المغرب: بدء محاكمة متزعم حراك الحسيمة

الفريق النيابي لـ«العدالة والتنمية» يعتزم مساءلة وزير الداخلية بشأن استخدام العنف ضد المتظاهرين

TT

المغرب: بدء محاكمة متزعم حراك الحسيمة

بدأت أمس أولى جلسات الاستنطاق التفصيلي أمام قاضي التحقيق بالدار البيضاء لناصر الزفزافي، متزعم احتجاجات مدينة الحسيمة المغربية، الذي اعتقل في 29 مايو (أيار) الماضي.
ويواجه الزفزافي تهم المس بأمن الدولة الداخلي، والاعتداء على حرية العبادات، وذلك عقب منعه إماماً من إكمال خطبة الجمعة، وإلقائه خطاباً تحريضياً داخل مسجد بالحسيمة في 26 من مايو الماضي.
في غضون ذلك، أثار تدخل عنيف من قبل قوات الأمن لتفريق وقفة احتجاجية نظمت السبت أمام مقر البرلمان بالرباط للمطالبة بإطلاق سراح إحدى الناشطات بالحسيمة، انتقادات واسعة.
واعتقلت سليمة الزياني، وهي مغنية معروفة باسم «سيليا»، في يونيو (حزيران) الماضي، وتعد إحدى الناشطات في حراك الريف، وقد أثار اعتقالها استياء واسعاً، ولقيت تضماناً كبيراً دفع منظمات نسائية وحقوقية إلى التظاهر أمام البرلمان للمطالبة بالإفراج عنها وعن المعتقلين على خلفية احتجاجات الريف.
وفي السياق ذاته، قرر فريق حزب العدالة والتنمية بمجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) مساءلة عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، بشأن استخدام العنف من طرف قوات الأمن ضد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية التي نظمت للمطالبة بإطلاق سراح سيليا، وطالب فريق «العدالة والتنمية» وزير الداخلية بالكشف عن «المسؤول عن إعطاء التعليمات لاستخدام العنف لتفريق وقفة احتجاجية سلمية؟ وما الأساس القانوني الذي استند عليه؟ وما الإجراءات التي يعتزم اتخاذها لمحاسبة المسؤولين عن المس بالحق في التظاهر السلمي؟».
وجاء في السؤال الذي سيوجهه كل من نبيل الشيخي وعبد العالي حامي الدين: «لقد نص دستور المملكة على حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي (الفصل 29)، كما شدد الدستور على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة من الكرامة الإنسانية، طبقاً للفصل 22».
غير أن الملاحظ، حسب نص السؤال، أن كثيراً من الوقفات السلمية تتعرض للتعنيف من قبل القوات العمومية دون مبررات قانونية معقولة، آخرها الوقفة السلمية التي نظمتها فعاليات نسائية أمام البرلمان مساء 8 من يوليو (تموز) للتعبير عن تضامنها مع الفنانة سيليا ومعتقلي احتجاجات الريف كافة. وقد خلف هذا التدخل العنيف مجموعة من الضحايا من المحتجين الذين تعرضوا لجروح وكسور متفاوتة الخطورة، من بينهم شخصيات حقوقية معروفة.
وكانت ولاية الأمن بجهة الرباط - سلا - القنيطرة قد أوضحت مساء أول من أمس أن تدخل قوات الأمن جاء بعد رفض المحتجين فض التظاهرة، وأفادت في بيان بأن «ممثل القوة العمومية عمد طبقاً لما هو منصوص عليه في القانون إلى مطالبة الحاضرين بفض التجمهر لما يشكله من إخلال بالأمن العام، وعرقلة لحركة السير والمرور، غير أن بعض المتجمهرين أبدوا امتناعاً، وتعمد بعضهم استفزاز ومواجهة أفراد القوات العمومية وتعريضهم للعنف اللفظي والجسدي، مما اضطرت معه القوات العمومية، وبتنسيق مع النيابة العامة المختصة، للتدخل لتفريق هذا التجمهر».
كان مصطفى الرميد، وزير الدولة لحقوق الإنسان، قد انتقد في تقرير حول أحداث الحسيمة «من يصر على تصوير التدخلات الأمنية التي تقوم بها السلطات المختصة على أنه فعل عصابة خارج القانون، وليس قوات الأمن»، مقراً بحدوث تجاوزات من طرف رجال الأمن ومن قبل المتظاهرين، تعرض مرتكبيها للمساءلة والمتابعة القانونية. بيد أنه موقفه هذا جر عليه انتقادات واسعة.
من جهتها، قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن تدخل قوات الأمن أسفر عن عشرات الجرحى، وإن الاعتداء طال عدداً من القيادات الحقوقية، وحتى الصحافيين. وعبرت الجمعية عن إدانتها الشديدة للعنف الممارس ضد متظاهرين سلميين، في انتهاك بيّن لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الدولة المغربية، وخصوصاً العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وكل ضروب المعاملة القاسية والمهينة والحاطة من الكرامة، والإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
وطالبت الهيئة الحقوقية «بفتح تحقيق في هذه الاعتداءات، وترتيب الإجراءات القانونية اللازمة، احتراماً للحقوق والحريات، وتطبيقاً للقانون، من أجل وضع حد لإفلات المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان من العقاب».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.