شاشة الناقد

مشهد لغوزلينغ ومارا وفاسبيندر في «أغنية لأغنية»
مشهد لغوزلينغ ومارا وفاسبيندر في «أغنية لأغنية»
TT

شاشة الناقد

مشهد لغوزلينغ ومارا وفاسبيندر في «أغنية لأغنية»
مشهد لغوزلينغ ومارا وفاسبيندر في «أغنية لأغنية»

* الفيلم Song To Song‬:
* إخراج: ترنس مالك.
* تمثيل: رايان غوزلينغ، روني مارا، مايكل فاسبيندر، نتالي بورتمن، كايت بلانشت.
* النوع: دراما عاطفية.
* تقييم
في كل مرّة يقدّم المخرج ترنس مالك، فيلماً جديداً، تتكاثر التّكهنات بماهية هذا الفيلم الجديد. ما المقصود به؟ هل هو مرثاة أو ملهاة؟ هل هو فن أو ادعاء؟ هل ترنس مالك هو أفضل مخرج أميركي منذ أورسن وَلز أو هو مجرد لاعب في ساحة لا يلعب فيها سواه؟
هذه الأسئلة تردّدت منذ أن عُرض الفيلم في مهرجان South by Southwest في العاشر من الشهر الثالث هذا العام، وتنتشر حالياً من جديد وعلى شكل واسع، مع بدء عروضه في كل مكان يستطيع هذا الفيلم الوصول إليه.
في كل أعماله هناك الدافع العاطفي عند أبطاله الواقعين في الحب، قبل أن يبدأوا بنكرانه. في خلال هذا الوضع أشار، منذ فيلمه الأول «بادلاندز» (1973)، كيف أنّ الحب فعلٌ لم نمارسه بإجادة بعد. في أفلامه الثلاثة الأخيرة أضاف إلى هذا الموضوع علاقة الأبناء بالآباء. في «فارس الكبّة» (Knight of Cups)، هي صراع مبادئ بين بطله (كرستيان بايل) ووالده (برايان دَنَهي). هنا، في فيلمه الجديد «أغنية لأغنية» بين أحد بطليه (رايان غوزلينغ) وبين أبيه (رتشارد ديلارد)، كذلك بين إحدى بطلاته (روني مارا) ووالدها (برادي كولمن). ثمّ، وكما في «فارس الكبّة» هناك الشقيقان وكلٌ ينظر إلى الموضوع ذاته من زاوية مختلفة.
في الأساس، وبين ثنايا أسلوب عمل مالك الذي يستبعد تماماً فكرة سرد الحكاية كما اعتاد المشاهد متابعتها، هو عن وضع عاطفي يربط كل الشخصيات الأساسية (من دون ذويهم أو أقربائهم)، في حمى تلك العلاقات التي يسيء فيها الواحد للآخر بعد حبه له، أو تراه يُصاب بالإساءة من دون ذنب يراه.
الحب، حسب أفلام مالك، هو حالة روحانية تنتمي إلى ما بثه الخالق في ذواتنا. لتبيان ذلك يبدأ هنا، كما في «شجرة الحياة» و«للعجب»، بالتعبير عن حب حاضر بين بطليه تزيّنه لقطات الطبيعة. الأشجار والماء والكاميرا التي تسبح في الفضاء بعيداً عن ممثليها. بعد قليل تبدأ السُّحب التي بدت بعيدة بالاقتراب، وما هي إلا دقائق حتى يتخلّى أحد الطرفين عن الآخر لينساق صوب حب جديد.
«هل تستطيع أن تسامحني؟»، تسأل روني مارا الرجل الذي أحبّها (رايان غوزلينغ)، ثم تركته لمن اعتبرها أداة (مايكل فاسبيندر). لكن المسألة ليست في الغفران بقدر ما هي في الخطأ ذاته. مالك لا يكترث لتأليف وضع تقليدي، بل يضع هذا الوضع في قالبه الخاص ليخلق منه تعليقاً شاملاً على حياة شخصياته التي تقترب من السعادة، ثم تسمح لها بأن تتبخر بأفعال تختارها قبل أن تندم. الخلفية التي تقع عليها الأحداث هنا هي موسيقية (كما يشي العنوان)، والفيلم مليء بالأسطوانات المأخوذة من الأمس واليوم، لكنّه ليس فيلم ميوزيكال مطلقاً. بل ينتمي إلى جماليات أسلوب مخرج لا تعرف أين سيوّجه كاميرته في اللقطة المقبلة.
كل ما في الفيلم يتحرّك كما لو كانت الكاميرا (بيد إيمانويل ليبسكي)، عين ثالثة تتوجّه بعيداً عن الممثلين ثم تعود إليهم. تنتقل بينهم ثم تتركهم وهم ما زالوا يتحدثون. صوت المرأة يعلّق على الرجل، وصوت الرجل يعلق على المرأة في مناجاة حزينة وملحّة. لا يفوّت مالك، هنا أكثر من أي فيلم سابق، التقاط تفاصيل التعبير على وجوه ممثليه. غوزلينغ، على الأخص، أو من خلال تفاصيل حركات أيديهم. ترنس مالك وحده يعرف متى وأين ولماذا. في القدر ذاته من الأهمية يأتي الحوار. جمل قصيرة متباعدة أحيانا لكنّها دوماً في محلها الصحيح.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز