الصدر يحذّر من تأجيج حرب طائفية بعد «داعش»

احتفالات شعبية بتحرير الموصل

عراقيون يحتفلون بتحرير الموصل بساحة «التحرير» في بغداد ليلة أول من أمس (رويترز)
عراقيون يحتفلون بتحرير الموصل بساحة «التحرير» في بغداد ليلة أول من أمس (رويترز)
TT

الصدر يحذّر من تأجيج حرب طائفية بعد «داعش»

عراقيون يحتفلون بتحرير الموصل بساحة «التحرير» في بغداد ليلة أول من أمس (رويترز)
عراقيون يحتفلون بتحرير الموصل بساحة «التحرير» في بغداد ليلة أول من أمس (رويترز)

في حين خرج آلاف العراقيين في مختلف المحافظات العراقية، مساء أول من أمس، عقب إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي تحرير مدينة الموصل من قبضة «داعش»، محتفلين بالنصر الذي حققته القوات المسلحة العراقية على التنظيم الإرهابي، حذّر زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر في كلمة بمناسبة التحرير، من «نية البعض تأجيج حرب طائفية» بعد الانتهاء من مرحلة «داعش»، ودعا إلى «حصر السلاح بيد الدولة» ومحاسبة المقصرين عن سقوط الموصل.
وهنا رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، الشعب العراقي والعالم أجمع بتحرير مدينة الموصل بالكامل، مشيدا بـ«قادة وضباط وجنود القوات المسلحة على كفاءتهم وبسالتهم في تحقيق النصر التاريخي»، مؤكدا على «ضرورة مضاعفة الجهود لحماية المدنيين وإعادة النازحين، والبدء فورا بإعداد الخطط للمباشرة بإعادة إعمار المدينة وكل المناطق المنكوبة».
وامتلأت ساحة «التحرير» وسط بغداد بجموع الشباب المحتفلين على وقع أنغام الموسيقى والدبكات الشعبية، مرددين الأغنية الشهيرة: «عروستنا وأخذناها». كما عمت الاحتفالات أغلب المحافظات في غرب ووسط وجنوب العراق. وتماشيا مع الفرحة التي غمرت كثيرين، قررت الحكومة العراقية أمس عطلة رسمية. ولأول مرة منذ سنوات، يجد العراقيون الذين مزقتهم الصراعات المذهبية والسياسية، أنفسهم أمام حدث يحظى بإجماع وطني غير مسبوق. وينظر كثير من العراقيين إلى احتلال «داعش» مدينة الموصل وإعلان خلافته المزعومة فيها على أنه «جرح» غائر في الذاكرة الوطنية العراقية. وشبه مواطنون الاحتفال بتحرير الموصل، بالاحتفالات التي أعقبت نهاية الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988، بعد استمرارها 8 سنوات.
على أن الفرحة الغامرة لم تنس كثيرين التذكير بمسارين أساسيين يتعلقان بسقوط الموصل وتحريرها؛ يتعلق الأول بالرغبة في محاسبة المسؤولين عن سقوطها وتقديمهم إلى محكمة عادلة، وتتعلق الثانية بمعالجة الآثار الكارثية التي خلفها احتلال «داعش» والحرب ضده على المدينة وأهلها.
وفي المسار الأول، انطلقت منذ أيام حملة شعبية لجمع مليون توقيع بهدف الضغط على الحكومة العراقية والمنظمات الدولية للتحقيق بحادثة سقوط الموصل ومجزرة «معسكر سبايكر» في صلاح الدين ومحاسبة المقصرين والمتسببين في صعود «داعش». وتشير أصابع الاتهام إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتحميله مسؤولية سقوط المدينة أثناء فترة حكمه، كما تطال لائحة الاتهام ساسة وقادة عسكريين شغلوا مناصب رفيعة قبل يونيو (حزيران) 2014. منهم محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، وقائد القوية البرية علي غيدان، ومدير الاستخبارات العسكرية حاتم المكصوصي، وقائد عمليات نينوى مهدي الغراوي، إلى جانب قائد القوات المشتركة الفريق أول ركن عبود قمبر وآخرين.
وفي المسار الثاني، تدور أحاديث ونقاشات كثيرة على المستويين الرسمي والشعبي تتعلق بمعالجة آثار الحرب على الموصل وإعادة بناء البنى التحتية وعودة النازحين.
وتشير التهنئة التي قدمها زعيم التيار الصدري بمناسبة تحرير الموصل، إلى المسارين الآنفين، حيث دعا العبادي إلى «الأخذ بزمام الأمور بعد تحرير الموصل، ولا نعني الوضع الأمني والعسكري فحسب، بل الوضع الإنساني المريع للمهجرين والمتضررين بسبب قوى الشر الإرهابية»، مضيفا: «حسب رأيي، فإن الوضع الطائفي سيتأزم كثيرا، وسيسعى البعض للانتقام من المدنيين بحجة الإرهاب». وأشار الصدر إلى وجود «نية مبيتة لتأجيج الحرب الطائفية».
وطالب حكومة العبادي بـ«تأمين الحدود عموما وتأمينها من الجهة الغربية، لا سيما مع وجود أصوات منادية بإدخال شبابنا في حرب سوريا وغيرها».
ويقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي إنه اطلع على «خطابات القادة والساسة والمنظمات والمؤسسات والوجهاء والأعيان والعوام حول تحرير الموصل، فلم أجد فيها خريطة طريق لما بعد الموصل أوضح من خطاب السيد مقتدى الصدر».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.