خيوط «سبايدر مان» واهية وأرباحه عالية

هل تحولت سينما الكوميكس إلى مافيا؟

لقطة من «سبايدر مان - العودة»  في ثياب العنكبوت - مايكل كيتون من طائر إلى آخر
لقطة من «سبايدر مان - العودة» في ثياب العنكبوت - مايكل كيتون من طائر إلى آخر
TT

خيوط «سبايدر مان» واهية وأرباحه عالية

لقطة من «سبايدر مان - العودة»  في ثياب العنكبوت - مايكل كيتون من طائر إلى آخر
لقطة من «سبايدر مان - العودة» في ثياب العنكبوت - مايكل كيتون من طائر إلى آخر

قبل زمن غير بعيد، كان في مقدورنا، كمشاهدين، مشاهدة الفيلم المنقول عن صفحات مجلات الكوميكس، ببطله وحده لا غير. صحيح أنّ المجلاّت المطبوعة جمعت بين بعض شخصياتها البطولية لتخلق صداماً ما بينها، إلا أن السينما حافظت لأمد طويل على مبدأ أن هذا الفيلم من نصيب هذا البطل وحده. البطل الآخر له فيلمه وسلسلة أفلامه المنفصلة.
بذلك كنا ندخل الصالة لنشاهد «باتمان» وأشراره، وليس «باتمان» و«سوبرمان» و«ووندر وومان» معاً. فيلم «آيرون مان»، كان عن ذلك البطل الحديدي بمفرده كذلك «ثور» أو «كابتن أميركا» أو سواهما. لكن أحدهم في هوليوود فكّر بأنّ الجمع بين الأبطال في فيلم واحد، أوفر من تخصيص كل واحد منهم بسلسلة أفلام. شيء من نوع الشراء بالجملة وليس بالمفرق.
على هذا الأساس لم نعد نرى «آيرون مان» لوحده، بل في سلسلة «ذا أفنجرز»، أو مع «كابتن أميركا». «ذا هَلك» (أو العملاق)، لن ينفرد بفيلم على مقاسه، «باتمان» سيلتقي بـ«سوبرمان». المعجبون بأي من هؤلاء قد يجدونها فرصة لمشاهدة اثنين منهما أو أكثر في فيلم واحد. لِم التّعب واللهاث وراء أفلام متعددة؟
في الوقت ذاته، اكتشف المفكر الهوليوودي كيفية زرع الأشجار. تضع البذور. تنمو الشجرة. تقصّ منها غصناً. تزرعه هناك فيصبح لديك شجرتان؛ الأولى تلمّ شمل الأبطال معاً، والأخرى تفرد نفسها لبطل معيّن.
إنّها طريقة معاكسة، كما لاحظنا في سلسلة «رجال إكس» مثلاً التي انبرت منها سلسلة «ووفرين - لوغان»، لكنّ المبدأ واحد والغاية لا تختلف كثيراً.
* شباك العنكبوت
«سبايدر - مان: العودة» (Spider‪ - ‬Man‪:‬ Homecoming) الذي يحتل المركز الأول في الإيرادات هذه الأيام ينتمي إلى الطريقة الأولى: هو بطل الفيلم، لكنّ ذلك لا يمنع من استضافة «آيرون مان» و«كابتن أميركا». الأول لديه ثلاثة أو أربعة مشاهد، والثاني جزء من فصل من المعارك. ولولا أنّ ذا فالكون (دون شيدل)، كان يقضي عطلة في هونولولو و«بلاك ويدو» (سكارلت جوهانسن) كانت تبحث عمن يفصّل لها ثوباً جديداً لجرى ضمّهما على الأرجح. «سبايدر - مان» نفسه (كما يؤديه توم هولاند) كان له دور محدود في «كابتن أميركا: حرب أهلية» في العام الماضي.
المسألة باتت تبدو كما لو أنّ الجميع يؤلّفون عصابة مافيا واحدة.
الفيلم هو إعادة صنع أو Reboot، كما يسمون في عصر الكومبيوتر مشروع إعادة بث الحياة في الجزء الأول من سلسلة ما بسينمائيين جدد تاركين مهمة المقارنة بين ذلك الأصل الذي يريدون إعادة صنعه، وإعادة الصنع ذاتها من مهام الناقد. أمّا الجمهور فهو قابل بكل ما يحدث له، وها هي 408 ملايين دولار من الإيرادات الأميركية، ونحو 300 مليون من تلك المسجلة في السوقين الصينية والأوروبية (والعدّاد لا يزال جارياً)، تؤكّد ذلك. بالمقارنة إذن فإنّ نسختَي المخرج سام رايمي (أين اختفى؟) «سبايدر - مان» (2002)، و«سبايدر مان 2» (2004)، هما أفضل بسنوات ضوئية من هذا الفيلم الملغوم بكل أنواع المؤثرات التقنية. لا فرق إذا ما كان الكثير منها يمر من دون أن يترك الإثارة المنشودة، المهم هو أن توجَد وتتراكم.
«سبايدر مان» (توم هولاند)، يمتلك الخصائص التي تجعله ماهراً في رمي الشباك العنكبوتية وحبالها التي لا تنقطع. يتسلق بها الجدران العالية، يستخدمها لكي ينتقل من حي لآخر كما كان طرزان يفعل في الأدغال، مستخدماً ألياف الشجر. يربط «سبايدر مان» بخيوطه المصاعد التي فقدت حبالها وتكاد تسقط بمن فيها من الأدوار العليا. يطير. يحط. يسقط وفي أوقات الفراغ يحاول أن يقول لتلك الفتاة السمراء ليز (لورا هاريير)، إنّه يحبّها. لكن عقله دائماً في مكان آخر. تُحرّك عيناها دائماً، لكن لا شيء لديها تقوله. في النهاية تُدرك أنّ كلّ ما يجمعهما في الحياة، هو هذا الفيلم الركيك، فتترك البطل وتعد بأنّنا لن نراها مرّة أخرى.
* طار من فيلم لآخر
الحكاية هنا أن «سبايدر مان» (أو بيت باركر، كما اسمه في بطاقة الولادة)، شاب صغير السن لا يزال ينمو بين جدران الكلية وفي الحياة. يريد أن ينضم إلى مجموعة «ذا أفنجرز»، لكن عليه الآن الانصياع إلى نصيحة غامضة من «آيرون مان»: «لا تفعل ما أقوم به ولا تفعل ما لا أقوم به. لديك مساحة رمادية صغيرة هي لك افعل بها ما تشاء». لكن لو رضي «سبايدر مان» بتلك المساحة الصغيرة، لما كان هناك فيلم، وعليه، يجب أن يقوم بما يراه صائباً، خصوصاً بعدما اكتشف أن هناك عصابةً يقودها شخص اسمه فلتشر (مايكل كيتون)، هدفها تطوير الأسلحة النارية وبيعها للعصابات. فلتشر يعمل وعصابته في هذا الحقل منذ 12 سنة، بنجاح كما يقول، بيد أن دخول «سبايدر مان» على الخط بات يعرقل عملياته. عليه أن يقتله.
يحدث أن فلتشر ما هو إلا والد ليز! (يا لها من صدفة، أليس كذلك؟)، وهذا لن يردعه عن محاولة قتل «سبايدر مان» الذي كثيراً ما نشاهده في الفيلم يقف حائراً. يصعد مبنى شاهقاً من دون الحاجة إلى ذلك، أو يرمي بخيوطه اللاصقة، لكنَّها لا تلبيه. هذا قبل أن يصبح أكثر مهارة لاحقاً ما يقنع «آيرون مان» (روبرت داوني جونيور)، بضمّه إلى الفريق.
مايكل كيتون، في دور فلتشر يعرف ما يريد وكيف سيؤديه. والمثير للملاحظة أنه كان لعب شخصية «باتمان» أيام قيام تيم بيرتون بإخراجها في أواخر الثمانينات. وقبل ثلاث سنوات أو نحوها لعب شخصية «بيردمان» وهي شخصية مؤلفة وليست مقتبسة عن رجل مثل شخصية «سوبر هيرو»، لكنّه الآن أصبح نكرة. من هذا الفيلم الذي أخرجه أليخاندرو غونزاليز إيناريتو إلى شخصية فلتشر الحالية (التي تطير باستخدام جناحين ميكانيكيين)، يكون كيتون قد لعب البطولة التقليدية والبطولة غير التقليدية ثم دور الشرير والمحور واحد.
الفيلم يبدأ ناعساً. هناك عشر دقائق لا لزوم لها، لو أن فيلق الكتاب الذي جيء بهم (تسعة)، عرفوا كيف ينطلقون من الزمن الحالي عوضاً عن الزمن الماضي. لكن بعد تلك الدقائق لا يتغير الوضع. المشاهد المدرسية تتوقف عند السطر الأول، في واجب مدرسي لم يُحفظ. مختصرة وبلا حيوية. حتى مشاهد القتال الأولى صبيانية. لاحقاً، بعد نحو ساعة وربع الساعة من الصبر غير الجميل، تبدأ مشاهد المعارك بإثارة الاهتمام، لكن كلّما عاد «سبايدر مان» لطبيعته البشرية، افتقر الفيلم إلى معركة أخرى.
قرأت لأحد النقاد الغربيين قبل سنوات عدة، عندما كنت لا أزال في مطلع مهنتي، أنّ هوليوود باهرة في تنفيذ كل ما هو فانتازي، وفقيرة في تجسيد كل ما هو واقعي. هذا لا يزال صحيحاً، لكن مع وجود أفلام كـ«سبايد مان: العودة»، فهي قد تفتقد التنفيذ الفانتازي الجيد أيضاً.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.