حليم يوسف: «الكردية» تتيح لي التعبير بحرية

الروائي الكردي السوري يقول إنه لم يهجر الكتابة بالعربية لكنها أصبحت في المرتبة الثانية

حليم يوسف
حليم يوسف
TT

حليم يوسف: «الكردية» تتيح لي التعبير بحرية

حليم يوسف
حليم يوسف

حققت الرواية الكردية في سوريا حضورا مهما في السنوات الأخيرة خصوصا مع الروائيين الشباب الذين اقتحموا المشهد الروائي الكردي ليس في سوريا بل في أنحاء كردستان. وهنا يحضر الروائي الكردي السوري حليم يوسف صاحب «مم بلا زين» و«الخوف الأدرد» و«عندما تعطش الأسماك»، التي ترجمت فور صدورها إلى التركية.
ولد حليم يوسف في عامودا 1967 سنة النكسة العربية لأب كردي هرب من تركيا إلى سوريا وأم كردية سورية ومع ذلك لم يكن الأب يجيد التركية ولا الأم تجيد العربية، وظلت الكردية لغة التواصل للعائلة الصغيرة رغم مشاريع التعريب في المناطق الكردية في سوريا.
هنا حوار أجري في العاصمة الهولندية حيث يقيم.. عن طفولته وعلاقته باللغتين الكردية والعربية وأحوال الرواية الكردية.

> حدثني عن علاقتك باللغتين العربية والكردية.
- دعني أضع المسألة في إطارها الحقيقي. من الطبيعي أن يكتب كل أديب بلغته الأم، وفي الحالات الاستثنائية يكتب الأدباء بلغات أخرى لها علاقة بالظروف التي تنتج تجاربهم الأدبية. وفي حالتي، ونظرا لسياسة المنع التي اتبعتها السلطات السورية منذ الاستقلال وحتى الآن تجاه اللغة الكردية، لغتي الأم، فقد بدأت الكتابة باللغة الرسمية التي فرضت علينا عنوة، وهي العربية فيما بعد، ونتيجة لجهود فردية بحتة، بعيدا عن أعين أجهزة المخابرات وملحقاتها، استطعت إعادة الأمور إلى نصابها وإتقان الكردية كتابة، إلى درجة أستطيع فيها التعبير بحرية عما يعتلج في داخلي، بحيث يحافظ فيه النص الأدبي الذي أكتبه على سويته الفنية. وعدت إلى الوضع الطبيعي لأي كاتب على وجه الأرض، وهو الكتابة باللغة الأم. علما بأنني لم أهجر العربية، لكنها تراجعت في إنتاجي الأدبي وأصبحت في الدرجة الثانية بعد الكردية. الأصح أنني كاتب باللغتين. فقد قمت بنفسي بترجمة كتبي الصادرة بالعربية إلى الكردية، وهي ليست ترجمة بالمعنى المتعارف عليه بقدر ما هي كتابة جديدة وإعادة إنتاج النص نفسه بلغة جديدة. وفي قادم الأيام سأعمل على ترجمة كل ما صدر لي إلى العربية. إن علاقتي باللغتين مستمرة ولم أهجر إحداهما لصالح الأخرى. وإن كانت الكردية بالنسبة لي لغة الروح، فإن العربية تظل اللغة التي ساهمت في تشكيل وعيي الأدبي والفكري والفلسفي، خاصة أنني تعرفت من خلالها على الآداب والعلوم الأخرى. هذا الدور المفتاحي الذي لعبته العربية في تشكيل الوعي الثقافي لي ولأبناء جيلي من الكتاب الكرد لم يكن متاحا للكردية القيام به في سوريا اللون الواحد.
> هل تعاني من مضاعفات الازدواج اللغوي.. درست بالعربية وكتبت بها بينما الكردية لغتك الأم؟ وما تأثير هذه المضاعفات والأعراض الجانبية على نصك؟
- تتوزع مضاعفات هذا الازدواج اللغوي بين بعدين متناقضين: الأول يكتسب طابعا مغرقا في السلبية، حيث التخريب الروحي لطفل يجبر على التعلم بلغة هي ليست لغة أمه وبطريقة وحشية تستند على معاقبته فيما إذا تحدث بلغة أمه في المدرسة. في صغري نلت حصتي من العقوبة في هذا المنحى. ما زلت أتذكر الوجه المتجهم للمعلم الذي كان غاضبا من بلاهتي المتجسدة في عدم فهم ما يقول، وحانقا على أهلي الذين لم يربوني جيدا ولم يساهموا في إعدادي وتأهيلي للدراسة، وذلك بأن يعلموني لغة المدارس والشرطة. وما لم يكن يعلم به معلمي الحلبي في الصف الأول أن أهلي أيضا لا يعرفون العربية، وأن أمي وأبي لم يتحدثا طيلة حياتهما سوى لغة وحيدة وهي ممنوعة في هذه البلاد. في باحة المدرسة وفي أوقات الاستراحة الفاصلة بين حصتين، كان مدير المدرسة يكلف عريف الصف بكتابة أسماء الأطفال الذين يتحدثون فيما بينهم بلغة غير اللغة الرسمية. ولم أنج من رقابة عريف الصف آنذاك والذي كان ابنا لشرطي قادم من حماه للعمل في عاموده.
ويكتسب البعد الآخر طابعا إيجابيا يتجسد في التعدد أو الازدواج اللغوي الذي يتيح لصاحبه معرفة أوسع وانفتاحا أكبر على ثقافتين وعلى عالمين يحويان الكثير من التفاصيل التي يظل الآخر غافلا عنها. أنا أعتبر نفسي محظوظا مقارنة مع كاتب سوري آخر غير كردي، لأنني أتقن لغة لا يعرفها هو، كذلك لدي الكثير من المواد الخام للكتابة الأدبية، تظل عصية على شريكي الآخر السوري. لذلك أعتبر نفسي أغنى منه وأكثر قابلية منه للاستفادة من تراث وعوالم اللغتين. كل لغة هي باب جديد ينفتح على الروح وعلى العالم. لذلك لست مستاء من تعلم العربية بقدر ما أنا مشمئز من الطريقة المؤذية والجارحة التي تعلمنا بها.
قد تكون المضاعفات النفسية لهذه الحالة مخيفة على الصعيد الشخصي والحياتي، لكنها تنعكس بشكل إيجابي على النص الأدبي المكتوب. فكل منا أصبح صاحب رأسمال ضخم من الألم الكثيف والعميق، هذا الألم الذي لا يعرفه إلا من قطع لسانه بسكين مسننة. ويعتبر هذا الحزن العظيم الذي ينتجه ذاك الألم ثروة أدبية كبيرة، فيما إذا تم استثمارها فنيا.
> أشعر بأن ثمة انفصاما ما يعاني منه الكاتب أو الشاعر الكردي سواء في سوريا أو في تركيا، هل هذا صحيح؟ هل تعاني أنت من مثل هذا الانفصام؟
- أنا منسجم مع نفسي إلى أبعد حد، لأنني لا أجد أي تناقض بين أن أكون كاتبا كرديا أكتب بلغتي الأم وانتمائي إلى سوريا الوطن المشترك للكرد والعرب وغيرهم. وما بالك وأنا أكتب بلغة شريكي في الوطن أيضا. قد تجد حالة الفصام التي تتحدث عنها لدى الكتاب الكرد الذين يكتبون فقط بالعربية. إذا تذكرنا حقيقة مفادها أن اللغة هي التي تحدد هوية الأدب، فلا يجوز تصنيف أدب هؤلاء على الأدب الكردي، وينزعج أغلبهم من تصنيف كتاباتهم في خانة الأدب العربي أو اعتبارهم كتابا عربا، وبذلك يعيشون حالة فصام بين انتمائهم القومي من جهة وبين انتماء أدبهم إلى أدب آخر من جهة أخرى. يستثنى من ذلك الكتاب الذين يكتبون باللغتين. وفي تركيا يعيش الكتاب الكرد، كما في سوريا، حالة شبيهة من الفصام الذي نتحدث عنه.
واللافت في هذا السياق أن الكتاب الكرد الذين يكتبون بالعربية يقدمون أنفسهم ككتاب يمثلون الكرد أو الأدب الكردي لدى قراء العربية، الأمر الذي لا يتجرأ على القيام به من يكتب بالتركية من الكتاب الكرد. لا شك أن هذه الظاهرة هي إحدى مخلفات السياسة الشوفينية المتبعة بحق الشعب الكردي الموزع وطنه بين دول تضطهده، تمنع لغته وتمنعه من إطلاق الأسماء الكردية حتى على أطفاله ولا تعترف بحقوقه القومية والإنسانية.
أعتقد أن حالة الفصام هذه وليدة الاستبداد وستزول بزواله، وذلك بأن تعود الحياة الإنسانية لهذه الشعوب إلى مجراها الطبيعي وأن تتعايش الثقافات واللغات في جو من الوئام والمحبة، بدلا من المنع والسجن والقتل والإبادة وصهر جميع الألوان في لون واحد أحد.
> روايتك «عندما تعطش الأسماك» صدرت ترجمتها بالتركية، ما سر هذا الاهتمام بالرواية الكردية السورية في تركيا؟
- «عندما تعطش الأسماك» هو كتابي الثالث الذي يصدر بالتركية بعد «موتى لا ينامون» 1997 و«خوف بلا أسنان» 2006. وقد وقع اختيار إحدى دور النشر التركية على هذه الرواية لترجمتها وإصدارها بعد نفاد الطبعة الأولى من الرواية بالكردية. ويأتي ذلك في سياق الاهتمام بالرواية الكردية التي باتت تلفت الأنظار إليها في السنوات الأخيرة، وذلك بعد غياب طويل للأدب المكتوب بهذه اللغة الممنوعة منذ عقود من الزمن على الجانبين التركي والسوري على السواء.
وما زالت الأوساط الرسمية التركية ودور النشر الدائرة في فلكها مستمرة في إهمالها لهذا الأدب الناهض وتتجنب ترجمته أو تبنيه بأي شكل من الأشكال. غالبا ما تجد نتاجاتنا صداها لدى الأوساط اليسارية في تركيا والبعيدة عن الآيديولوجيا الرسمية للدولة والمناهضة لها. في حين تقدم دور النشر الكبيرة، وتلك المقربة من الدولة، الجائزة تلو الأخرى للكتاب الكرد الذين يكتبون بالتركية. تطبع نتاجاتهم وتوفر لهم جميع مستلزمات الانتشار والشهرة.
> المشهد الروائي الكردي كيف تراه الآن؟ وهل الرواية ديوان الكرد؟
- بدأ الأدب الكردي الحديث بمختلف أجناسه ينتعش في العقدين الأخيرين، وتحديدا في تسعينات القرن المنصرم وحتى الآن. لا يمكننا فصل المشهد الأدبي الكردي عن تطورات المشهد الأدبي على صعيد العالم.. فكما أن الرواية بدأت تحتل صدارة هذا المشهد في عالم اليوم، أخذت الرواية الكردية أيضا هذا المنحى. وقد عانينا في إحدى الفترات من طوفان الشعر وكثرة الشعراء، ونعاني أخيرا من كثرة عدد الروائيين إلى درجة أن كل من فشل في كتابة جنس أدبي آخر بدأ يكتب الرواية. ما إن تسأل كل من له علاقة بالكتابة عن مشروعه القادم، حتى يحدثك عن كتابة رواية جديدة. ومن إحدى الخصوصيات المحزنة للأدب الكردي الحالي اختلاط الحابل بالنابل وغياب النقد المؤثر، بحيث يمكن لأسوأ كاتب في تاريخ الرواية أن ينصب نفسه الروائي الكردي الأول. قد يبدو المشهد كاريكاتيريا إلى حد ما، لكنه المشهد الأقرب إلى الواقع الحالي للرواية الكردية التي تعيش مرحلة انتقالية صعبة تفصل بين ماض يتسم بالانعدام المطلق وحاضر يحمل جنين الانبعاث العظيم.
> بالتأكيد هناك عمل روائي جديد لك هل تحدثنا عنه؟
- رواية تتحدث عني وعنك وعن وهم اسمه الوطن البديل. هناك في مكان ما من هذا العالم، شاءت الأقدار أن يحكم «النازيون» وطنا لأكثر من أربعة عقود، فيتحداهم «أحدهم» ويرفض أن يصبح ضحية عمياء. وعندما يكتشف أن بديل الانتحار يكمن في الهجرة، يهاجر تاركا وراءه نصف عمره، ظانا أنه فر بجلده ووجد وطنا بديلا لوطنه الذي بات مرتعا للثعابين. وستقرأ البقية في الرواية لدى صدورها، ربما، قبل انتهاء هذا العام.



رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
TT

رؤوس ثيران برونزية من موقع مليحة في الشارقة

قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة
قطع برونزية من موقع مليحة في إمارة الشارقة

يحتفظ مركز مليحة للآثار في إمارة الشارقة بمجموعة من اللقى البرونزية، منها مجسمات منمنمة تمثّل رأس ثور يتميّز بأنف طويل صيغ على شكل خرطوم. تعود هذه الرؤوس في الواقع إلى أوان شعائرية جنائزية، على ما تؤكّد المواقع الأثرية التي خرجت منها، وتتبع كما يبدو تقليداً فنياً محلياً ظهرت شواهده في موقع مليحة، كما في نواح أثرية أخرى تتّصل به في شكل وثيق.

يعرض مركز مليحة للآثار نموذجين من هذه الرؤوس، وصل أحدهما بشكل كامل، فيما فقد الآخر طرفي قرنيه. يتماثل هذان الرأسان بشكل كبير، ويتبنيان في تكوينهما أسلوباً تحويرياً مبتكراً، يجسّد طرازاً خاصاً لا نجد ما يماثله في أقاليم جنوب الجزيرة العربية المتعددة، حيث حضر الثور في سائر الميادين الفنية بشكل كبير على مر العصور، وتعدّدت أنواعه وقوالبه، وشكّلت نماذج ثابتة بلغت نواحي أخرى من جزيرة العرب الشاسعة. ظهر رأس الثور بشكل مستقل، وحضر في عدد كبير من الشواهد الأثرية، منها العاجي، والحجري، والبرونزي. تعدّدت وظائف هذه الرؤوس، كما تعدّدت أحجامها، فمنها الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير. وتُظهر الأبحاث أنها تعود إلى حقبة زمنية تمتد من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرون الميلادية الأولى.

في المقابل، يصعب تحديد تاريخ رؤوس ثيران مليحة، والأكيد أنها تعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الميلادي الأول، حسب كبار عملاء الآثار الذين واكبوا اكتشافها في تسعينات القرن الماضي. تتبنّى هذه الرؤوس قالباً جامعاً واحداً يتميّز بتكوينه المخروطي وبملامحه المحدّدة بشكل هندسي، وهي من الحجم المنمنم، ويبلغ طول كل منها نحو 5 سنتمترات. الأنف طويل، وهو أشبه بخرطوم تحدّ طرفه الناتئ فجوة دائرية فارغة. تزيّن هذا الأنف شبكة من الخطوط العمودية المستقيمة الغائرة نُقشت على القسم الأعلى منه. العينان دائريتان. تأخذ الحدقة شكل دائرة كبيرة تحوي دائرة أصغر حجماً تمثّل البؤبؤ، ويظهر في وسط هذا البؤبؤ ثقب دائري غائر. الأذنان مبسوطتان أفقياً، والقرنان مقوّسان وممدّدان عمودياً. أعلى الرأس مزيّن بشبكة من الزخارف التجريدية المحززة ترتسم حول الجبين وتمتدّ بين العينين وتبلغ حدود الأنف.

يشكّل هذا الرأس في الواقع فوهة لإناء، وتشكّل هذه الفوهة مصبّاً تخرج منه السوائل المحفوظة في هذا الإناء، والمثال الأشهر قطعة عُرضت ضمن معرض مخصّص لآثار الشارقة استضافته جامعة أتونوما في متحف مدريد الوطني للآثار خلال عام 2016. يعود هذا الإناء إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد وصل بشكل مهشّم، واستعاد شكله التكويني الأوّل بعد عملية ترميم طويلة ودقيقة. تتكوّن هذه القطعة الأثرية من وعاء صغير ثُبّت عند طرفه الأعلى مصبّ على شكل رأس ثور طوله 4.6 سنتمترات. عُرف هذا الطراز تحديداً في هذه الناحية من شمال شرق شبه الجزيرة العربية التي تقع في جنوب غرب قارة آسيا، وتطلّ على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي.

عُثر على هذه الآنية إلى جانب أوان أخرى تتبع تقاليد فنية متعدّدة، في مقبرة من مقابر مليحة الأثرية التي تتبع اليوم إمارة الشارقة، كما عُثر على أوان مشابهة في مقابر أخرى تقع في المملكة الأثريّة المندثرة التي شكّلت مليحة في الماضي حاضرة من حواضرها. ظهر هذا النسق من الأواني الجنائزية في مدينة الدّور الأثرية التي تقع اليوم في إمارة أم القيوين، على مقربة من الطريق الحديث الذي يربط بين رأس الخيمة والشارقة، وهي على الأرجح مدينة عُمانا التي حضنت أهم ميناء في الخليج خلال القرن الأول الميلادي. كما ظهر في منطقة دبا التي تتبع إمارة الفجيرة، وفي مناطق أخرى تتبع في زمننا سلطنة عُمان، منها منطقة سلوت في ولاية بهلاء، في محافظة الداخلية، ومنطقة سمد في ولاية المضيبي، شمال المحافظة الشرقية.

اتّخذت فوهة هذه الأنية شكل رأس ثور في أغلب الأحيان، كما اتخذت في بعض الأحيان شكل صدر حصان. إلى جانب هذين الشكلين، ظهر السفنكس برأس آدمي وجسم بهيمي، في قطعة مصدرها منطقة سلوت. شكّلت هذه الأواني في الأصل جزءاً من آنية شعائرية طقسية، في زمن ازدهرت فيه التجارة مع عوالم الشرق الأدنى والبحر الأبيض المتوسط والهند. والمعروف أن أواني الشراب التي تنتهي بمصبات ذات أشكال حيوانية، برزت بشكل خاص في العالم الإيراني القديم، حيث شكّلت سمة مفضلة في الطقوس والولائم. افتتن اليونانيون باكراً بهذه الفنون وتأثّروا بها، كما شهد شيخ المؤرخين الإغريق، هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وعمدوا إلى صناعة أوان مشابهة مزجت بين تقاليدهم وتقاليد أعدائهم، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع الفنية الإرثية.

من ناحية أخرى، دخلت هذه التقاليد العالم الشرقي الواسع، وبلغت ساحل الخليج العربي، حيث ساهمت في ولادة تقاليد فنية جديدة حملت طابعاً محلياً خاصاً. تجلّى هذا الطابع في ميدان الفنون الجنائزية بنوع خاص، كما تظهر هذه المجموعة من الأواني التي خرجت كلها من مقابر جمعت بين تقاليد متعدّدة. استخدمت هذه الأواني في شعائر طقسية جنائزية خاصة بالتأكيد، غير أن معالم هذه الشعائر المأتمية تبقى غامضة في غياب أي نصوص كتابية خاصة بها.