عزوف الأحزاب السياسية في تونس عن الانتخابات البلدية المقبلة

منظمة العفو الدولية تنتقد قانون زجر الاعتداءات على رجال الأمن والعسكر

تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات الماضية (أ.ف.ب)
تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات الماضية (أ.ف.ب)
TT

عزوف الأحزاب السياسية في تونس عن الانتخابات البلدية المقبلة

تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات الماضية (أ.ف.ب)
تونسي يدلي بصوته خلال الانتخابات الماضية (أ.ف.ب)

قال نبيل بافون، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، إن الإقبال على التسجيل في السجلات الانتخابية المتعلقة بالانتخابات البلدية المقبلة «ضعيف للغاية»، مشيرا إلى أن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني غير مهتمة بهذه المحطة الانتخابية المهممة، التي ستغير معادلة الحكم المحلي، وتبعده عن قرارات السلطة المركزية وامتلاكها لكل السلطات والقرارات.
وأوضح بافون أن عدد المسجلين في الانتخابات البلدية لا يزيد حاليا على 167 ألف مسجل، وهو «رقم ضعيف للغاية ولا يعكس حجم التحدي الانتخابي المنتظر»، خاصة بعد إقرار إشراك رجال الأمن والعسكر لأول مرة في الانتخابات المحلية.
وشرعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منذ 19 من يونيو (حزيران) الماضي في تسجيل الناخبين للانتخابات البلدية المقررة في 17 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسط تخوفات من عدم التوصل إلى التصديق على قانون الجماعات المحلية، الذي تنظر فيه اللجان البرلمانية حاليا، بسبب المشكلات الداخلية التي تعاني منها هيئة الانتخابات، خاصة بعد استقالة رئيسها واثنين من مساعديه في التاسع من مايو (أيار) الماضي، إضافة إلى مطالبة بعض الأحزاب بتأجيل موعد الانتخابات إلى بداية السنة المقبلة لتزامنها مع مناقشة ميزانية الدولة في فترة الاقتراع نفسها. وستكون شروط التسجيل في الانتخابات البلدية مختلفة عن انتخابات سنة 2014؛ حيث سيتم اعتماد العنوان الفعلي الموجود في بطاقة الهوية الوطنية، وعدم اعتماد طريقة التسجيل عبر الهاتف الجوال، باعتبار أن الناخب المحلي لا يمكنه اختيار مكان التصويت، بل هو مجبر على التصويت في منطقته البلدية. كما يشترط القانون الانتخابي ضرورة توفر التناصف العمودي والأفقي، وتمثيلية الشباب وذوي الإعاقة لقبول الترشح للانتخابات البلدية، وهي شروط ستزيد من تعقيد الأمور أمام الأحزاب السياسية خاصة الصغيرة منها، حسب بعض المتتبعين.
وتواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدة مصاعب لإنجاح الاستحقاق الانتخابي المقبل، لأنها مطالبة بملاءمة عدد المسجلين في انتخابات 2011 و2014، المقدر عددهم بخمسة ملايين و236 ألفا و244 مواطنا مع الجسم الانتخابي (مجموع الناخبين) الذي يفوق عددهم سبعة ملايين مواطن من خلال تحيين سجل الناخبين، والتثبت من جميع المعطيات التي تضمن مشاركة الشباب والنساء وذوي الإعاقة في الانتخابات، هذا بالإضافة إلى خصوصية مشاركة رجال الأمن والعسكر في تلك الانتخابات وإمكانية استغلال بياناتهم لغايات إرهابية.
وعلى المستوى السياسي، لا تبدو معظم الأحزاب السياسية، التي يفوق عددها مائتي حزب، متحمسة لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها بسبب عدم قدرتها على تغطية مختلف البلديات البالغ عددها 384 بلدية، وهو ما دفع بعض القيادات السياسية للدعوة إلى تأجيل الانتخابات البلدية إلى بداية السنة المقبلة لأسباب متعددة، بعضها محاولة لربح المزيد من الوقت وترتيب الأولويات، والبحث عن مرشحين في مناطق الحكم المحلي المقبل، والبعض الآخر مرتبط بتخوف الأحزاب الصغيرة من سيطرة حزبي النداء والنهضة على المشهد السياسي المحلي من جديد بعد تمسكهما بإجراء الانتخابات البلدية في موعدها.
على صعيد آخر، حذرت منظمة العفو الدولية مجددا من مشروع قانون زجر الاعتداءات على رجال الأمن والقوات الحاملة للسلاح، وقالت إنه سيجيز للأمن الاستخدام «غير المبرر للقوة القاتلة»، مؤكدة أن مشروع القانون يعد «مرحلة خطيرة نحو مأسسة الإفلات من العقاب في القطاع الأمني التونسي»، على حد تعبيرها. ويسعى مشروع قانون زجر الاعتداءات على رجال الأمن، الذي تنظر فيه لجنة التشريع العام في البرلمان، إلى ضمان حماية الأمنيين والقوى الحاملة للسلاح من الاعتداءات التي تهدد أمنهم وحياتهم لضمان استقرار المجتمع برمته.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.