صدمة في القطاع الخاص المصري بعد رفع أسعار الفائدة

صدمة في القطاع الخاص المصري بعد رفع أسعار الفائدة
TT

صدمة في القطاع الخاص المصري بعد رفع أسعار الفائدة

صدمة في القطاع الخاص المصري بعد رفع أسعار الفائدة

لم يكد القطاع الخاص ورجال الأعمال في مصر يفيقون من صدمة رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس في مايو (أيار) حتى وجَّه لهم البنك المركزي، يوم الخميس، لطمةً يرى البعض أنها قد تكون شبه قاضية بزيادة تكاليف الاقتراض 200 نقطة أساس أخرى.
وصف البنك المركزي قراره بـ«المؤقت»، وأنه يستهدف السيطرة على التضخم السنوي والوصول به إلى مستوى في حدود 13 في المائة في الربع الأخير من 2018.
وقفز التضخم السنوي في المدن المصرية إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود بعد قرار تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وسجل 31.5 في المائة في أبريل (نيسان)، ثم تراجع قليلاً في مايو إلى29.7 في المائة.
لكن قرارات تقليص دعم الوقود التي صدرت الشهر الماضي تنبئ بتجدد المسار الصعودي لمعدلات التضخم في الأشهر المقبلة.
وقال حسام أبو العينين الرئيس التنفيذي لشركة «سيديكو» للأدوية لـ«رويترز» معلِّقاً على قرار رفع الفائدة: «سيكون له تأثير مدمر على الصناعة وقطاع الأدوية. تكلفة الاقتراض زادت وأسعار الطاقة ارتفعت وأسعار الدواء يتم تسعيرها جبريّاً، ولا يمكن تحريكها إلا بقرار وزاري... أتوقَّع حدوث نقص في الأدوية الفترة المقبلة. الشركات الأجنبية لن تتحمل... هذه الشركات كم تكسب حتى تستطيع تحقيق أرباح في ظل الأسعار الحالية؟ لا يوجد مستثمر سيفكر بالاستثمار بتلك الأسعار».
ورفعت مصر أسعار الوقود في نوفمبر ثم زادتها مجدداً في نهاية يونيو (حزيران) في وقت ما زال المصريون يحاولون التكيف فيه مع موجة غلاء فاحش. وقد يخفف رفع الفائدة الضغوط عن الأفراد لكنه قاتل للشركات.
وقال شريف الجبلي الرئيس التنفيذي لشركة «أبو زعبل للأسمدة والكيماويات»: «المشروعات الصناعية الجديدة سيكون من الصعب تنفيذها في ظل الأسعار المرتفعة للفائدة».
وقال أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية لـ«رويترز»: «القرار سيُحدِث شللاً في الاستثمارات. يندر وجود دراسات جدوى يمكنها تحقيق مثل هذه الفائدة أو تحقيق ربح بعد دفع فوائد بهذه النسبة، وبالتالي ستتوقف الاستثمارات في القطاع... تكلفة التمويل سيكون لها تأثير سلبي على طلبيات التصدير وعلى عنصر التكلفة مما سيؤدي إلى عدم تنافسية أسعار المنتجات المصرية... المصانع ستحاول تقليل التكلفة وحجم العمالة وكمية الخامات لتتناسب مع الانخفاض في الطلب، وإلا ستتكبد خسائر أكثر تؤدي لإغلاق المنشأة».
ويبدو أن عدداً من رجال الأعمال بدأوا يفقدون الثقة في الإجراءات الاقتصادية لحكومة شريف إسماعيل التي لطالما أشادوا بها من قبل.
لكن هاني برزي رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية والرئيس التنفيذي لشركة «إيديتا» قال لـ«رويترز»: «قرار رفع أسعار الفائدة قد يكون إيجابيّاً في حالة رغبة المركزي تقوية عملته مقابل الدولار. قد نشهد حالة من الركود المؤقت نتيجة للقرار ولكن قيمة الجنيه سترتفع ما يجعل الوضع يتحسن بعد ذلك».
وشهد الجنيه المصري ارتفاعات طفيفة في الأيام القليلة الماضية ليسجل ما بين 17.92 و17.95 جنيه للدولار في المتوسط.
وأضاف برزي: «القطاع الصناعي تضرر بالفعل نتيجة زيادة أسعار الفائدة خلال المرات السابقة. كثير (من الشركات) توقف عن الاقتراض والاستثمار نتيجة الزيادة. نأمل في تحسن قيمة الجنيه وهو ما قد يُسهِم في تعافي وضع سعر الفائدة».
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة الأساسية 700 نقطة أساس في أقل من تسعة أشهر ونحو ألف نقطة أساس في أقل من عامين.
وكثيراً ما يخالف البنك المركزي تحت رئاسة محافظه الحالي طارق عامر توقعات المحللين ورجال الأعمال في قرارات أسعار الفائدة.
وعلى العكس من كثير من المصنعين ورجال الأعمال يرى هاني جنينة الخبير الاقتصادي أن «قرار رفع الفائدة جاء في وقته تماماً».
وأضاف: «نمرّ بثلاث مراحل في طريقنا للإصلاح النقدي والمالي، وانتهينا من المرحلة الأول الخاصة بمعالجة التشوه في سعر الصرف من خلال طريقة الصدمة بتحرير سعر الصرف في نوفمبر... المرحلة الثانية خاصة بإعادة تراكم الاحتياطي النقدي، التي تستغرق من عام إلى عام ونصف العام، ثم المرحلة الثالثة، التي نستهدف فيها تراجع التضخم إلى 13 في المائة خلال الربع الأخير من 2018 وحينها سنبدأ في دعم النمو الاقتصادي من جديد».
وزاد احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 31.305 مليار دولار في نهاية يونيو من 31.125 مليار في مايو ومن 16.423 مليار دولار، حينما تولى عامر رئاسة البنك المركزي وقبل أن يتخذ كثيراً من قرارات رفع الفائدة.
وتوقع جنينة قيام «البنوك بطرح أوعية ادخارية قصيرة الأجل بفائدة مرتفعة. سنرى نزولاً قوياً لمعدلات التضخم في نوفمبر المقبل، وهو شهر سنة الأساس بعد تحرير سعر الصرف، وسيكون هذا وقتاً مناسباً للمركزي لتخفيض أسعار الفائدة بشكل قوي أو جزئي».
وطرح عدد من البنوك المحلية أوعية ادخارية بفائدة تصل إلى 20 في المائة في نوفمبر بعد قرار تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس.
وتوفير الغذاء بأسعار في متناول المواطنين قضية حساسة في مصر التي يعيش الملايين فيها تحت خط الفقر، وشهدت الإطاحة برئيسين خلال ست سنوات لأسباب منها السخط على الأوضاع الاقتصادية.
وقال رجل أعمال مصري يرتكز نشاطه على الاستيراد، طالباً عدم نشر اسمه: «الناس (بتلطم) في الشارع. لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون».
وقال محمد بدراوي عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب لـ«رويترز»: «(المركزي) رفع أسعار الفائدة ست مرات خلال نحو عام ونصف العام وكان يبرر القرار كل مرة باستهداف التضخم لكنه لم يحقق هدفه في أي من المرات السابقة... رفع الفائدة يؤدي لزيادة تكلفة الإنتاج وارتفاع أسعار السلع وبالتالي لا يحقق الهدف المرجو في تخفيض التضخم».
والاقتصاد المصري ليس في حالة ركود حيث نما 4.3 في المائة في الربع الثالث من السنة المالية الحالية 2016 - 2017 بعد نمو 3.8 في المائة و3.4 في المائة في الربعين الثاني والأول على الترتيب. لكن الاقتصاد يعاني بشدة منذ ثورة يناير (كانون الثاني) عام 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك وما أعقبها من قلاقل سياسية أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين.
وقال تامر بدر الدين الرئيس التنفيذي لشركة «البدر للبلاستيك»: «القرار سيؤدي لشلل الاستثمار بصفة عامة... القرار سيكون سليماً في حالة وجود تضخم مع زيادة في السيولة لتحفيز الادخار، وتقليل نسبة السيولة للحد من التضخم، لكن الواقع هو عدم توافر سيولة لدي الشركات والأفراد نتيجة موجة الغلاء مما يجعل القرار يخدم المستثمر الأجنبي المضارب في العملة دون العمل على تحفيز الاستثمار وخلق قيمة حقيقية للاقتصاد».
وبلغت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية نحو 9.8 مليار دولار في 2016 - 2017 من 1.1 مليار في 2015 - 2016.
وقال محمد معيط نائب وزير المالية لشؤون الخزانة المصري لـ«رويترز» إن الوزارة لم تأخذ في الاعتبار زيادة أسعار الفائدة 400 نقطة أساس في آخر اجتماعين للبنك المركزي. وتبلغ مصروفات فوائد الدين 381 مليار جنيه في موازنة 2017 - 2018.
وأضاف: «نتوقع أن يكون قرار رفع الفائدة إجراء مؤقتاً لاستهداف التضخم... نتوقع تراجع معدلات التضخم مطلع 2018، وبالتالي بدء الاتجاه النزولي لأسعار الفائدة».
وقال معيط: «متوسط سعر الفائدة على الاقتراض المحلي حاليا بين 19 و20 في المائة وقد ينخفض هذا المتوسط خلال النصف الثاني من 2018 ليصل إلى 18 في المائة... تكلفة الفوائد عن 2016 - 2017 زادت عن المستهدف بسبب تغيرات سعر الصرف والفائدة ولكن لا يمكن إعلانها حاليا».
ويعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي عن مستويات التضخم خلال يونيو في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وقال محمد فؤاد عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب: «الموازنة الجديدة للحكومة قد تتكبد نحو 60 مليار جنيه على أقل تقدير على فوائد الديون».
وتساءل ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب لـ«رويترز»: «ما المشروع الذي يمكن أن يتخطى ربحه 20 في المائة حتى يستثمر فيه أي رجل أعمال؟».
* التسلسل الزمني لرفع الفائدة
- رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية 1000 نقطة أساس خلال نحو 18 شهراً وسط محاولات لإصلاح الاقتصاد المتعثر والتصدي للتضخم الجامح.
فيما يلي التسلسل الزمني لتلك الزيادات:
- تولى طارق عامر رئاسة البنك المركزي في 27 نوفمبر 2015، وصدرت في رئاسته حتى الآن 21 قرارا لأسعار الفائدة منها ستة قرارات بزيادتها.
- في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2015 وبعد نحو شهر من تولي طارق عامر رئاسة البنك المركزي رفعت لجنة السياسات النقدية في البنك أسعار الفائدة 50 نقطة أساس على الإيداع إلى 9.25 في المائة وعلى الإقراض لتصل إلى 10.25 في المائة.
- بلغ معدل التضخم في مدن مصر 11.1 في المائة في ديسمبر 2015.
- في 17 مارس (آذار) 2016 رُفعت أسعار الفائدة 150 نقطة أساس على الإيداع والإقراض.
- في 16 يونيو رفع البنك المركزي أسعار الفائدة 100 نقطة أساس.
- في الثالث من نوفمبر جرى رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس على الإيداع والإقراض إلى 14.75 في المائة و15.75 في المائة على الترتيب وكان ذلك تزامنا مع تحرير سعر الصرف وبعد رفع أسعار الوقود.
- في 21 مايو 2017 تقرر رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس على الإيداع والإقراض.
- في السادس من يوليو (تموز) رفعت مصر أسعار الفائدة 200 نقطة أساس لتصبح 18.75 في المائة على الإيداع و19.75 في المائة على الإقراض.
- بلغ معدل التضخم في مدن مصر 29.7 في المائة في مايو من31.5 في المائة في أبريل نيسان.
* محللون يتوقعون تأثر بورصة مصر سلباً بقرار رفع الفائدة
توقع محللون تأثر بورصة مصر سلباً بقرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 200 نقطة ليل الخميس أساس لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أن السوق ستتجاوز تلك الآثار سريعاً ما لم تطرح البنوك أوعية ادخارية بفائدة تزيد عن 20 في المائة.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة الأساسية 700 نقطة أساس في أقل من تسعة أشهر وألف نقطة أساس في نحو عام ونصف العام.
وقال إيهاب سعيد من أصول للوساطة في الأوراق المالية الذي انضمّ حديثاً لعضوية مجلس إدارة البورصة: «البورصة ستتأثر بالتأكيد سلبيّاً بقرار رفع أسعار الفائدة، على الأقل في جلسة الأحد... التأثير سيكون أكبر إذا جرى رفع العائد على شهادات الادخار».
وطرح عدد من البنوك المحلية أوعية ادخارية بفائدة تصل إلى 20 في المائة في نوفمبر بعد قرار تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس.
كانت البورصة استفادت بتحرير سعر الصرف حيث شهدت تدفقاً للاستثمارات الأجنبية والعربية على الأسهم وزادت قيمتها السوقية لكن شح السيولة تجدد في الأشهر القليلة الماضية.
وقال عمرو الألفي من مباشر المالية: «السوق ستتأثر بالمعنويات السلبية. أتوقع تأثراً سلبيّاً لأسهم الشركات المقترضة بسبب تأثر أرباحها».
ويبلغ عدد الشركات المقيدة في سوق الأسهم المصرية نحو 270 شركة ما بين حكومية وخاصة. وارتفع المؤشر الرئيسي 8.3 في المائة منذ بداية العام وحتى إغلاق يوم الخميس.
وقال إبراهيم النمر من «نعيم للوساطة في الأوراق المالية»: «السوق ستتأثر في أول جلسة أو جلستين على الأكثر ثم يبدأ التماسك وامتصاص خبر الفائدة. المؤشر الرئيسي للسوق قد يتراجع حتى مستوى 13000 - 13150 نقطة ويتماسك حينها ويعاود الارتفاع حتى 13520 - 13695 نقطة».
وأغلق المؤشر المصري الرئيس يوم الخميس عند مستوى 13369.88 نقطة مرتفعاً 0.26 في المائة.
واتفق أحمد عياد من «مباشر المالية» مع النمر في أن المؤشر الرئيسي لن يتراجع بقوة، قائلاً إن أقصى حد قد ينزل إليه هو مستوى 13000 نقطة.
ويرى محمد جاب الله من «بايونيرز لتداول الأوراق المالية» أن قرار رفع الفائدة «سيؤثر سلباً على نتائج أعمال الشركات ويزيد مخاطر الاستثمار في البورصة مقارنة بعائد مرتفع خالٍ من المخاطرة في الادخار بالبنوك».
وتتجه أموال المستثمرين إلى الملاذات الآمنة في أوقات المصاعب الاقتصادية.
وقال عيسى فتحي نائب رئيس شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية: «التأثير سيكون محدوداً، بشرط عدم إصدار شهادات ادخار بفائدة أعلى من 20 في المائة».
وقال أحمد شمس من المجموعة المالية «هيرميس»: «الجميع يعلم أن قرار رفع الفائدة مؤقت. لن يأخذ أحد قراره الاستثماري على أساس أسعار الفائدة تلك، وإلا فإن جلوس الجميع في بيوتهم سيكون أفضل».



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»