بري يطرح مقاربة للتنسيق في ملف عودة اللاجئين «لا تتضمن ذهاب أي رئيس لسوريا»

وزير سابق يقول إن 43 % من النازحين إلى لبنان يتحدرون من «مناطق آمنة» الآن

نبيه بري
نبيه بري
TT

بري يطرح مقاربة للتنسيق في ملف عودة اللاجئين «لا تتضمن ذهاب أي رئيس لسوريا»

نبيه بري
نبيه بري

طرح رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أمس، مقاربة جديدة للتنسيق مع النظام السوري حول ملف إعادة اللاجئين السوريين في لبنان، بتأكيده: «لم نطلب أن يذهب أي رئيس إلى سوريا»، وسؤاله: «أليس هناك من سبل للاتصال؟»، في وقت أبدى فيه «حزب الله» ليونة تجاه دفعه للتنسيق مع النظام السوري من زاوية «التنسيق الإنساني» لعودة النازحين إلى بلادهم على قاعدتي «المكان الأمن» و«العودة الطوعية».
وفي ظل الانقسام الحكومي على التنسيق بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري، يأتي إعلان بري بمثابة مخرج للأزمة التي أثارت تباينات في مقاربتها على طاولة مجلس الوزراء. وشدد بري خلال لقاء مع الصحافيين أمس على «أننا مع التنسيق مع الحكومة السورية مائة في المائة في موضوع النازحين السوريين»، لكنه أوضح: «لم نطلب أن يذهب أي رئيس إلى سوريا». وتساءل: «لكن أليس هناك من سبل للاتصال؟».
كما أعرب بري عن تفهمه لرأي «تيار المستقبل» في موضوع الاتصال مع الحكومة السورية، وقال: «لكن ذلك لا يمنع التواصل».
ويصرّ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على أن تكون إعادة اللاجئين عبر الأمم المتحدة.
وتشير مقاربة بري إلى أن هناك خيارات أخرى للتواصل غير المباشر، تبدو متاحة، بالنظر إلى وجود علاقات دبلوماسية بين لبنان ودمشق، عبر سفارتيهما في دمشق وبيروت، كما أن هناك تنسيقاً أمنياً بين الطرفين، يتولاه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وتتحدث مصادر مواكبة للنقاش الدائر، على صلة بالطرف المؤيد للتنسيق بين الحكومتين، لـ«الشرق الأوسط» عن أن دولاً غربية تنسّق أمنياً مع سلطات دمشق، وبعضها يتصل بالحكومة السورية، «فلماذا لا يكون هناك تنسيق لبناني مع حكومة دمشق حول هذا الملف؟».
وبينما لم يحدد أحد أي آلية للتواصل غير الحكومي مع النظام السوري، تُطرح عدة فرضيات وخيارات، بينها أن الدستور اللبناني يتيح لرئيس الجمهورية تعيين مبعوث خاص، يكون من خارج الحكومة، وهو خيار لم يتخذه الرئيس اللبناني ميشال عون. وإذ أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الخيار «ليس مطروحاً»، قالت إن عون «لم يتخذ أي قرار، ولم يكلف أحداً»، مشددة على أن «كل ما عدا ذلك هو فرضيات».
في هذا الوقت، اعتبر النائب ياسين جابر في حديث إذاعي أنه «بواقعية سياسية نستطيع أن نصل إلى حل في موضوع النازحين السوريين، فمصلحة البلد العليا تقتضي حلاً بالتدرج لا سيما أن هناك علاقات دبلوماسية»، لافتاً إلى أنه «لا أحد يطرح الترحيل الجماعي في ظل شعور البعض بعدم الأمان».
ويعارض «تيار المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» بشدة التنسيق مع دمشق، ويكرران تأكيدهما أن معالجة هذا الملف تتم عبر الأمم المتحدة. وفي المقابل، يعتبر «حزب الله» من أبرز الداعين إلى التنسيق مع دمشق لمعالجة هذا الملف. وفي ظل المعارضة الشديدة التي لقيها تجاه دعواته، أبدى الحزب أمس ليونة، بطرحه فكرة «التنسيق الإنساني». وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «ما نطالب به نحن هو تنسيق إنساني لعودة النازحين إلى بلادهم على قاعدتي المكان الآمن، واختيار النازح لحرية العودة من دون فرض العودة عليه»، متمنياً أن «تتخلص الحكومة اللبنانية من الضغوطات السياسية العربية والدولية وأن تتجرأ في أخذ هذا القرار المريح للبنان ولسوريا وللشعبين في آن معاً».
وفي ظل هذا التباين، تمثل خطة الحكومة السابقة التي طرحت إيجاد مناطق آمنة في سوريا، خارج مناطق سيطرة النظام، يعود إليها اللاجئون، أحد الخيارات الآن، وهو طرح لم يكن ممكناً في عام 2015، حين طرحته الحكومة اللبنانية، قبل أن توجَد تلك المناطق في سوريا الآن.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس إن الحكومة السابقة «رفعت شعار المناطق الآمنة التي كان يرفضها المجتمع الدولي آنذاك»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «43 في المائة من اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان، يتحدرون من المناطق التي تعتبر اليوم مناطق آمنة». ورأى درباس أن هذا الملف «يجب إخراجه من الصراع والتجاذب الداخلي»، مضيفاً: «على لبنان أن يستثمر علاقاته العربية لتأهيل مناطق تراجع فيها التوتر في سوريا، وتأهيلها لتكون صالحة لعودة هؤلاء النازحين السوريين».
وإذ شدد على أن تلك المناطق «لا تخضع لسيطرة النظام السوري وتشهد هدوءاً واستقراراً»، قال إن «وزيرين في لبنان الآن معنيان بقضايا النازحين (وزير الشؤون الاجتماعية ووزير الدولة لشؤون النازحين)، بينما في سوريا ليس هناك أي وزير مسؤول عن إعادة اللاجئين، ما يعكس عدم اهتمام النظام بهذا الملف».
وإذ أشار درباس إلى أن الحكومة السابقة كما الحكومة الحالية لا تجبر أحداً على العودة، رغم أن لبنان ليس موقعاً على إعلان جنيف ما يعني أنه ليس دولة لجوء، أكد أن «المجتمع الدولي قصّر كثيراً بحقنا، حيث تلقى اقتصادنا ضربة قاسمة بانخفاض النمو من 9 إلى 1 في المائة، كما استهلكت البنى التحتية وتعرضنا لخسائر مباشرة لا تقل عن 25 مليار دولار نتيجة الأزمة السورية». وأضاف: «وضع لبنان مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في ذلك الوقت خطة للاستجابة لأزمة النزوح»، وهي الخطة التي تكملها الحكومة الحالية، «لكن الاستجابة للوعود بالدعم، بالكاد بلغت نصف المطلوب، ما يعني أن اللاجئين لم يعيشوا حياة كريمة، كما أن قدرات الدولة اللبنانية استنزفت».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.