صندوق النقد: الشفافية تخلق اقتصاداً أكثر صلابة في الأسواق الناشئة

تقلص من فروق عوائد السندات ومخاطر الاستثمار

صندوق النقد الدولي (رويترز)
صندوق النقد الدولي (رويترز)
TT

صندوق النقد: الشفافية تخلق اقتصاداً أكثر صلابة في الأسواق الناشئة

صندوق النقد الدولي (رويترز)
صندوق النقد الدولي (رويترز)

أفادت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي بأن شفافية البيانات الاقتصادية تزيد من حجم المكاسب المالية التي يمكن أن تحققها بلدان الأسواق الناشئة، مشيرة إلى أنه كلما زادت الشفافية تحقق خفض مقداره 15 في المائة في فروق العائد على السندات الحكومية التي تصدرها الأسواق الناشئة، بأجل استحقاق مدته عام واحد.
واستدل الصندوق في بحثه على بيانات 27 دولة، مستخدما دلالات إحصائية في فروق العائد على السندات الحكومية، وهو الفرق بين سعر الفائدة على السندات الحكومية الأميركية وسعر الفائدة على السندات التي يصدرها بلد آخر، ويستخدم هذا الفرق كمقياس لمخاطر الاستثمار في أي بلد.
واستنتجت الدراسة أنه كلما تحسنت الأوضاع الاقتصادية بعد تطبيق معايير الشفافية، ينخفض فرق سعر الفائدة على السندات الحكومية بمقدار 15 في المائة، وغالبا ما يزداد الأثر بمرور الوقت، وطبقت الدارسة في فترة قصيرة نسبيا (من ربع سنة إلى 8 فصول)، للتأكد من فصل استنتاجات الدراسة عن العوامل الأخرى، فضلا عن تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد المعني قبيل الإصلاحات.
وأكد الصندوق، في دراسته، أن استنتاجات الدراسة لا تحجبها الأحداث الاقتصادية والسياسية المهمة الأخرى، مثل الأزمات أو الاقتراض من الصندوق أو اعتماد استراتيجية استهداف التضخم.
في حين قام الصندوق بتحييد أثر العوامل الاقتصادية الإضافية التي قد تؤثر على فروق أسعار الفائدة، كنسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الناتج المحلي. وتظل استنتاجات دراسة الصندوق تشير إلى أن اعتماد معايير البيانات له أثر ذو مغزى على تكاليف الاقتراض الحكومي. وفي هذا الحالة، تظل استنتاجات الصندوق صحيحة.
بينما أشارت الدراسة إلى منافع الاشتراك في «المعيار الخاص لنشر البيانات»، حيث إن هناك مزايا يمكن تحقيقها من اعتماد إصلاحات أقل إرهاقا على صعيد الشفافية، مثل «النظام العام لنشر البيانات». فحسب الوضع في يونيو (حزيران) 2017، تغطي كل مبادرات الصندوق بشأن معايير البيانات 146 من الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. ومنذ أواخر 2015 قامت عشرون من هذه البلدان بتنفيذ «النظام العام المعزز لنشر البيانات» من أجل تشجيع البلدان ذات القدرات الإحصائية المحدودة على نشر البيانات المستخدمة في حوارها مع الصندوق بشأن السياسات. وقد حظيت هذه المبادرة بإقبال كبير، خصوصا في أفريقيا، ومن المتوقع أن تكون الموجة التالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقامت 13 دولة في أفريقيا بتنفيذ النظام العام المعزز لنشر البيانات، ومنها نيجيريا والسنغال وسيراليون وتنزانيا. ومن المتوقع أن يُنفَّذ في مزيد من البلدان هذا العام، ومنها الكاميرون وغانا وكينيا وموزمبيق. أما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نُفِّذ النظام في بوتان ونيبال وساموا، ومن المتوقع أن تنفذه ميكرونيزيا مع نهاية يوليو (تموز) الحالي 2017، ويليها لاحقا بنغلاديش وكمبوديا والمالديف ومنغوليا وميانمار.
وعادة ما تعلن هذه البلدان بياناتها الاقتصادية الأساسية، مثل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي ومؤشر أسعار المستهلكين، وتقدم لصناع السياسات والمستثمرين وهيئات التصنيف الائتماني والجمهور العام كوسيلة سهلة للحصول على المعلومات المهمة لمتابعة الأوضاع الاقتصادية.
وتخطط هذه البلدان أيضا لنشر الجدول الكامل المعلن سَلَفا لمواعيد النشر، ومن ثم الالتزام بالانضباط في نشر البيانات، والحد من عدم اليقين الذي يواجه المستثمرين، مما يتوقع أن يحقق درجة أكبر من التحسن في شفافية البيانات.
وتشير التجربة المبدئية التي قام بها الصندوق مع النظام العام المعزز لنشر البيانات إلى أنه يحسن التنسيق بين البنك المركزي ووزارة المالية والجهة الإحصائية في كل بلد، وهي المؤسسات الثلاث المعنية بنشر البيانات. وهذا التنسيق المعزز يمثل تحسنا في الحوكمة.
وترى هذه البلدان أن تنفيذ النظام العام المعزز بمثابة خطوة نحو اعتماد المعيار الخاص لنشر البيانات، وهو المبادرة التي تستهدف البلدان الأكثر تقدما، مما سيساعد على تخفيض تكاليف اقتراضها في المستقبل.
وخلص الصندوق إلى أن تحقيق الشفافية استنادا إلى بيانات موثوقة يعني أن بإمكان صناع السياسات والجمهور العام اتباع سياسات أفضل وخلق اقتصاد أكثر صلابة.



ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.