرديفة لقوات النظام.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.