اليوم الأول من «جنيف» يمهّد لتوحيد المعارضة

انطلاقا من الاتفاق على «الدستور»... وحديث دي ميستورا عن وفد واحد في الجولة الثامنة

اجتماع وفد المعارضة مع دي ميستورا أمس في اليوم الأول من اجتماعات جنيف (الهيئة العليا للمفاوضات)
اجتماع وفد المعارضة مع دي ميستورا أمس في اليوم الأول من اجتماعات جنيف (الهيئة العليا للمفاوضات)
TT

اليوم الأول من «جنيف» يمهّد لتوحيد المعارضة

اجتماع وفد المعارضة مع دي ميستورا أمس في اليوم الأول من اجتماعات جنيف (الهيئة العليا للمفاوضات)
اجتماع وفد المعارضة مع دي ميستورا أمس في اليوم الأول من اجتماعات جنيف (الهيئة العليا للمفاوضات)

انطلقت الجولة السابعة من المفاوضات السورية في جنيف، أمس، لاستكمال البحث في المحاور الأساسية التي سبق أن انتهت إليها الجولة السابقة. وعلى خلاف المواقف التي سبقت اليوم الأول للاجتماعات، عكست آراء المعارضة، أمس، بعض التفاؤل بإمكانية التوصل إلى تقدم خاصة فيما يتعلق بتوحيد وفد المعارضة والقضايا المرتبطة بالدستور، إضافة إلى استكمال المباحثات التي سترتكز على الإرهاب والانتخابات والحكم، لا سيما بعد التقارب الروسي الأميركي الأخير.
ورأى المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في مؤتمر صحافي، أن اتفاقات «عدم التصعيد» في سوريا يمكن أن تسهل تسوية الصراع وتفضي إلى مرحلة لإرساء الاستقرار في البلاد، لكن يجب أن تكون مثل تلك الاتفاقات مرحلة انتقالية وأن تتجنب التقسيم.
وقال دي ميستورا الذي اجتمع في اليوم الأول مع وفد النظام برئاسة بشار الجعفري، إن مناقشات تجرى في العاصمة الأردنية عمان لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا بوساطة أميركية روسية وهو أول جهد من جانب الحكومة الأميركية في ظل الرئيس دونالد ترمب في إطار صنع السلام.
وأضاف: «الاتفاق متماسك في الأساس بوجه عام، متماسك بدرجة كبيرة جدا. في جميع الاتفاقات تكون هناك فترة للتكيف. ونحن نراقب باهتمام شديد»، معبرا عن اعتقاده أن أمام الاتفاق «فرصة جيدة جدا للنجاح».
وأولى الإشارات الإيجابية في مفاوضات جنيف التي تستمر خمسة أيام، كانت في الاجتماع الذي جمع أمس دي ميستورا مع رئيس وفد «الهيئة العليا التفاوضية» نصر الحريري وممثلين عن منصتي موسكو والقاهرة، بحسب ما قال المتحدث باسم الهيئة يحيى العريضي لـ«الشرق الأوسط». كذلك، أكد كل من رئيس منصة موسكو، قدري جميل ورئيس منصة القاهرة جمال سليمان لـ«الشرق الأوسط»، على الجهود الحثيثة التي تبذل لتوحيد المعارضة في الجولة المقبلة، ورجح جميل «أن تكون هذه الجولة، هي الأخيرة التي تحضر فيها المعارضة المفاوضات منقسمة»، متوقعا أن «تذهب إلى الجولة الثامنة ضمن وفد واحد» وكاشفا عن بدء البحث بالتفاصيل التكتيكية لتشكيله.
من جهته، أكد العميد فاتح حسون المشارك في «جنيف» لـ«الشرق الأوسط»، «أن جهود دي ميستورا تنصب في هذه الجولة على توحيد المعارضة في وفد موحد، وهذا الأمر يتوقف على استجابة منصة موسكو بشكل رئيسي». وفي حين رأى أن هذه الجولة التي قد لا يعوّل عليها كثيرا هي في النهاية خطوة نحو الانتقال السياسي، أكد أن «جنيف» يبقى وفق قرارات مجلس الأمن جامعا لكل الأطراف ويستمد أهميته من شموليته وشرعيته الأممية.
ووصف العريضي، بداية الجولة السابعة بـ«المقبولة»، معتبرا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها الأزمة السورية، خاصة اتفاق الهدنة في الجنوب وما سبقها من اتفاق آستانة وإن كان هشا، من شأنها جميعها أن تساعد بشكل أو بآخر وتعطي دفعا للعملية السياسية وإيقاف آلة القتل التي تبقى الهاجس الأساسي بالنسبة إلى السوريين. وأشار إلى أن اجتماع المنصات الثلاث كان استكمالا لعمل اللجان التقنية المشتركة التي جمعت ممثلين عنها، آملا أن ينسحب هذا العمل على مختلف القضايا. ولفت إلى أن جزءا كبيرا من البحث في الدستور قد أنجز بين المنصات الثلاث، مع تأكيده على أن كتابة الدستور الجديد لن تكون إلا على أيدي السوريين. وهو الأمر الذي أكد عليه رئيس منصة موسكو قدري جميل، مشيرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المعارضة التي تجمع المنصات الثلاث، انتهت من وضع الملاحظات على مسودة الدستور الذي قدمّته الأمم المتحدة المؤلف من 12 بندا. ومن المتوقع أن تقدمها في هذه الجولة من المفاوضات، مع تأكيده أن الدستور سيكتب في دمشق. وأضاف أن «المعارضة متفقة بشأن الدستور وننتظر أن يقدم النظام رؤيته حولها».
ولفت جميل إلى ما ذكره دي ميستورا في مؤتمره الصحافي أمس، والذي قال إنه سيتم تشكيل وفد واحد من المعارضة في الجولة الثامنة، ونحن نؤيد هذا الكلام خاصة أن هناك رغبة بهذا الأمر من قبل المنصات الثلاث والتقدم الحقيقي سيكون عند بدء العمل، مضيفا: «في ضوء المستجدات الأخيرة والتقارب الأميركي – الروسي وبدء ملامح إنهاء الأزمة السورية لا بد أن تكون المعارضة موحدة تمهيدا لمفاوضات مباشرة مع النظام».
وبعد غياب فعلي منذ وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعدما كانت أميركا راعيا رئيسياً لمفاوضات جنيف، توحي مشاركة واشنطن في صياغة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا بعودتها وإن بشكل خجول إلى الملف السوري.
ومن المتوقع أن يستكمل طرفا النزاع السوري في هذه المفاوضات بحث جدول الأعمال السابق المؤلف من أربع سلات، هي الدستور والحكم والانتخابات ومكافحة الإرهاب، بالتزامن مع اجتماعات تقنية تتناول «مسائل قانونية ودستورية». وأقر المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن إثر انتهاء الجولة السابقة بوجود هوة عميقة بين الطرفين حيال القضايا الأساسية، لافتا إلى أن ضيق الوقت أحبط عملية التقدم.
ويبقى مصير الرئيس السوري بشار الأسد نقطة التباين الرئيسية، إذ يصر وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية على مطلب رحيله قبل بدء العملية الانتقالية، الأمر الذي تراه دمشق غير مطروح للنقاش أساساً. وكانت قد عقدت منذ العام 2014. ست جولات من المفاوضات غير المباشرة بين طرفي النزاع السوري برعاية الأمم المتحدة من دون أن تنجح في تحقيق خرق يذكر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.