«أشباح» اليهود في وسط بيروت بعد عزلة طويلة

كثيرون بدلوا طائفتهم.. وتأهيل كنيس يعيدهم إلى الضوء

مقبرة يهودية في صيدا.. مدمرة ومهملة ({الشرق الأوسط})
مقبرة يهودية في صيدا.. مدمرة ومهملة ({الشرق الأوسط})
TT

«أشباح» اليهود في وسط بيروت بعد عزلة طويلة

مقبرة يهودية في صيدا.. مدمرة ومهملة ({الشرق الأوسط})
مقبرة يهودية في صيدا.. مدمرة ومهملة ({الشرق الأوسط})

يعد يهود لبنان العدة للعودة إلى الضوء بعد عزلة ذاتية طالت أكثر من أربعة عقود، اختبأوا خلالها وراء هويات مزورة، ومارسوا في العلن طقوس ديانة مختلفة عن حقيقة ما ينتمون إليه من دين وما اتبعوه من عرف. فخلال بضعة أسابيع، يعيد يهود لبنان فتح كنيس «ماغن أبراهام» القائم في وسط بيروت، بعد عمليات ترميم أعادت إصلاح ما دمرته سنوات الحرب الأهلية.
ومن المخطط له أن يفتح الكنيس (وهو الكنيس الرئيس في العاصمة اللبنانية والوحيد حاليا) أبوابه على وقع صلوات يترأسها حاخام يهودي لبناني، وبحضور من بقي من أبناء الطائفة وانتظروا هذه اللحظة منذ أكثر من 40 سنة.
ووفق ما كشفت عنه مصادر يهودية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، ستبدأ «عملية تجهيز قاعة الكنيس بالمقاعد والثريات والسجاد، على أن تكتب أسماء جميع المتبرعين لإعادة إعمار الكنيس على لوحة ستعلق على الباب الخارجي».
المصادر ذاتها أوضحت أن «افتتاح الكنيس قد يعلن عنه بشكل رسمي، لكن القرار لم يحسم بعد لناحية حضور حشد كبير، نظرا للأوضاع الراهنة والتطورات في المنطقة»، مرجحة أن «يقتصر الافتتاح على حفل صغير يجمع عددا ضئيلا من أبناء الطائفة».
الجدير بالذكر أن يهود لبنان عاشوا قبل سنوات عديدة حياة طبيعية، شأنهم شأن بقية الطوائف اللبنانية، إلا أن حياتهم انقلبت رأسا على عقب، بعد قيام إسرائيل واندلاع الحروب العربية الإسرائيلية، فباتوا خلال العقود الأربعة الأخيرة يمشون والخوف صديقهم، يتلفتون يمينا ويسارا تحسبا لأي اعتداء يعتقدون أنهم قد يتعرضون إليه.
ورغم اعتراف الدولة اللبنانية رسميا بوجودهم كطائفة يتمتع أفرادها بحقوقهم المدنية والسياسية، فهم واقعيا «محرومون من الحقوق الاجتماعية فور معرفة هويتهم الحقيقية». هكذا، يصف أغلب اليهود في لبنان واقعهم كونهم أقلية يسميها الدستور اللبناني بـ«الطائفة الإسرائيلية» ويعترف بها بين الطوائف الـ18 المنصوص عليها في الدستور.
يعود وجود اليهود في لبنان إلى أيام العثمانيين (1516 - 1918م). وخلال سنوات الانتداب الفرنسي، اضطر الفرنسيون إلى الاعتراف الرسمي بوجودهم كطائفة «إسرائيلية» بتاريخ 13 مارس (آذار) 1936، بسبب تكاثرهم، إذ وصل عددهم في ذلك الوقت إلى خمسة آلاف شخص، فترجموا اسم النبي يعقوب بن إسحق من الفرنسية إلى العربية حرفيا «إزرائيل» أي «إسرائيل» وأطلقوها على الطائفة.
ويقول رئيس الطائفة الإسرائيلية في لبنان إسحق أرازي لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «إننا نعاني مشكلة في التسمية نظرا لما تمثله من حساسية عند عدد كبير من اللبنانيين، ونحن نتفهم ذلك»، وأردف: «حاولنا التعاون مع الوزير السابق زياد بارود عند توليه منصب وزارة الداخلية لتغيير التسمية إلى اليهودية، لكننا لم نستطع، ولا نزال نحاول حتى اليوم».
ويوضح أرازي أن جهودا تبذل لإعادة إنهاض الطائفة من جديد «عبر ترميم كنيس (ماغن أبراهام)، الكنيس الوحيد المتبقي لنا الذي تعرض للتدمير خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في عقد السبعينات بحي وادي أبو جميل في وسط بيروت، الحي الذي احتضن العدد الأكبر من اليهود». ثم أوضح: «لقد نجحنا بجمع التبرعات من الجالية اليهودية في الخارج، وجميعهم يهود لبنانيون (يشدد على كلمة لبنانيين)، بل إن مسيحيين ومسلمين ساهموا معنا في إعادة إعمار كنيسنا.. وساهمت حتى شركة (سوليدير) التي تتولى إدارة وسط بيروت، بنسبة خمسة في المائة، وفقا للقانون الذي ينص على مساهمة الدولة اللبنانية في ترميم المعابد والكنائس ودور العبادة».
وفي حين تثير علاقة اليهودي بدولته وانتماؤه إلى وطنه إشكالية كبرى لدى عدد من اللبنانيين، فإن أرازي يتناول بنبرة غاضبة هذه النقطة كما لو أنه يعاني مشكلة كبيرة مع نوع مماثل من الأسئلة: «ليتأكد الجميع أنه لو كان انتماؤنا صهيونيا إسرائيليا لما بقينا لحظة واحدة في لبنان»، نافيا «أي علاقة لنا بمن أرادوا العيش على أرض فلسطين وقتل الأبرياء». وأنهى كلامه ساخرا: «ماذا بإمكان طائفة من 200 شخص أن تفعل؟ ليس كل اليهود صهاينة، فهويتنا لبنانية وانتماؤنا لبناني مائة في المائة».
انفعال أرازي يقاطعه تعليق صديق يهودي كان جالسا إلى جواره، وهو رجل خمسيني طويل القامة، قال لنا: «حتى الشأن السياسي لا نتعاطى معه، في ظل وجود نائب عن الأقليات لا يأبه لأحوالنا، وحالنا كحال بقية اللبنانيين. إننا نعاني مثلهم من السياسيين والمسؤولين الذين ينحصر همهم الوحيد في تعبئة جيوبهم بأموالنا». وتابع بنبرة عالية: «في الماضي، كان عدد الناخبين من أبناء الطائفة أكثر من سبعة آلاف شخص، وشغل لبنانيون يهود مناصب كبيرة حتى في الشرطة اللبنانية، منهم ضابط من عائلة بصل، وكنا نصوت للنائب الراحل جوزيف شادر (وهو أرمني كاثوليكي)، وكان محبوبا لدى الطائفة، في حين أن مساهمة اليهود في الانتخابات انخفضت اليوم إلى اثنين في المائة فقط».
من ناحية أخرى، يختلف رأي سونيا، وهي سيدة يهودية ستينية، عن رأي أرازي وصديقه؛ فهي توضح لـ«الشرق الأوسط» بصراحة، حسب رأيها، أنه «لا يوجد صهيوني أو يهودي، فاليهود جميعهم واحد ولا يمكنهم التنصل من هويتهم»، وتابعت سونيا: «حرمني أهل زوجي من أولادي بسبب ديانتي اليهودية، بعد نشوء العداوة الكبرى بين العرب واليهود، وحاربوني بشتى أدوات التعذيب النفسي.. لقد تركت عائلتي، التي اختارت الذهاب إلى إسرائيل للعيش هناك، واخترت البقاء في لبنان إلى جانب زوجي وأولادي. لكن رواسب حرب العرب مع إسرائيل لم ترحم وجودي كإنسانة».
تستعيد سونيا محطات من سنوات خلت، مستذكرة «كيف كانوا في كل جلسة يقولون لي (أنت يهودية).. هل تحولت كلمة يهودية إلى شتيمة؟». ثم عبرت عن حبها لـ«أرض إسرائيل» التي تصفها بأنها «أرض اليهود المقدسة»، لكنها شرحت سبب رفضها المغادرة للعيش هناك بالقول: «جعلوني أكره لبنان وهويتي العربية، وأصبحت أتمنى الذهاب إلى إسرائيل للعيش فيها، لكن وجود أولادي منعني من الذهاب إلى أي بلد آخر، كما أنني تقدمت في العمر، ولا أجيد اللغة العبرية».
لا تبالي سونيا بالعزلة المفروضة على الطائفة، وتنهي حديثها غير مبالية: «إذا مت لا أريد أن أدفن إلا في مقبرة يهودية، وأريد أن يصلي عليّ حاخام يهودي، فالتوراة كتابي المقدس، وديانتي هي اليهودية، ولن أتنازل عن ذلك أبدا».
ثم تدافع هذه المرأة الستينية عن امرأة أخرى دخلت التاريخ كإحدى أشهر الجاسوسات الإسرائيليات في المنطقة العربية، هي شولا كوهين. تقول سونيا بسخط وغضب كبيرين: «ليست بجاسوسة، إذ كانت تهرب اليهود من لبنان والبلاد العربية إلى بلدهم إسرائيل، بعد موجة الاضطهادات التي تعرضنا لها بسبب خسارة العرب في الحرب ضد إسرائيل خلال الستينات».
لُقّبت شولا كوهين (اسمها الحقيقي «شولاميت») بـ«لؤلؤة الموساد الإسرائيلي»، وهي من مواليد القدس، لكنها تزوجت يهوديا لبنانيا من عائلة كيشيك، وانتقلت للعيش معه في حي وادي أبو جميل ببيروت عام 1936. وبدأت شولا، التي كانت تسكن في بناية الشويري الواقعة بنزلة المدرسة الأهلية في وادي أبو جميل، وتعمل في أحد المصارف اللبنانية، نشاطها لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية عام 1948، وتولت مهمة تهريب اليهود من لبنان. كذلك تولى «النادي المكابي» ومنظمة «بن تسيون» في وادي أبو جميل المهمة ذاتها، أي تهريب اليهود الآتين من سوريا بمساعدة عدد من اليهود وغير اليهود من اللبنانيين، وفق ما تؤكده تقارير عدة.
وقد تمكنت شولا كوهين من تجنيد شبكة من الجواسيس قبل اعتقالها عام 1961، وحُكم عليها بالإعدام، ولاحقا خُفِّض الحكم إلى السجن 20 سنة. وعام 1967، أطلق سراحها لقاء الإفراج عن جنود لبنانيين كان اعتقلهم الجيش الإسرائيلي قرب بلدة العديسة الحدودية بجنوب لبنان. وكان بين الأسماء التي حامت حولها شكوك بالتجسس المغنية آمال شوقي، التي كانت تعمل في الإذاعة اللبنانية، وزوجها الملحن سليم بصل، الذي صار اسمه سليم شوقي، والاثنان هاجرا إلى إسرائيل.
في المقابل، اشتهرت شخصيات يهودية كثيرة في مجالات الطب والتجارة والسلك الأمني في لبنان، فعرف الدكتور شمس الملقب بـ«طبيب الفقراء»، نظرا لاستقباله الزبائن من الطوائف كافة، وليس اليهودية فقط، مقابل أجر زهيد، وكان مقر عيادته داخل كنيس «ماغن أبراهام» إلى جانب جمعيات اليهود في وادي أبو جميل. أما المصرفي السوري - اللبناني الملياردير أدمون صفرا (حمل لاحقا الجنسية البرازيلية، وتوفي قبل سنوات في موناكو)، فقد تميز بذكائه وحنكته في مجال إدارة الأعمال، فأسس سلسلة مصارف صفرا من وسط بيروت.
أغلب اليهود في لبنان اليوم ضائعون بين هويتين؛ الأولى هويتهم اللبنانية، والثانية هوية إسرائيلية فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين واليهود جميعا منذ لحظة إعلان دولة إسرائيل، التي أدت إلى نكبة عام 1948. منذ ذلك التاريخ، تغيرت أحوال عدد كبير من اللبنانيين اليهود الذين فضلوا الاختباء وراء ديانات أخرى، مثل إبراهيم الملقب بـ«خياط الأمراء».
يحيط بمكتب إبراهيم، اليهودي السبعيني، آيات قرآنية معلقة على جدران المتجر، وصور تبدد تماما أي شك لدى الزائر حول هوية الرجل وديانته. يجلس إبراهيم على كرسي جلدي بني اللون، ويضع نظارات إطارها بني، وبيده يحمل عدة الخياطة التي رافقته منذ أكثر من 25 سنة؛ إبرة وخيط وبنطال يحتاج إلى ترقيع.
وبلهجة حلبية، يرحب إبراهيم بزبائنه الذين اعتادوا زيارته في كل مناسبة لشراء البدلات والقمصان من متجره، نظرا لجودة ملابسه وسمعته الحسنة في الحي الذي يسكنه.
قال إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «على الأوراق الرسمية أنا مسلم. بدلت ديانتي لأبعد المشاكل والسخافات حولي، فبعض اللبنانيين لا يتقبلون وجودنا معهم، وبات لدينا هاجس من العيش كيهود في العلن»، ثم يستعيد بغصة أيام عز اليهود في لبنان قائلا: «كان لنا مدارسنا في وادي أبو جميل وجمعياتنا، وصل عدد كنسنا إلى 15 كنيسا في بيروت وفي بلدات دير القمر وعاليه وبحمدون. واشتهرنا بالتجارة في القماش والخياطة والذهب والنحاس وغيرها من المهن».
ويتوقف لحظة ليشعل سيجاره الفاخر، وينفض الغبار عن قميصه الأبيض، ويكمل سرده تفاصيل «من الصعب نسيانها» (على حد وصفه): «مهنة الخياطة هي عائلتي، أحيك ثيابا للأمراء والوزراء والسفراء من كل الجنسيات العربية، وأحمل جوازا دبلوماسيا، وأتلقى الدعوات من أعيان عرب لأرافقهم في مناسباتهم وأهتم بلباسهم الرسمي».
يضحك إبراهيم لدى سؤاله عن طريقة عيشه كيهودي في لبنان. ويعلق بكلمات بطيئة: «يتشارك اليهود في لبنان مع باقي اللبنانيين الظروف الاجتماعية الصعبة نفسها، ويتقاسمون معهم همومهم الموحدة في بلد أمنه على شفير الهاوية.. والانقسامات السياسية تكاد تقتله». ثم يقول: «أصدقاؤهم محدودون ويحتفظون بسرهم أنهم (يهود)، وأنا واحد من هؤلاء».
وفي شارع مقابل لمتجر إبراهيم، تعيش سيدتان في منزل مرت عليه سنوات من العمر. ديكوره على الطراز القديم، وجدران البيت تزينها لوحات فنية تدل على ذوق رفيع، وبداخله بيانو كبير نظيف ومرتب، ودفتر نوتات موسيقية مركون على جانب الكرسي، ومجسمات دينية صغيرة مثل شمعدان من تسع شموع، تضاء كل يوم سبت وفق طقوس اليهود الدينية، وضعت على طاولة تتوسط غرفة الضيوف.
تتحدث أستاذة الموسيقى الثمانينية ببطء شديد، وهي ترتشف القهوة الممزوجة مع الحليب ويداها ترتجفان، تعتني بشقيقتها المقعدة التي تكبرها بسنة واحدة. وتسترجع بحزن كبير ذكريات طفولتها في وادي أبو جميل: «كنت أستاذة موسيقى، أدرس الطلاب نوتات الموسيقى وأعزف بشغف على آلة البيانو التي أعشقها. توفي والداي وبقيت وحدي مع شقيقتي في لبنان بعدما سافر أقرباؤنا وأصدقاؤنا إلى بلاد الغربة تاركين وراءهم أملاكهم وبيوتهم، وما زالوا يحلمون بالعودة يوما ما إلى بلدهم الأول والأخير لبنان».
وتضيف، متحدثة باللغة الفرنسية، التي اعتادت تكلمها على حد قولها: «لا يتجاوز عدد اليهود اللبنانيين اليوم الـ200 شخص، تتراوح أعمارهم بين 50 و70 سنة، وعدد النساء المتزوجات بينهم قليل بسبب الهجرة الكبرى التي أفرغت البلد من رجاله اليهود. ومن ثم بات من الصعب على المرأة اليهودية ارتباطها برجل من ديانة أخرى لا يتقبل فكرة أن يحمل الولد (ذكرا أو أنثى) هوية والدته الدينية التي تنقلها لأولادها مباشرة عند الولادة، وفقا للديانة اليهودية. فتركنا بلا عائلة».
تصف «أستاذة الموسيقى»، كما تحب مناداتها، لبنان بـ«البلد المنفتح» وناسه بـ«المثقفين»، نافية تعرضها لأي اعتداء أو إهانة من أحد بسبب ديانتها. وهي تربطها مع جيرانها صداقة وحب واحترام متبادل. وتقول: «في السبعينات، عرض أشخاص كثيرون مساعدتنا للسفر إلى إسرائيل وبعروض مغرية، لكن الفكرة كانت مرفوضة بشكل جازم».
وتضطر إلى إنهاء كلامها بعدما نادتها شقيقتها المقعدة لتساعدها على النهوض من السرير. وعادت لتقول: «قد ينشغل بعض السخفاء بإصدار الأحكام المسبقة علينا، ولكن ليتذكروا قبل أي شيء أننا بشر».
على صعيد آخر، كان ليهود لبنان 17 كنيسا، أشهرها كنيس المن، والكنيس الإسبانيولي، وكنيس دانا، وكنيس دير القمر وكنيس صيدا، بالإضافة إلى وجود عدد من المقابر، ما زالت رفات اليهود تدفن فيها حتى اليوم، ولكن في الليل إذ تقام الصلوات سرا في الظلام، خوفا من انفضاح أمرهم.
ولقد أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى أعمال انتقامية عدة ضد الطائفة اليهودية اللبنانية، كما حاولت إسرائيل اجتذاب يهود لبنان ليهاجروا إليها. غير أن فكرة الهجرة إلى إسرائيل بقيت فكرة مرفوضة رغم تعرض الطائفة للكثير من الاعتداءات، أبرزها اختطاف 11 يهوديا من أعيان الطائفة اليهودية اللبنانية وإعدامهم، بحسب مصادر يهودية لبنانية. وقبل عدة سنوات، اتخذ رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الراحل رفيق الحريري قرارا بإعادة افتتاح الكنيس وإحاطته بالحدائق، لكن القرار لم يُنفّذ.
وبعيدا عن الكنس ودور العبادة، كانت لليهود في لبنان حياة اجتماعية متكاملة الحلقات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية. وكانت لهم ثلاث مدارس تدرس اللغة العبرية والفرنسية إضافة إلى العربية، هي مدرسة سليم طراب المعروفة بـ«التلمود تورا»، ومدرسة الآليانس، ومدرسة الحلبية، وجميعها كانت موجودة في حي وادي أبو جميل ببيروت. لكن هذه المدارس دمرت خلال الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، باستثناء المدرسة التلمودية. أما بالنسبة للمدرسة التلمودية المجاورة لكنيس «ماغن أبراهام»، فقد هدمت لكي لا تحجب منظر شاطئ البحر على أبنية حديثة مجاورة، مع أن ملكية الأرض ما زالت لليهود اللبنانيين، وفق ما يؤكده أحد أبناء الطائفة في بيروت.
كذلك نشطت حركة اليهود ثقافيا قبيل إعلان دولة إسرائيل، فكانت لهم في لبنان صحيفة هي «العالم الإسرائيلي» لمؤسسها سليم آلياهو، الذي أصدرها عام 1921، وكتبت فيها مقالات سياسية شجعت الخط الصهيوني، ودعمت دولة إسرائيل، وحرضت الشعب اليهودي على احتلال فلسطين.
ووفق إحصاءات رسمية عام 2003. يوجد في لبنان حاليا 1500 يهودي، لكن 60 منهم فقط مسجلون كيهود، بينما تحول الباقون إلى ديانات أخرى. ونظرا لعددهم الكبير في الماضي، كان لكل منطقة مختار (عمدة) يهتم بشؤون الطائفة لتسهيل معاملاتهم الرسمية وإصدار الوثائق الرسمية لهم، كجوازات السفر وإخراجات القيد التي يدون عليه اسم الطائفة، ومن أشهر مخاتير اليهود في لبنان وآخرهم المختار سعد المن، الذي كان يمثل منطقة ميناء الحصن، التي تشمل وادي أبو جميل.
* مقبرة اليهود في حي «السوديكو»
* أول من دُفن في هذه المقبرة الحاخام موسى يديد ليفي عام 1829. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، كانت المقبرة اليهودية على خط تماس ميداني تحت سيطرة قوة من ميليشيا «القوات اللبنانية»، فزرعت فيها الألغام، كي لا يعبر خصومهم منها إلى الجانب الآخر. وفي وقت لاحق، أزال الجيش اللبناني كل الألغام التي زُرعت في هذه المقبرة. وتضررت عدة قبور من التفجيرات والصواريخ. وحسب رئيس الطائفة اليهودية، فإن عمليات الترميم للمقابر بدأت مع بدء عملية ترميم كنيس «ماغن أبراهام».
* زعماء الطائفة اليهودية في لبنان
* منذ عام 1910. قاد عدة زعماء المجتمع اليهودي اللبناني، ومنهم:
عزرا أنزروت يرور 1910
يوسف د. فارحي 1910 - 1924
يوسف ديشي 1925 - 1927
يوسف د. فارحي 1928 - 1930
سليم هراري 1931 - 1934
يوسف د. فارحي 1935 - 1938
إسحق ساسون 1977 - 1985
راؤول مزراحي 1985 - 1986
يوسف مزراحي 1986 - 2005
إسحق أرازي 2005 - 2014.

* كنيس «ماغن أبراهام»
* يعد كنيس «ماغن أبراهام»، أو كنيس «ماغين (أو مجن - أي درع باللغة العربية) إبراهيم»، الأقدم والوحيد في بيروت. ولقد شيد الكنيس عام 1925، وأطلق عليه اسم ابن أبراهام ساسون. وساعد يوسف فارحي، زعيم الطائفة اليهودية في لبنان، في إكمال البناء الداخلي، وذلك لنقص التمويل. واستعملت «الحركة الصهيونية» الكنيس في أربعينات القرن الـ20 محطة مؤقتة للمهاجرين غير الشرعيين إلى فلسطين.
وفي عام 1976؛ بعد عام على بداية الحرب الأهلية اللبنانية، نقل يوسف فارحي أسفار التوراة الخاصة به إلى جنيف بسويسرا، حيث استودعها لدى المصرفي الملياردير الراحل إدمون صفرا الذي حفظها بدوره في خزائن مصرفه. ولقد جرى نقل غالبيتها لاحقا إلى كنس لليهود الشرقيين في إسرائيل.
* حاخامات اليهود في لبنان
* بين أعوام 1908 و1978، قاد عدة حاخامات كنس اليهود في المجتمع اللبناني، ومنهم:
الحاخام دنون 1908 - 1909
يعقوب مسلاتون 1910 - 1921
سليمان تاجر 1921 - 1923
شبطاي باحبوت 1924 - 1950
بنزيون ليشتمان 1932 - 1959
يعقوب عطية 1949 - 1966
شحود شريم 1960 - 1978



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.