«غرفة تخص المرء وحده» لفرجينيا وولف: قبل الثورة السورية وبعدها

«غرفة تخص المرء وحده» لفرجينيا وولف: قبل الثورة السورية وبعدها
TT

«غرفة تخص المرء وحده» لفرجينيا وولف: قبل الثورة السورية وبعدها

«غرفة تخص المرء وحده» لفرجينيا وولف: قبل الثورة السورية وبعدها

لا تتوقف أهمية كتاب فرجينيا وولف «غرفة تخص المرء وحده»، الصادر سنة 1929، عند الاعتبارات المنسوبة إليه كدالٍ رفيع المستوى على موجة الحركة النسوية الأولى، فحسب، إذ حدث عندما قرأته للمرة الأولى أني تبادلت الأدوار مع كتاب يُفترض أن يغيرني، رغم ما توحيه هذه العبارة من ضيق رؤية. وجدت في سطوره مُعاينة لتجربتي، وكيف ثرت أنا شخصياً على واقعي. كانت القراءة بمثابة وعي متأخر بالذات المتمردة. جاء مثل تحميض صورة عتيقة، قادمة من زمن غريب. كنت حصلت على تلك الغرفة التي تخصني في سن مبكرة، بعد معارك متعددة في مجتمعي. قلت في نفسي: هذه بضاعتي رُدت إليّ!
عدت إلى الكتاب بعد الثورة السورية والحرب الهمجية التي تلتها. قبل ذلك كنا ندخل في سوريا على المستوى الحقوقي والاجتماعي في الموجة النسوية الثانية، ونبذل الجهود لانتزاع معنى الحريات المبتذل الذي فرضه نظام الأسد - الأب والابن - وفرّغ مفاهيم مثل حرية النساء والعلمانية من مضامينها الفعلية، وألحقها بجملة من الشعارات الديماغوجية الدعائية لنظام فاشي.
وجدنا أنفسنا بعد سنوات الثورة والحرب نعود وجهاً لوجه، نحن النساء، أمام بديهيات الموجة النسوية الأولى، ومن هنا عدت إلى هذا الكتاب مجدداً. قرأته مرات ومرات، حيث لا أخفي انشغالي بفكرة التعليم ونشر الوعي والتنمية بين النساء، التي أجدها الآن ضرورة وأولوية في مجتمع الحرب. وهذه مرحلة لم تكن وولف قد تحدثت عنها في كتابها؛ لأنها تتراوح بين الموجة النسوية الثانية والثالثة، بينما الأهمية الآن هي العودة إلى نقطة الصفر، من حيث انطلق كتاب «غرفة تخص المرء وحده». نحن نعي أننا نعيش في أوطان أطلقوا عليها اسم بلدان العالم الثالث، ويتوجب علينا أن نعمل كنساء في هامش الهامش.
الكتاب الذي عدت وقرأته كلمة كلمة، كان خلال السنوات الماضية ملهماً لي في تحليل ما قالته وولف عن علاقة الاستقلال الاقتصادي بالحرية، وعن نقدها الجارح وتحليلها لأدبيات القرون الوسطى التي عاشت من خلالها النساء الكاتبات والشاعرات أزمنة سوداء توازي في ظلامها ما تعيشه السوريات حالياً من تبعات عنف التيارات الدينية المتطرفة من جهة، والديكتاتورية من جهة أخرى. هنالك، خاصة، تحليل وولف لأثر الكنيسة على تقاليد المجتمع، وما أفرزته آراء فلاسفة ومفكرين أنتجوا فكراً ذكورياً قامعاً، رغم انتمائهم إلى المتن الثقافي الذي تتلمذنا على أفكاره. فقد افترضت وولف أن تكون هناك أخت شاعرة لشكسبير، وروت لنا احتمالية ما سيحدث لها كامرأة مبدعة. إنه الموت، فقط. الانتحار، أو أمر أبشع مصيراً.
ما جعل علاقتي بذلك الكتاب استثنائية هي تلك النقطة الحساسة، المتمثلة بهوياتي المتعددة نفسها التي ظهرت واضحة في نص وولف. إنها تُماوج الأدب بالسياسة والخيال، عبر فن عالٍ يوّسع الشخصية الأفقية، ويُرينا الأدب في واحدة من أهم أدواره المُناطة به، والمُختَلف عليها. أقصد هنا دور الأدب النضالي، التعددي، الذي لا يتعارض مع الفني؛ النضالي بالمعنى الجمالي التوّاق للعدالة والإنسانية، واقتراح فضاءات أكثر رحابة للجنس البشري.
«غرفة تخص المرء وحده» عمل أدبي يضيء على الماضي الأسود لواحدة من أهم حقوق الإنسان، التي تشمل حقوق المرأة بالضرورة. وهو يعود بنا إلى مواجهة نكوص واقعنا تحت نقطة الصفر، كي نتأمله طويلاً.

* روائية سورية



كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».