آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

ثري من أصل مغربي زعيم المعارضة العمالية الإسرائيلية الجديد

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو
TT

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

«أنا نتاج الهبّة الشعبية في إسرائيل، التي أعقبت أحداث الربيع العربي في تونس ومصر»... هكذا يقول آفي غباي، الزعيم الجديد للمعارضة الإسرائيلية، الذي أعلن حال انتخابه أن المعركة «لإسقاط النظام» بقيادة بنيامين نتنياهو، قد انطلقت. وهو يقصد كلمة «إسقاط النظام» بكل معانيها، لأن نتنياهو - من وجهة نظره - لم يكن مجرد «رئيس حكومة آخر» في إسرائيل، بل صاحب أجندة لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم. فوفق كلام غباي «نتنياهو يعتمد سياسة تعزّز مكانته كرئيس حكومة من دون أي جهد لحل مشاكل المواطنين والدولة. يعتمد على الشعارات. يخاف من المتطرفين في حزبه وفي حزب (البيت اليهودي)، حليفه اللدود. يرضخ لإملاءات مجموعة ضيقة من المتطرفين ويمس بالقيم الليبرالية والديمقراطية بلا حساب. يضعف سلطة القانون ومحكمة العدل العليا. يسنّ قوانين لا ديمقراطية. يعجز عن تقديم مبادرات لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي العربي. يضيع فرصة إقامة سلام إقليمي. يدير الدولة وسط أساليب فساد، فالمقربون يتولون الوظائف الكبرى والمصيرية وليس أصحاب القدرات المهنية. إسرائيل تحت حكم نتنياهو، هي ليست إسرائيل التي حلم بها هرتسل وقادها بن غوريون ودفع شعبنا ثمنا باهظا حتى رأيناها تقوم وتتطور. وهذه ليست إسرائيل التي يريدها الجيل الجديد. نتنياهو يجب أن يذهب إلى البيت».
عبر الخطاب أعلاه حرث آفي غباي، الزعيم الجديد لحزب العمل الإسرائيلي، إسرائيل طولا وعرضا، حتى ينتخبوه رئيسا لأعرق أحزاب البلاد، الذي يقف اليوم في المعارضة، وهو الذي كان قد قاد الحركة الصهيونية منذ قيامها وحتى عام 1977، وبنجاح غباي في هذه المرحلة، يُبعث الأمل من جديد لدى أوساط واسعة من الإسرائيليين الذين ملّوا قيادتهم السياسية المتطرفة الحالية ويرون فيه بداية عهد جديد.
بطاقة هوية
عشرات المحيطين بغباي يؤمنون بأنه ليس سياسياً تقليدياً، ويؤكدون أن قصة حياته الشخصية تبشر بنجاح طريقه. فهو ابن العائلة الفقيرة، التي وصلت من المغرب في مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي. والده عامل فني في شركة الاتصالات الحكومية «بيزك»، ووالدته ربة بيت.
ولد آفي غباي في القدس عام 1967، في بيت بائس داخل حي من البراكيات. الحي كان يشبه مخيمات اللاجئين. سميت في حينه «معبراة» - وتعني «محطة انتقال»، (أي «معبر») - جرى وضع اليهود الشرقيين فيها وكثيرون منهم بقوا فيها عشرات السنين، قبل أن يتاح لهم الانتقال إلى بيوت ثابتة. وكانت عائلته عائلة كثيرة الأولاد، إذ هو الثامن بين سبعة إخوة وأخوات.
تعلم في القدس الغربية حتى الثانوية، ثم تجند بالجيش في شعبة الاستخبارات العسكرية. وارتقى فيها إلى درجة ضابط كونه يعرف بعض الكلمات العربية. بعدها تعلم اللغة العربية على أصولها في الوحدة 8200، التي باتت أكبر جهاز استخبارات في إسرائيل وأضخم وحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي. وتشمل مهام هذه «الوحدة» متابعة ما يجري في أراضي العدو ولدى قوات العدو في أي مكان في العالم، عبر التنصت وغرس الأجهزة والمجسّات في الدول العربية وإدارة «الحرب السايبرية» وغيرها. ولكن حسب قوله فإن عمله في هذه «الوحدة» لم يجعله يكره العرب، بل على العكس من ذلك، فهو يعتز بانتمائه إلى العالم العربي وبالذات المغرب. وحتى عندما ترك الجيش حافظ على علاقات مع اللغة والثقافة العربية. وهو يتابع الفن والموسيقى أيضاً، ويستمع إلى أغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش، كما أنه معجب بشكل خاص بنانسي عجرم.
رجل أعمال ناجح
بعد الجيش التحق غباي بالجامعة العبرية في القدس، وتخرّج في كلية الاقتصاد في اللقب الأول وإدارة الأعمال في اللقب الثاني. وبعد تخرّجه في عام 1995 استوعب في وزارة المالية ضمن دائرة الاتصالات في قسم الميزانيات. وفي عام 1999، انتقل إلى العمل مساعدا لمدير عام شركة «بيزك» للاتصالات، التي يعمل فيها والده. ثم عين مديراً لإحدى الشركات الفرعية فيها، وبعد سنتين، عيّن المدير العام للشركة. وهنا أثبت قدرات عالية في إدارة الأعمال، ونقل الشركة من خسائر دائمة إلى أرباح كبيرة. وطيلة سبع سنوات مع الشركة، تمكّن من تجميع رواتب وأرباح بقيمة 50 مليون شيقل (ما يعادل 14 مليون دولار أميركي).
عند هذه المحطة من حياته قرّر غباي قرر تقديم استقالته وهو في عز النجاحات، معلناً أنه سيتفرّغ على الفور للعمل التطوعي بهدف تغيير الأوضاع في الدولة. وحقاً، وجد له حليفا في الرؤية هو موشيه كحلون، الذي كان وزير الاتصالات في ذلك الوقت، والذي أحدث ثورة في ذلك المجال، غير أنه لم يحتمل قيادة بنيامين نتنياهو، فاستقال من الحكومة ومن حزب الليكود... وراح يفتش عن طريق جديد.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 شهد غباي وكحلون معاً الهبّة الشعبية التي انفجرت في إسرائيل تأثراً بالانتفاضات الشعبية التي حدثت في مصر وتونس. إذ خرج إلى الشوارع نحو 400 ألف إسرائيلي يهتفون: «الشعب يريد تغيير النظام». وشاهد الرجلان كيف أقدم نتنياهو على تنفيس هذه الهبّة عن طريق تشكيل لجنة لتغيير الأوضاع الاقتصادية من جهة، وتفجير حرب على قطاع غزة من جهة أخرى.
تأسيس حزب «كولانو»
وهكذا عزم غباي وكحلون على تأسيس حزب جديد، وسمياه «كولانو» (كلنا). وخاض الحزب الوليد الانتخابات الأخيرة وفاز بعشرة مقاعد (من مجموع مقاعد الكنيست الـ120)، أي ثلث المقاعد التي حصل عليها الليكود بقيادة نتنياهو. ولأن كحلون يميني بدأ حياته السياسية في الليكود، انضم حزبهما إلى الائتلاف الحاكم، وتم تعيين كحلون وزيراً للمالية، بينما أسندت إلى غباي حقيبة وزارة البيئة.
غباي يصف تلك التجربة بقوله إنه كان يشعر وكأنه نبتة غريبة في الحكومة. ومع أنه حقق نجاحات غير قليلة، وتعامل مع موضوع البيئة بأسلوب جديد، فسرعان ما وجد نفسه خارج الحكومة. ولقد حصل ذلك عندما أقدم نتنياهو على دفع وزير دفاعه موشيه يعلون إلى الاستقالة وتنصيب آفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «يسرائيل بيتنا» بدلاً منه. إذ ذاك قرّر غباي أنه لا يستطيع تحمّل هذه الطريقة في العمل، وفقد تماماً الآمال التي عقدها على تلك الحكومة لتحسين أوضاع الناس. وأدت هذه الخطوة إلى تعزيز رصيده الجماهيري كقائد ذي قيم ومبادئ، وهي صفات باتت بعيدة عن السياسيين التقليديين في إسرائيل.
الالتحاق بحزب العمل
في نهاية السنة الماضية، انضم آفي غباي إلى حزب العمل الإسرائيلي، وكانت هذه مفاجأة أخرى. ذلك أن هذا الحزب، الذي يعتبر في إسرائيل «يسارياً قديماً»، بدا أنه في أفول نهائي. وكانت الاستطلاعات تتوقّع له الانهيار في الانتخابات المقبلة (بعد تراجع عدد مقاعده من 24 مقعداً إلى 8 مقاعد فقط). وراح غباي يمتدح هذا الحزب على أنه «حزب عريق له جذور قوية في تاريخ الحركة الصهيونية» و«لا يوجد حزب غيره قادر على تغيير حكم اليمين المتطرف».
ثم أعلن نيته المنافسة على زعامة الحزب، بعدما اضطر رئيس الحزب يتسحاق هيرتسوغ إلى تقديم موعد الانتخابات الداخلية. ولما كان هناك ثمانية متنافسين غيره على رئاسة الحزب، بات ترشحه يثير السخرية. بل لقد وقف ضده الجهاز التنظيمي للحزب، واتحاد النقابات، وقادة الكيبوتسات (التعاونيات) ومعظم أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
لكن غباي لم يتأثر. بل حظي بدعم شبيبة الحزب، التي وفرّت له مجموعات شبابية ترافقه إلى كل مكان. وساعده في ذلك كونه أصغر المرشحين سناً (50 سنة). وبالفعل، راح ينتقل من بيت إلى بيت ومن بلدة إلى أخرى. والتقى نحو عشرة آلاف من أعضاء الحزب أصغى إليهم بصبر اهتمام، وتحدث معهم عن الأمل، ووضع أمامهم تحديات جديدة. ومن ثم أقنعهم بأنه قادر على إلحاق الهزيمة بنتنياهو.
وهكذا، ما إن وصل يوم الانتخابات، حتى غدا أقوى المنافسين. وانسحب أحد منافسيه الجنرال عاموس لفين وانضم إليه. وفي الدورة الأولى سقط رئيس الحزب، هيرتسوغ، وفاز غباي بثاني أكبر عدد من الأصوات، خلف المتصدّر عمير بيرتس، وزير الدفاع الأسبق الذي يعتبر أيضاً أقدم أعضاء الكنيست خدمة (35 سنة)، ويلقب بـ«ثعلب السياسة الإسرائيلية».
انتخابه زعيماً للحزب
مع هذا فاز «الحَمَل» غباي على «الثعلب» بيرتس، إذ حصل على 52.4 في المائة من أصوات الناخبين، فأصبح رئيسا بلا منازع، واعتبر فوزه انقلاباً جوهرياً. كذلك، شبه كثيرون فوز غباي بإنجاز شاب آخر تجربته السياسية قصيرة هو إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الجديد. ولم يتردّد غباي في قبول المقارنة مع ماكرون، إذ أعلن حال فوزه أنه ينوي قيادة حزب العمل نحو إنجاز في الانتخابات المقبلة يتمثل بـ30 مقعداً... ويهزم نتنياهو.
الزعيم العمالي الجديد يؤكد أن هذا الهدف ممكن التحقيق. ويقول إنه ينوي التوجه في الأساس إلى ناخبي حزب الليكود، ويبدي اقتناعاً بوجود «مستودع» داعمين كبير يمكن أن ينتقل من دعم حزب السلطة إلى دعم حزب العمل برئاسته. ويضيف غباي «أنا أتأهب منذ اليوم للتجوال في كل البلاد، والوصول إلى أناس لم نتحدث معهم ولا يعرفوننا بعد، وعرض مخططاتنا ونوايانا عليهم... وأنا واثق من أنهم عندما سيسمعوننا سيصوتون لنا، لأن لدينا الكثير مما نعرضه».
أولوياته في إجابات
وخلال لقاء معه، سئل غباي عن برامجه التي ستجتذب ناخبي الليكود اليمينيين؟ فأجاب: «المشكلة الرئيسية هي أن الناس يخافون اليوم من بدء مسيرة التقدم في الحياة. يخافون من غلاء المعيشة وغلاء المساكن. الحكومة لا توفر رداً صحيحاً في هذه القضايا. جهاز الرفاه (الضمانات الاجتماعية) ينهار كل شيء وتجري خصخصته. المخصّصات ليست مهمة للغالبية، ومع ذلك فإننا ننوي معالجتها. ومن أجل ذلك يجب زيادة النمو. عندما نزيد النمو سنحصل على ضرائب أكثر، وسنتمكن من الاهتمام بالمواطنين».
عندما سئل عن كيفية توفيقه بين اعتباره نفسه اشتراكياً ديمقراطياً وطرحه سياسة تبدو رأسمالية، رد قائلاً: «أنا لست رأسمالياً، وقلت تماما ما أنا وما هي نياتي خلال الحملة الانتخابية. لا توجد علاقة بين ما كنت وحقيقة أنني كنت مديرا لشركة كبيرة. هذان أمران مختلفان. أنا أنوي تعيين أفضل الأشخاص في إسرائيل على أساس الكفاءة... لأن التعيينات السياسية تدمّر الدولة. ثم إنني اطرح حواراً يختلف تماما، بين العلمانيين والمتديّنين، بين العرب واليهود، وغير ذلك. لدي اتصالات مع الجميع وأعرف كيف أتدبر معهم وأرتبط بهم».
عن برنامجه السياسي مع الفلسطينيين، قال غباي: «سأختبر ما إذا كان أبو مازن شريكاً. آمل أن يكون كذلك، وفي هذه الأثناء هو الشخص الوحيد الذي يمكن الجلوس معه حول الطاولة. على كل حال، سأستثمر جهودا كبيرة لتحريك العملية السياسية من أجل دفع حل الدولتين». وعن احتمال اضطراره لتقديم تنازلات لليمين من أجل كسب ناخبي الليكود، أوضح: «التجربة التي سأقودها في المسار السياسي هي أخذ ناخبين من الليكود، هناك يوجد أكبر مستودع للنواب، وأنا أقصد هذا ولا أقصد غمز اليمين، وأنا مقتنع بأن هناك الكثير ممن صوتوا في الماضي لليكود يؤمنون بمواقف حزب العمل».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.